تتحول مدينة حلب من مركز لصراع محتدم في سوريا، إلى قاعدة انطلاق لـ”حرب باردة” تلوح في الأفق مجددا بين روسيا والولايات المتحدة، اللتين أظهرتا استعدادا غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفييتي للدخول في مواجهة مفتوحة.
وأظهرت تغريدة نشرها حساب وزارة الخارجية الروسية على موقع تويتر الأسبوع الماضي، أحد صواريخ منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس 300” موجها إلى جوش أرنست، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض.
وكُتب في التغريدة إن “روسيا ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية جنودها في سوريا من أي هجمات إرهابية، لأنك لم تعد تعرف اليوم ما هو نوع المساعدات التي يتلقاها المتشددون”.
وحركت روسيا صواريخ “ألكسندر” الباليستية، القادرة على حمل رؤوس نووية، إلى كالينينغراد، وهي محافظة روسية تقع بين بولندا وليتوانيا العضوين في حلف الناتو، كما دحض الكرملين اتهامات أميركية لروسيا بالضلوع في تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الحزب الديمقراطي، واصفا الاتهامات بـ”هيستيريا غير مسبوقة تجاه روسيا”.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الأحد، إن الولايات المتحدة اتخذت خطوات عدوانية تهدد أمن روسيا القومي.
وأضاف “شهدنا تغيرا جوهريا في الأوضاع عندما تعلق الأمر بهوس الخوف من روسيا العدواني والذي يكمن الآن في لب السياسة الأميركية تجاه روسيا. إنه ليس فقط هوسا بلاغيا تجاه روسيا وإنما خطوات عدوانية تضر فعليا بمصالحنا القومية وتمثل تهديدا لأمننا”.
ويقول المحلل الألماني فرانك وولتر شتاينماير إن “أكبر مغالطة هي الاعتقاد بأن ما نشهده اليوم حرب باردة. اليوم مختلف عن الأمس وأخطر بكثير”.
وعكس صراع في مجلس الأمن السبت منافسة على إحراز النقاط بين روسيا التي لجأت إلى استخدام الفيتو لمنع مشروع قرار فرنسي “بوقف إطلاق النار في حلب”، والولايات المتحدة التي أحبطت مشروعا مغايرا تقدم به السفير الروسي.
وتدرس روسيا إعادة فتح قواعدها العسكرية في الفلبين وكوبا، التي تبعد قرابة 100 ميل فقط عن ولاية كاليفورنيا. وإذا حدث ذلك فسيعيد إلى الأذهان إنذارات متكررة لمواجهات نووية أوشكت على الاندلاع بين الجانبين، خصوصا بعد حرب السويس في خمسينات القرن الماضي، وأزمة الصواريخ الكوبية في الستينات.
ويقول مراقبون إن الصراع في حلب هو تكرار للأزمة الكوبية، إذ سعت موسكو في كلا الصراعين إلى توسيع نفوذها في مواجهة الغرب، وهو ما قاد إلى مواجهة كادت تعصف بالنظام العالمي بأكمله. والصراع في سوريا هو أول عملية عسكرية تقوم بها القوات الروسية في الخارج منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينات من القرن العشرين.
ورغم الضعف الذي بدت عليه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن الغرب لا يبدو مستعدا بعد للسماح لروسيا باستخدام القوة العسكرية خارج حدودها، وتمديد نطاق نفوذها إلى ما وراء منطقة شمال القوقاز.
والأسبوع الماضي، صوت مجلس الدوما على السماح للقوات الروسية بالعمل في سوريا إلى أجل غير مسمى. واستغلت روسيا غارة أميركية قتل فيها نحو 62 جنديا سوريا، وقالت واشنطن إنها وقعت عن طريق الخطأ، لإرسال منظومة “أس 300” الدفاعية إلى محافظة اللاذقية السورية.
والجمعة، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن الأعمال الروسية والسورية ومنها قصف المستشفيات في سوريا “تستدعي تحقيقا في جرائم حرب”.
وجاء الرد الروسي عنيفا في سلسلة من التغريدات على تويتر تعكس تزايد دور “دبلوماسية التواصل الاجتماعي” التي تشبه إلى حد كبير خطابات الاحتجاج المتبادلة خلال سنوات المواجهة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
ويطمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استعادة حلب بكاملها قبل تولي الرئيس الأميركي الجديد مهامه مطلع العام المقبل. وإذا حدث ذلك فستصبح مدينتا حلب ودمشق مسوغا لإعلان انتصار الرئيس السوري بشار الأسد مؤقتا في الحرب الأهلية التي دخلت عامها السادس.
ويقول كير غيلس، الباحث في المعهد الملكي البريطاني “هناك شعور بضرورة التعجيل”.
وأضاف “الروس يعرفون أن الرئيس الأميركي القادم لن يكون على نفس درجة استيعاب الرئيس الحالي، لذلك سيبحثون عن أي إمكانية متاحة أمامهم. روسيا تخلت عن أي كابح لجماحها”. لكن الأسد مازال يتطلع إلى المزيد.
ويقول ألكسندر شومولين، الباحث الروسي في شؤون الشرق الأوسط، إن “الأسد يريد من روسيا مساعدته على إعادة بسط نفوذه على كامل الأراضي السورية، لكن بوتين ليس مستعدا لفعل ذلك”.
وكلما تصاعدت حدة “الحرب الباردة” بين روسيا والولايات المتحدة، خفتت أي توقعات للتوصل إلى حل سياسي، خصوصا في حلب.
ويقول شومولين “الجنرالات الروس والسوريون سحبوا البساط من أسفل الدبلوماسيين في الوقت الحالي”.
صحيفة العرب اللندنية