يتظهّر يوماً بعد يوم، أن ثمة ماكينة إعلامية ضخمة داخل «حزب الله» قد أُفرز لها جميع المتطلبات والاستلزامات التي تحتاجها عمليات التضليل الإعلامي وفبركة الحقائق وقلبها، هي التي تخوض معركة التجييش والحشد في الداخل والخارج بهدف حرف أنظار الرأي العام عن سياسة التمييع والتهرّب والإنكار التي يمارسها الحزب، وعن الوقائع الميدانية في سوريا والتي تُثبت حجم الخسائر الهائلة التي يتكبدها حلف «المُمانعة» هناك، والتي بدأت تنعكس «جنوناً» وتخبطاً داخل أوساطه السياسية بدءاً من إيران ثم مروراً بالعراق واليمن وسوريا، وصولاً إلى لبنان حيث التأثير الأكبر والهذيان الواضح في الأقوال والأفعال.
آخر موجة الإدعاءات والفبركات وحرف الحقائق عن موضعها، خرجت بالأمس على لسان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نوّاف الموسوي، الكتلة التي باتت مُتخصّصة بتركيب «مسارح» استعراض الخطابات «البهلوانية» التي كثرت في الآونة الأخيرة رغم التكرار الممل لهذه العروض. يقول الموسوي: ان ما نشهده من تطورات ومراجعات في السياسات التي كانت معتمدة، إضافة إلى أحداث جرت مؤخرا، يؤكد بأن الانتصار بات قريبا، وبات بإمكاننا القول، إن أذرع الثعابين التي امتدت إلينا لم تقطع فحسب، وإنما رؤوسها سائرة إلى القطع أيضا«.
يمكن التوافق مع الموسوي حول عملية قطع الرؤوس التي أصبحت سمة بارزة في تصرفات وأفعال عناصر «حزب الله» في سوريا بالتكافل والتضامن مع النظام السوري وشبيحته، لكن الحديث عن «النصر« يحتاج إلى من يؤكده خصوصاً وأن الكلام عنه والوعود به، قد تجاوز السنوات الخمس. وإذا ما نظر الموسوي جيّداً من حوله خلال إلقائه هذا الخطاب، فسوف يعلم جيّداً أن المناسبة التي كان يتحدث خلالها، تختص بشاب سقط في سوريا يحمل رقماً صعباً من ناحية تعداده ضمن صفوف قتلى «حزب الله» الذين يتساقطون في سوريا منذ العام 2011 من دون أن يكون هناك أفق أو حتّى نهاية واضحة لكل هذه النكبات.
يذكر الموسوي أن «حزب المستقبل، كان أول من بادر لإجراء حوار مع التيار الوطني الحر على أساس انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية، ولكن يعرف نواب المستقبل قبل غيرهم، أن الذي عطل الاتفاق بين رئيسهم، وبين الجنرال عون، كان الأمر السعودي برفض انتخابه». لكنه لا يذكر أن السعودية كانت فتحت أبوابها لعون للتشاور معه وتكثفت يومها اللقاءات بينه وبين السفير السعودي في لبنان علي عوّاض عسيري وبين الاخير وصهر عون الوزير جبران باسيل. كما تناسى أن اللقاء بين الرئيس سعد الحريري وعون، كان بهدف التقريب في وجهات النظر واراحة الشارع تماماً كما هو الحال بالنسبة في ما خص الحوار بين «المستقبل» و»حزب الله» ولم يصل الى حد تبني الحريري ترشيح عون. أمّا عن عملية تعطيل إنتخاب رئيس، فيُدرك الموسوي قبل غيره، أن حزبه من أوّل المُعطلين لهذا المشروع وكلام قادة «حزب الله» ماثل حتّى اليوم في أذهان المواطنين «إمّا عون وإما لا إنتخابات رئاسية».
وفي ما خص «المقاومة»، يعتبر الموسوي أنه «بمجرد وجودنا في القرى الجنوبية، وبمجرد أن يبني المرء منزلا فيها، وأن يحرث أرضه ويجتني ثماره، ويقوم بمزاولة أعماله على مسافة أمتار من العدو الإسرائيلي، فهذا أمر بحد ذاته مقاومة«. مُشكلة «حزب الله» دائماً هي أنه يوقع نفسه في مطبات سياسية وعسكرية من دون ان يكترث لحجم الأضرار التي يُمكن ان تلحق به من جرّاء هذا التعاطي الذي ينم في كثير من الأحيان عن تكبّر وتعال على الدولة والشعب. ففي السياق الذي أفرده نائب «حزب الله» عن الصمود في القرى الحدودية الجنوبية وهو أمر يعود لهم وحدهم ولإرادتهم الصلبة من دون المنة من أحد، إلا أن هناك تقارير تتحدث على الدوام عن الإستقرار الامني الذي تعيشه المستوطنات الشمالية للمرّة الأولى في تاريخ الصراع بين لبنان وإسرائيل، لدرجة أن الخصوم و»الحلفاء» يؤكدون انها النقطة الاكثر أماناً في العالم.
من المؤكد أن قيادة «حزب الله« تسير اليوم ضمن منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع كل ما يحدث معها، وهي تستعيد من التاريخ عبارات وشعارات نسجتها عقول بشريّة، لتخدم موقفها الذي لا تُحسد عليه. فكل مجالس العزاء والمهرجانات، تحوّلت إلى منابر لتبرير الإنزلاق في القتل والموت من دون أن يكون هناك حدود للإفتراء والتطاول، وطالما أن هناك قتلى يسقطون خارج أرض الحق، ستبقى الشتائم والإتهامات توزّع يومياً، كما توزّع شهادات الموت على شبّان لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في بيئة اعتاد «المستولي» عليها، أن يبث فيها حكايات وروايات لا صحة لها ولا سند، تصب جميعها في خدمة «مشروع» التفرقة الذي تخوضه إيران في المنطقة. في سوريا، لم تعد الحرب التي يخوضها «حزب الله« محددة ببقعة، سواء أكانت قرية أو محافظة، إذ إن كل الجغرافيا السورية أصبحت مسرحاً لتدخله العبثي دعماً للنظام البعثي، ومعها تحوّل سقوط عناصره إلى خبر يومي، يمر بشكل اعتيادي على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد ما عدا «ماكينة» الحزب الإعلامية والدعائية التي تقودها كتلة «الوفاء للمقاومة»، فالكتلة في واد وجمهورها في واد آخر. جمهور ينتظر إطلالة ما أو بيان ما يُعلن خلاله الإنسحاب التدريجي لأبنائه من الموت المُحتم أو أقله ينتظر خبراً يُثلج القلوب يتمثّل بعودة إبن أو أب أو شقيق إلى منزله لا إلى المستشفى، لكن النائب الموسوي كان كل همّه أمس، أن يتهرّب من نظرات الحاضرين السائلة عن جدوى الحرب السورية أو النهاية التي ستكون عليها هذه الحرب، ولذلك حاول قدر المستطاع أن يرفع تهمة العجز وقلّة الحيلة والإنجرار وراء أهواء الإيراني عن حزبه، فكان الهذيان بالخروج عن الواقع من خلال إدعاءات وفبركات أقل ما يُقال فيها إنها، كذب وإفتراء، وإنتقاص من دور دول ورجالات مشهود لهم بنظافة كفهم، سواء في بلادهم أو خارج حدودها.
علي الحسيني
جريدة المستقبل اللبنانية