حرق الدولة‮ .. ‬السوريون في الثورة والحرب

حرق الدولة‮ .. ‬السوريون في الثورة والحرب

2016-636048082340640096-64

دخلت سوريا في موجة من الأحداث السياسية الاستثنائية تزامنا مع خروج الآلاف في شوارع دمشق للمطالبة بإسقاط حكومة بشار الأسد‮.‬ وخلال خمسة أعوام،‮ ‬أصبحت الدولة السورية علي حافة الانهيار، وذلك في ظل توحش الصراع،‮ ‬وتعدد أطرافه،‮ ‬واختلاف المواقف الدولية، ومعاناة الشعب السوري، وظهور أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية‮.‬

في هذا الإطار،‮ ‬يأتي كتاب الصحفي والكاتب روبين كساب،‮ ‬والناشطة والمدونة ليلي الشامي،‮ ‬والذي اعتمد على مقابلات مع ثوار ونشطاء داخل الأراضي السورية وآخرين في الخارج، بجانب معايشة حية للموقف السوري،‮ ‬ليقدم الكتاب متابعة للوضع السوري عن كثب‮. ‬فيقدم الكتاب صورة حية لسوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية ما بين تعنت النظام ودمويته،‮ ‬وتصاعد التنظيمات الجهادية،‮ ‬واختلاف المواقف الدولية‮.‬
من السلمية إلى أعلى درجات العنف‮:‬
يبدأ الكتاب باستعراض موجز لتاريخ سوريا،‮ ‬وكيف ولدت حدودها من تفكك الإمبراطورية العثمانية،‮ ‬واتفاقية سايكس-بيكو، وكيف جاء حافظ الأسد إلى السلطة كجزء من انقلاب بعثي عام‮ ‬1963،‮ ‬حتي توليه السلطة المطلقة في عام‮ ‬1970،‮ ‬حيث كان يسيطر على كل جوانب الحياة السورية بشكل صارم،‮ ‬في ظل وجود شرطة سرية،‮ ‬ومخابرات ذات سمعة سيئة، فكانت هناك انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان في عهده، حتي وفاته،‮ ‬وتولي بشار الأسد عام‮ ‬2000‮ ‬سدة الحكم،‮ ‬والذي استمر في نهج والده السلطوي‮.‬
يتناول الكتاب الصراع السوري الحالي بحسبانه أحد الصراعات الدولية الكبري في العصر الحالي‮.‬ حيث إنه خلال خمس سنوات مضت،‮ ‬تم تدمير مدن كثيرة في سوريا، بالإضافة إلى قتل نحو نصف مليون سوري،‮ ‬مع انتشار أكثر من‮ ‬12‮ ‬مليون نازح، خمسة ملايين منهم يعيشون خارج البلاد في مخيمات مؤقتة بائسة في مواجهة مخاطر كبيرة،‮ ‬مثل المرض،‮ ‬أو العنف،‮ ‬أو الاعتداء الجنسي، وهو ما يبرز حجم التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين في العالم‮.‬
ويصف الكاتبان اتفاق وقف إطلاق النار،‮ ‬الذي تم بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا،‮ ‬عشية صدور كتابهما،‮ ‬بأنه اتفاق هش‮.‬ حيث إنه بالرغم من سحب جزء كبير من القوات الروسية،‮ ‬لا‮ ‬يزال هناك خطر كبير،‮ ‬في ظل هيمنة تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام‮ ‬(ISIS)‮ ‬على مساحات كاملة من الأراضي السورية‮.‬
ويناقش الكتاب الثورة السورية منذ بدايتها حتي الوقت الحاضر، ويبرز كون الثورة السورية،‮ ‬التي بدأت بالتزامن مع ثورات الربيع العربي،‮ ‬وإسقاط الأنظمة السياسية في تونس،‮ ‬وكذلك مصر تباعا، أنها كانت تشكل جميع فئات المجتمع السوري،‮ ‬سواء كانوا مسلمين،‮ ‬أو مسيحيين،‮ ‬أو حتي ملحدين،‮ ‬وكذلك الرجال والنساء، وبالتالي فهي كانت‮ ‬غير طائفية، وكذلك كانت‮ ‬غير عنيفة، وأن العنف بدأ من النظام السوري الذي قام بعد خمسة أشهر من الاحتجاجات بحملة اعتقال،‮ ‬وتعذيب وتشويه للمتظاهرين،‮ ‬وقام بنشر القناصة في كل مكان‮.‬
بين دموية النظام والتدخل الخارجي‮:‬

يبرز الكتاب كون المفارقة المأساوية في تصاعد تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام‮ “‬داعش‮” ‬في أن معظم مقاتلي التنظيم ليسوا سوريين،‮ ‬بل أجانب، وفي ظل وجود قوات تابعة للأسد،‮ ‬مدعومة من قبل إيران،‮ ‬وكذلك روسيا في مواجهة تنظيمات أخري جهادية بها عدد كبير من الأجانب،‮ ‬مما يكشف عن حجم الكارثة السورية، وهو الوضع الذي يمكن توصيفه بأنه‮ “‬حرق‮” ‬للبلاد،‮ ‬في ظل تدويل الأزمة،‮ ‬والتدخلات الخارجية بها‮.‬

