يوافق اليوم الذكرى الثالثة، لفض اعتصامي رابعة العدوية “مدينة نصر”، والنهضة “أمام جامعة القاهرة”، حيث اقتحمت قوات الجيش والشرطة المصرية الاعتصامين وفضتهما بالقوة، وذهب ضحية الفض مئات من القتلى وآلاف الجرحى والمفقودين، الذين لم يعر مصيرهم حتى الآن، وطبقا للبيان الرسمي للنظام المصري، فإن 670 شخصا قتلوا في عملية الفض، و4400 مصابا، فيما قدرت منظمات حقوقية ومستقلة عدد القتلى بأنه يتراوح ما بين 1200 و1500، وآلاف المصابين.
وتعتبر المنظمات الحقوقية والإنسانية، عمليتي فض ميدانين “رابعة والنهضة”، أنها أكبر جريمة قتل جماعي في تاريخ مصر كله، فمذبحة المماليك، التي ارتكبها محمد علي، ذهب ضحيتها 80 شخصا فقط، وتعد عملية الفض -طبقا للصور والفيديوهات المتداولة- من أبشع جرائم ضد الإنسانية، وترى أنها “لا تسقط بالتقادم”، وتطالب بـ”التحقيق المستقل”، وتقديم المتورطين إلى المحاكمة.
الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دعا إلى ضرورة إجراء تحقيقات كاملة، بشأن مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الشرطة والجيش المصري، خلال فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، شرقي القاهرة، في أغسطس /آب 2013، وذلك وفقا لتصريحات نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق.
وبشأن الدعوات لإنشاء “لجنة دولية للتحقيق”، فيما جرى أثناء فض الاعتصام ومحاكمة الجناة، أكد حق أن “مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة)، هو المخول بإنشاء لجنة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان، الناجمة عن القتل الجماعي للمحتجين خلال ذلك اليوم”، وجدد أمين عام المنظمة الدولية التأكيد على “أهمية احترام حق الاحتجاج السلمي وحرية التجمع” خلال المظاهرات، التي يعتزم أنصار مرسي، تنظيمها في الذكرى الثالثة لفض اعتصام رابعة”.
تقرير وزارة الصحة المصرية، اعترف رسميا، بمقتل 670، وإصابة 4400، ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ماحدث بأنه “جرائم ضد الإنسانية” و”أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث”، فيما نفت الحكومة المصرية والمجلس القومي لحقوق الإنسان “حكومي”، هذا التقرير ووصفته بأنه “مسيس”.
الكاتب الصحفي والناشط في مجال حقوق الصحفيين، “محمد عبدالقدوس” وصف ما حدث في “رابعة والنهضة” بـ “أبشع مذبحة في تاريخ مصر”، وقال “عبدالقدوس” إن شهر أغسطس شهد أكثر من مأساة للتيار الإسلامي؛ ففي أغسطس من عام 1965 بدأت حملة اعتقالات واسعة للإخوان، بناء على أوامر أصدرها ناصر من موسكو، وشهد يوم 29 أغسطس سنة 1966 إعدام سيد قطب واثنين من رفاقه، وفي أغسطس من عام 2016 راينا أبشع مذبحة في تاريخ مصر، حيث سقط العديد من القتلى في مذبحة “رابعة والنهضة” على يد جنود الانقلاب. وتقول الحكومة إن عدد القتلى في رابعة تجاوز الـ600 قتيل، بينما تقدره المصادر المحايدة بأكثر من ألف.
“عبدالقدوس”، قال إنه حتى لو أخذنا بالتقديرات الحكومية، مع أنها أقل من الواقع، “فإنني أقول إن تلك المذبحة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر، منذ نشأتها على يد “مينا” موحد القطرين”، مضيفا أن “أشهر مذبحة شهدتها بلادنا كانت أوائل القرن التاسع عشر، على يد حاكم مصر وقتها محمد علي، الذي ذبح ثمانين من أعدائه المماليك في القلعة، لكن الانقلاب العسكري في مصر قتل أضعافهم!”
وقال إن “الاستبداد السياسي زعم أنه لجأ إلى القوة، لأنه كان ينبغي فض تلك الاعتصامات التي احتلت ميدانا مهما بالقاهرة وساحة حيوية تطل على جامعة القاهرة، وحتى لو أخذنا بوجهة النظر هذه، فإن إطلاق الرصاص يكون الحل الأخير وليس الحل الأول، كما فعلت قوات الأمن! وهؤلاء المجرمون لن يفلتوا من العقاب وينقسمون إلى قسمين؟: عدلي منصور، الذي “احتل” سدة الرئاسة بأوامر من الانقلاب، والمتهم الأول عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة حازم الببلاوي، والقسم الثاني يشمل أجهزة الأمن وعلى رأسهم محمد إبراهيم وزير الداخلية وقادة وضباط الأمن المركزي خاصة، وكل هؤلاء حسابهم عسير، وفي انتظار عقاب السماء لهم في الدنيا والآخرة، على حد قول “عبدالقدوس”.
وأصبحت إشارة “رابعة”، التي ظهرت بعد الفض، أيقونة عالمية للتعبير عن “رفض الانقلابات” على الأنظمة الديمقراطية، وبعد ذلك، دأبت المظاهرات التي ينظمها مؤيدو الرئيس مرسي في مصر وفي مختلف دول العالم، على رفع الشارة، لتصبح رمزّا، لـ”رفض الانقلاب، وللتضامن مع شرعية مرسي”.
