من خلال الكثير من الإجراءات بات تنظيم الدولة الإسلامية ضعيفا ومحبطا. وبعد أشهر من القصف بقيادة الولايات المتحدة والهزائم على أيدي القوات المحلية في العراق وسوريا فقدت الجماعة الآلاف من مقاتليها وأجبرت على التخلي عن أراض مهمة وانقطعت صلتها بطرق تستخدمها لنقل الأسلحة والتعزيزات. لكن الجماعة لا تزال تمثل تهديدا قويا بأشكال أخرى لا سيما قدرتها على إلهام المتشددين الذين يعتنقون هذا الفكر من تلقاء أنفسهم لشنّ هجمات في الغرب وغيره.
يبدو أن الرجل المتهم بتنفيذ تفجير في نيويورك يوم 17 سبتمبر استلهم -إن لم يكن قد تلقى توجيهات- من زعماء وأفكار تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. وكتب أحمد رحمي المشتبه به والبالغ من العمر 28 عاما بإعجاب في دفتر يوميات عن زعيم القاعدة أسامة بن لادن والداعية الإسلامي المتشدد المولود في الولايات المتحدة أنور العولقي الذي قتل في ضربة أميركية بطائرة دون طيار في اليمن والخبير في تنظيم الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني.
في جزء من دفتر اليوميات يشير رحمي إلى رسالة للعدناني في مايو يحث فيها مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية على شن هجمات في الغرب خلال شهر رمضان ردّا على ضربات جوية بقيادة الولايات المتحدة على معاقل الجماعة في العراق وسوريا. وكتب رحمي يقول إن العدناني أصدر أمرا واضحا “بمهاجمة الكفار في عقر دارهم”. وعثرت السلطات الأميركية على دفتر اليوميات الملطخ بالدماء بعد تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في نيوجيرسي يوم 19 سبتمبر أدى لاعتقال رحمي.
لا تزال هناك أسئلة كثيرة دون إجابة على دوافع رحمي وما إذا كان قد التقى بمتشددين ساعدوا في تحويله إلى التطرف خلال العديد من الزيارات لباكستان أو ما إذا كان قد حصل على تدريب لصنع القنابل. وإذا تأثر رحمي بدعوة العدناني لشن هجوم نيويورك فإنه سيصبح أحدث مثال على متشدد تحول إلى التطرف من تلقاء نفسه لضرب الأهداف المناسبة في الغرب.
خلال الأشهر الستة الماضية، أجبرت القوات الحكومية العراقية بدعم جوي أميركي تنظيم الدولة الإسلامية على الخروج من مدينة الرمادي ثم الفلوجة بغرب العراق. لكن مع فقدانه الأراضي في سوريا والعراق تحت ضغط من القصف الغربي والقوات العسكرية المحلية يحاول التنظيم استعراض القوة بتنظيم هجمات أو الإلهام بشنّها في مختلف أرجاء العالم.
بلغت حملة تنظيم الدولة الإسلامية للتأكيد على نفوذه ذروتها خلال رمضان عندما شنّ عناصر ومتعاطفون سلسلة تفجيرات وإطلاق نار جماعي وطعن في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا. وكان معظم المهاجمين فرادى تحولوا إلى التطرف واستلهمهم اسم الجماعة وتصرفوا باسمها لكنهم لم يتلقوا أوامر مباشرة من قادتها.
بينما تخسر الدولة الإسلامية القوة ومساحات أكبر من دولة “الخلافة” التي أعلنتها في سوريا والعراق ستنتقم بشن المزيد من الهجمات في مختلف أرجاء العالم. وعلى الحكومات في الغرب والشرق الأوسط أن تتأقلم مع عدو يمكنه أن يحول هزائم ساحة المعركة إلى إرهاب جديد
نشرت هذه الهجمات الخوف وسمحت لقادة الدولة الإسلامية بإظهار قوة متصوّرة لتعويض خسائرهم في ساحة المعركة. كما أشارت إلى أن الجماعة ستعود إلى جذورها كجماعة تمرّد جهادية عازمة على شنّ هجمات كبيرة وصغيرة تبث الخوف لكنها لا تساعد المتشددين كثيرا في الحفاظ على الأراضي في سوريا والعراق. وحوّل تنظيم الدولة الإسلامية أيضا دعايته إلى مناشدة المهاجمين الفرادى المحتملين الذين يمكنهم توسيع نطاق نفوذ الجماعة.
