لم تجلب قمة عدم الانحياز التي بدأت السبت في فنزويلا إليها اهتمام العالم في ظل فقدان هذه الحركة لأيّ تأثير على القضايا الدولية التقليدية التي كانت مثار اهتمامها وتركيزها في ستينات وسبعينات القرن الماضي.
ومع بداية القرن الجديد، كانت اجتماعات هذه المنظمة مجرد اجتماعات بروتوكولية تسبغ بعضا من الشرعية على قادة الدول التي ظلت متمسكة بها، والتي ما تزال تعاني من الدكتاتورية.
وبات واضحا أن هذه المنظمة أصبحت عاجزة عن لعب أيّ دور في عالم اليوم الذي يعيد استقطاباته، في وقت تبخرت فيه القطبية الأيديولوجية وحلت محلها القطبيات العرقية والدينية.
ومن 120 بلدا تشكل حركة عدم الانحياز التي تأسست قبل خمسين عاما في أوج الحرب الباردة، لم تذكر كراكاس كم عدد الدول المشاركة في المؤتمر. وستتسلم فنزويلا الرئاسة من إيران لثلاث سنوات.
ورغم أنها رفعت شعار عدم الانحياز، والخروج عن الأحلاف العسكرية القائمة إلا أن المنظمة ظلت فناء خلفيا للدول التي كانت تسير في ركاب الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة.
وتسيطر هذه الدول على مختلف اللجان والقرارات، وترفض الانفتاح على دول جديدة، ما قد يسمح لهذه المنظمة بتجديد دمائها، وتطوير مجال تحركها للتلاؤم مع المستجدات الدولية.
وكان إصرار الجزائر على معارضة تسلم المغرب رئاسة اللجنة السياسية في المنظمة دليلا على أن إرث عدم الانحياز يتم احتكاره من بعض الأنظمة الموسومة بالثورية لإسباغ شرعية على أنظمتها المتآكلة، والعاجزة عن التطور بسبب جمود الأفكار عند مرحلة الحرب الباردة.
ويرى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة المغربية، أن منظمة دول عدم الانحياز تعتبر ميّتة من الناحية العملية والسياسية، مشيرا إلى أن مختلف اللجان وحتى المنظمة برمتها لا ثقل دوليا لديها.
ووجه مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز، خلال اجتماعه الخميس، صفعة للجزائر، بعد رفضه دعوة ما يسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” كضيف خاص.
ولا يتوقع مراقبون أن تخرج القمة سوى ببيان تقليدي يهاجم الإمبريالية الأميركية، مع أن دولا مؤثرة في حركة عدم الانحياز تصالحت مع أميركا وصارت تتحرك في فلكها مثل إيران التي يلعن مسؤولوها الإمبريالية في تصريحاتهم ويقيمون معها تفاهمات علنية وسرية.
وأفضت تلك التفاهمات إلى دعم الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق نووي يسمح برفع العقوبات عن إيران.
وكسرت كوبا، “البلد الثوري” حالة العداء للولايات المتحدة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما لهافانا في مارس الماضي. وأفضت إلى تعهد أميركي برفع كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع تدريجي للحظر التجاري عليها.
ويسعى الرئيس الفنزويلي اليساري نيكولاس مادورو إلى فك العزلة الدولية عليه، فضلا عن دعم من المنظمة لصراعه مع المعارضة التي يتهمها بالولاء لواشنطن.
ولم يخف مادورو رهانه على القمة لإخراجه من الورطة بالقول “سأغتنم فرصة هذه القمة التاريخية ورئاسة الحركة للاستمرار في التنديد بهذا اليمين الموالي للإمبريالية الراضخ لمصالح الإمبراطورية” في إشارة إلى الولايات المتحدة.
ويأمل مادورو، أيضا، في الحصول على دعم من أصدقائه من الدول المنتجة للنفط لدعم حملة فنزويلا من أجل تجميد الإنتاج وتحسين أسعار النفط، وذلك وسط توتر داخلي شديد في بلد تراجع اقتصاده مع انخفاض أسعار النفط الخام وبات يشهد أسوأ تضخم في العالم يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 720 بالمئة ونقصا في ثمانين بالمئة من المواد الغذائية والأدوية.
وأشار المراقبون إلى أن القمة الـ17 لحركة عدم الانحياز كشفت عن أن البلدان الأعضاء صارت تبحث عن الدعم لمجابهة قضاياها الداخلية، فيما تم تغييب القضايا الدولية التي بنيت عليها المنظمة وشعاراتها لاستحالة أخذ موقف موحد فيها.