ويشير الكتاب إلى أن روسيا لاعب كبير في الأزمة السورية الحالية،‮ ‬في ظل دعم نظام الأسد بالمال،‮ ‬والسلاح،‮ ‬والمستشارين العسكريين،‮ ‬بالإضافة إلى الدعاية والدعم الدبلوماسي، وذلك بالتوازي مع دخول قوات عسكرية روسية إلى سوريا،‮ ‬وتنفيذ‮ ‬غارات جوية واسعة النطاق‮. ‬وفي مقابل ذلك، يري الكتاب أن الجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في سوريا دون المستوي‮.‬
وفي السياق ذاته، يشير الكتاب إلى عدم إدانة الولايات المتحدة الأمريكية للأسد في بداية الثورة،‮ ‬حتي تحول الموقف الأمريكي إلى النقيض الذي أصبح مرتبطا شكل كبير بضرورة إبعاد الأسد عن السلطة،‮ ‬وهو الموقف الذي يواجه برفض روسي شديد‮.‬ ورأي أن الصراع الأمريكي‮ – ‬الروسي في سوريا جزء من الأزمة،‮ ‬وليس بأي حال من الأحوال جزءا من الحل‮.‬
مستقبل الأزمة السورية‮:‬
يوضح الكتاب كيف تحولت الأوضاع في سوريا تدريجيا من الثورة إلى الحرب، وأن الضحية الكبري لما حدث،‮ ‬خلال السنوات الخمس الماضية،‮ ‬هو الشعب السوري‮.‬ حيث إنه بحلول يوليو‮ ‬2015،‮ ‬كان ما يقرب من نصف سكان البلاد لا يعيشون في منازلهم،‮ ‬بمن في ذلك الملايين الذين فروا خارج البلاد إلى تركيا،‮ ‬ولبنان،‮ ‬والأردن،‮ ‬ودول أخري‮.‬ حتي إنه في يونيو‮ ‬2015،‮ ‬منحت المملكة المتحدة حق اللجوء لنحو أربعة آلاف سوري‮.‬
ويضيف أن أزمة اللاجئين السوريين،‮ ‬في ظل تعمقها خلال الأشهر القليلة الماضية،‮ ‬قد تكون أحد الأسباب الحاسمة في إعادة تشكل الشرق الأوسط،‮ ‬وكذلك أوروبا لسنوات قادمة‮.‬ ويعبر عن حجم الإحباط السوري قول أحد الناشطين عن أيام الثورة الأولي‮ “‬نحن حقا كنا على استعداد للتحول إلى مجتمع مفتوح، كان لدينا الزخم الكبير‮”.‬ وتحمل الأزمة السورية الكثير من القصص الفردية المأساوية الفوضوية التي تجعل توصيف‮ “‬حرق سوريا‮” ‬هو توصيفا دقيقا‮.‬
ويرصد المؤلفان دور نظام الأسد في عسكرة الثورة الشعبية،‮ ‬من خلال فتح الباب أمام الإسلاميين المتطرفين،‮ ‬بدءا من جبهة النصرة،‮ ‬حتي صعود تنظيم‮ “‬داعش‮”‬، حيث إن النظام السوري كان قد أطلق سراح نحو‮ ‬1500‮ ‬سلفي جهادي،‮ ‬يتسمون بالتطرف العنيف،‮ ‬من السجون السورية،‮ ‬بالإضافة إلى تنظيم مجموعات من البلطجية من أجل خلط الأوراق‮.‬
ويري المؤلفان أن الأسد يلعب بورقة الطائفية،‮ ‬وكذلك بورقة التطرف والإرهاب‮. ‬حيث إن وجود مثل تلك التنظيمات الجهادية‮ ‬يكسب النظام السوري تأييدا وصمودا،‮ ‬وربما شرعية،‮ ‬في مواجهة ما يحدث من خلال التعميم، إذ إن التطرف وجد بيئة مناسبة في سوريا،‮ ‬من خلال العنف والدموية من قبل النظام،‮ ‬جنبا إلى جنب مع زيادة القمع،‮ ‬وانتشار الفساد‮.‬
وختاما، يشير الكتاب إلى أن الأوضاع السورية تتسم بالقتامة في ظل انهيار الدولة،‮ ‬وانعدام الخدمات العامة‮. ‬وفي ظل تكهنات حول زيادة الأوضاع سوءا، يلاحظ المؤلفان أن سوريا بها جيل ليس مثل الأجيال السابقة التي تعودت على الصمت والخوف، وأن هذا الجيل،‮ ‬بالرغم من كل التشابكات الداخلية،‮ ‬والإقليمية،‮ ‬والدولية في الأزمة السورية،‮ ‬مصر على الحرية، وأنه على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات أكثر جدية في الوصول إلى حل حقيقي للأزمة السورية، وإدراك أن مشكلة اللاجئين هي ليست مشكلة سوريا وحدها،‮ ‬ولكنها مسئولية المجتمع الدولي بأكمله‮.‬
روبين كساب وليلي الشامي
عرض: أحمد عبد العليم
Robin Yasmin-Kassab and Leila al-Shami,Burning Country:Syrians in Revolution and War,(London: Pluto Press, 2016)
نقلا عن مجلة السياسة الدولية