على الرغم من سلسلة من الهجمات على مواقع بارزة عانى تنظيم الدولة الإسلامية من سلسلة من الهزائم التي جاءت سريعة ودون الكثير من الضحايا بشكل مفاجئ خلال صيف العام الحالي 2016 في كلّ من سوريا وفي المعقل السني في العراق. وأصبح التنظيم أضعف كثيرا ممّا كان عليه حتى منذ عام مضى وليس من المرجّح أن يتمكن من الاحتفاظ بالسيطرة على مساحات تذكر من الأرض.
تزامنت خسارة مناطق كانت تخضع لسيطرة التنظيم مع استهداف قياديين بارزين منه في ضربات جوية أميركية والتي أدت لاغتيال العدناني الناطق باسم داعش إضافة إلى قائد عسكري بارز يدعى عمر الشيشاني. ويسلط فقدان الأراضي في الآونة الأخيرة في سوريا والعراق ونفاد الطرق التي كان المقاتلون الأجانب يتمكنون من العبور منها للوصول لدولة “الخلافة” التي أعلنها التنظيم واغتيال عناصر بارزة مثل العدناني والشيشاني الضوء على حجم حصار لم يسبق له مثيل يتعرض له تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن التنظيم الجهادي لا يزال يملك القدرة على اجتذاب بعض المجندين وجمع الأموال من خلال الابتزاز ومبيعات النفط غير القانونية وتأمين الأسلحة وإرسال متعاطفين معه لشن هجمات في الخارج. ومن المثير للسخرية أنه كلما زاد ضعف التنظيم على الأرض قل ما لديه ليخسره.
يقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن القوة القتالية للتنظيم انخفضت إلى النصف مقارنة بعام مضى ولديه حاليا ما قد يقتصر فقط على 16 ألف مقاتل. لكن، حتى بعد أن خسر العديد من الأراضي والقادة، حذر مسؤولون أمنيون أميركيون من أن تنظيم الدولة الإسلامية لا تزال لديه القدرة على إلهام تنفيذ الهجمات أو تنظيمها في الغرب وفي أنحاء العالم. وحذر مسؤولون مخابراتيون من أن التنظيم سيشكل خطرا أكبر مع تزايد ضعفه لأن المتعاطفين الأجانب معه ربما يصبح لديهم دافع أكبر لشن هجمات في الغرب إذا لم يتمكنوا من الوصول إلى دولة “الخلافة” المحاصرة في سوريا والعراق.
وقال نيكولاس راسموسن، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة للجنة الأمن القومي في مجلس النواب في يوليو 2016 “إن تقديرنا هو أن قدرة الدولة الإسلامية في العراق والشام على شن هجمات إرهابية في سوريا والعراق وفي الخارج لم تتضاءل بشكل كبير حتى وقتنا هذا.” وأضاف أن “قدرات العمليات الخارجية للدولة الإسلامية كانت تنمو وتتعزز خلال العامين الماضيين ولا نعتقد أن الخسائر في ساحة المعركة وحدها ستكون كافية للحد تماما من القدرات الإرهابية للتنظيم”.
بينما تخسر الدولة الإسلامية القوة ومساحات أكبر من دولة “الخلافة” التي أعلنتها في سوريا والعراق ستنتقم بشن المزيد من الهجمات في مختلف أرجاء العالم. وعلى الحكومات في الغرب والشرق الأوسط أن تتأقلم مع عدوّ يمكنه أن يحوّل هزائم ساحة المعركة إلى إرهاب جديد.
محمد بازي
صحيفة العرب اللندنية