وعلى مدار 3 سنوات استطاعت شارة “رابعة”، أن تنضم إلى الشارات الرمزية العالمية، التي ابتكرتها توجهات إنسانية مختلفة في ظروف وأوقات متباينة، منذ بداية القرن الماضي (العشرين)، وأشهرها شارة “النصر” الشهيرة، التي يُرمز لها بالحرف (V) باللاتينية، باستخدام إصبعي الوسطى والسبابة، وشارة “القبضة”، المعبرة عن القوة في مواجهة الأنظمة المستبدة.
وعند البحث في أصل التسمية لكلمة “رابعة”، تعددت الروايات بهذا الشأن، حيث نسب البعض التسمية إلى الإشارة لاستكمال مرسي، ولايته الرئاسية المقررة بأربع سنوات (أكمل سنة واحدة قبل انقلاب الجيش عليه)، بينما أرجعها البعض إلى اسم الميدان، الذي انطلقت منه الاعتصامات بعد الانقلاب، فضلا عن وجود روايات أخرى، تتحدث عن تفسير لكل إصبع من الأصابع الأربعة.
وتجلّت “عالمية” شارة “رابعة”، في أكثر من مناسبة ومقام، كان أحدثها تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بها في خطابه الجماهيري لمستقبليه من الشعب التركي، بمطار “أتاتورك” الدولي، بمدينة إسطنبول، في ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو/تموز الماضي، ومن بعده، خرج الأتراك في الشوارع، تلبية لدعوته رافعين الشارة ذاتها، ليس تضامنًا مع ضحايا رابعة العدوية في مصر وحسب، إنما للتعبير عن رفضهم لمحاولة الانقلاب في بلادهم.
وفسر “أردوغان”، الشارة وفقًا للحالة التركية، معتبرًا أن كل إصبع يشير إلى أحد الثوابت الوطنية وهي، “شعب واحد وعلم واحد، ووطن واحد، والدولة الواحدة”، وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف يوليو/تموز الماضي، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع لمنظمة “فتح الله غولن” (الكيان الموازي) الإرهابية، حاولوا خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، إلا أن خروج الحشود الجماهيرية إلى الشوارع أحبط تلك المحاولة.
وبعيدا عن مصر وتركيا، ففي فبراير/شباط 2014، رفع عضو المجلس الرئاسي البوسني “بكر علي عزت بيجوفيتش” شارة “رابعة”، وفي نفس الشهر من العام، رفع المستشار السياسي للرئيس السنغالي “السيد علي الدين”، وذلك تضامنا مع أنصار “مرسي”، وحتى خلال الهبة، التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ أكتوبر/تشرين أول 2015، في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة، شوهد أطفال فلسطينيون يرفعون شارة “رابعة” في وجه الاحتلال، بحيث بدأت الشارة تسرد قصة الشعوب المناهضة لسلطات تتنكر لحقوقها.
ومن قبلها تحوّلت علامة “النصر” إلى أيقونة في مختلف الحراكات العالمية، التي كان أول من رفعها رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرسل” خلال الحرب العالمية الثانية، وهي حرف (V) المأخوذ من كلمة (victory) وتعني النصر، بيد أن أسطورة تتحدث عن أن العلامة استخدمها رماة في الجيش البريطاني، أثناء “حرب المائة عام”، تحديدًا في معركة “أجينكورت”، بعدما شرع جنود فرنسيون في قطع أصابع الرماة الإنجليز عند أسرهم بعد المعركة، وخرج الإنجليز من المعركة منتصرين وبدأوا يتباهون بأن أصابعهم لا تزال سليمة، ولم تقطع.
أمّا شارة “القبضة”، فظلّت تعبر هي الأخرى عن دلالة عالمية، تعني “القوة في مواجهه الأنظمة”، وتسمى بالإنجليزية “Cleand Fist”، التي يشار إليها بقبضة اليد، والعلامة ظهرت عام 1917، من بعض العمال المكسيكيين، الذين كانوا يعانون اضطهادًا واسعًا، ولاحقًا لاقت قبولًا واسعُا في بلد يستخدم الفن لدفع القضايا الاجتماعية والثورية، ثم أدرجت الشارة لدى فئات تعاني الاضطهاد، فظهرت في مصر كشعار لحركة “السادس من أبريل”(معارضة)، ومن بعدها شرقي أوكرانيا، إبان معارك خاضها الأوكرانيون مع الانفصاليين المدعومين من روسيا.
انضمت عقب ذلك إلى العلامات العالمية، شارات أخرى ذات دلالات اجتماعية خالصة، أخذت بعدًا عالميًا، مثل بسط أصابع اليد الخمسة في وجه شخص ما “لدرأ الحسد”، التي انتشرت في العالم الإسلامي بشكل كبير.. وتعود أصول استخدام اليد كرمز، إلى أن معظم التمائم (تعليقات على مخطوطات لدرء الحسد) المصرية القديمة، تظهر على هيئة كف يد، تتوسطها عين مصنوعة من الصخر الأسود أو الحجارة الخضراء، وكانت تستخدم بهدف صد العين الحاسدة الشريرة.
وتمثل الشارات شكلا من أشكال التواصل المرئي، التي تعبر عن رسائل ذات مغزى، سواء كانت باليد أو بالوجه أو بأجزاء أخرى من الجسد، لا سيما أنها تنقل معانٍ مختلفة بتنوع الثقافات والمجتمعات، التي تستخدم تلك الشارات، بحسب باحثين مختصين بهذا المجال، ورغم اختلاف معاني الشارات نسبيًا من مكان للآخر، فإن بعضها أصبحت عابرة للحدود، ومثلت معانِ ضمنية، خرجت من محليتها إلى نطاق عالمي أوسع وأشمل، بل إنها تعد نوعاَ من أنواع الفنون في نقل قصة أو معاناة أو قضية.
عبداللطيف التركي – التقرير