من المرجح أن يواجه الرئيس الأميركي التالي أزمات دولية متعددة بعد توليه منصبه، وقد تكون إيران أحد أبرز هذه التحديات.
* * *
على الرغم من الخطاب المحموم للحزبين الأميركيين، فإن التوقيع على خطة العمل المشترك الشاملة التي تنص عليها الاتفاقية النووية بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين وألمانيا) تعود بالفائدة على الولايات المتحدة بالتأكيد، نظراً لقيام إيران بشحن معظم مخزونها من اليورانيوم إلى الخارج، وخفضها عدد أجهزة الطرد المركزي التي لديها، وقبولها بعمليات التفتيش المفاجئة. وكل هذا يجعل من الصعب على طهران تطوير أسلحة نووية. لكن خطة العمل المشتركة لم تزل الخلافات الأساسية بين أميركا والجمهورية الإسلامية.
وفي الأثناء، يستمر النظام الإيراني في دعم الإرهاب، وفي الوقوف مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفي انتهاك حقوق مواطنيه في الوطن. ومع أن انتخاب حسن روحاني كرئيس في العام 2013 جعل التوصل إلى الاتفاق النووي ممكناً، فإنه لم يحدث أي تغييرات رئيسية في إيران.
في إيران، يستمر المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، والحرس الثوري في الاستحواذ على السلطة التي لا يمكن تجاوزها -غالباً من خلال تخطي أو ابتزاز رئيس إيران وتحدي المصالح الأميركية في المنطقة.
من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية في طهران في العام 2017؛ حيث من المرجح أن يواجه روحاني تحدياً قوياً من المؤسسة المحافظة. وكان خامنئي قد وجه انتقادات قوية لخطة العمل المشترك في الأشهر الأخيرة، مدعياً أنها لم تفض إلى تقوية اقتصاد إيران بسبب “خيانة” الولايات المتحدة. وفي حين أن خطة العمل المشترك ربما تكون قد هدأت بعض نقاط التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن إيران العنيدة قد تختبر الرئيسة/ أو الرئيس الأميركي الجديد من خلال الدفع بحدود الاتفاقية النووية، وتحدي المصالح الأميركية في الشرق الأوسط بشكل أكثر عدوانية من السابق. وبدلاً من السعي إلى انخراط أكبر مع إيران، كما كان يؤمل، قد تعمد واشنطن إلى تبني سياسات أشد ضد النظام الإيراني.
وكان بعض المؤيدين لخطة العمل المشترك قد أعربوا عن الأمل بأن تفضي الاتفاقية النووية إلى إذابة الجليد بين طهران وواشنطن، بل وربما تقود إلى وضع حد للعداوة الطويلة بين البلدين. وعلى المستوى النظري، كان من الممكن أن يتقوى مركز روحاني الذي غالباً ما يصفه الإعلام الغربي بأنه “معتدل”، بسبب الاتفاقية، وأن يكون قادراً على متابعة أجندته الخاصة بتحرير إيران اقتصادياً وسياسياً.
في الحقيقة، لم يتحسن الاقتصاد الإيراني بالنسبة للمواطنين الإيرانيين العاديين؛ حيث ما تزال معظم البنوك الدولية تتجنب الدخول في أعمال تجارية مع إيران على الرغم من تخفيف العقوبات ذات الصلة بالموضوع النووي.
كما أن أسعار النفط المنخفضة تشكل عاملاً كارثياً بالنسبة للاقتصاد الإيراني. وربما تكون هذه الأمور خارج سيطرة روحاني، لكن الرئيس لم يدفع أبداً ضد الدور الاقتصادي أو السياسي للحرس الثوري، تاركاً للاعب العسكري والأمني الأكثر قوة في البلاد تحديد أجندة إيران بعد الاتفاق النووي، سواء كان ذلك في الوطن أو في الخارج.
من جهة أخرى، أرسلت حملة الاعتقالات التي يشنها الحرس الثوري على المواطنين الإيرانيين مزدوجي الجنسية تهديدا لمجتمع الشتات الإيراني، وحتى للمستثمرين الأجانب المحتملين الذين كانوا ينظرون إلى إيران ذات مرة على أنها سوق جذابة.
ببساطة، لا تعتبر إيران الآن رهاناً آمناً لمعظم المستثمرين. لكن أكبر إخفاقات روحاني تجسد في عدم قدرته على جسر الفجوة بين المصالح الأميركية والمصالح الإيرانية في الشرق الأوسط.
قد يكون الرئيس ووزير خارجيته الموهوب محاورين مناسبين مع الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، لكنهما غير قادرين -أو غير راغبين- في انتهاج سياسات يكون من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي.
وكان الحرس الثوري الإيراني، تحت قيادة الجنرال المتبجح قاسم سليماني، قد جند عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة للقتال نيابة عن طهران في العراق وسورية، وربما وراءهما أيضاً. وفي حين أن إيران ربما شاركت في محاربة “داعش” مع الحلفاء الأميركيين في العراق، فقد ساعدت مع ذلك في تعزيز الطائفية التي تستمر في تأجيج لهيب الصراع في المنطقة.
كما تبجح المسؤولون الإيرانيون بأن فيلقهم الأجنبي الجديد يُمكن أن يستخدم في “تحرير” أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. وقد تحرشت زوارق إيرانية سريعة بقطع بحرية أميركية في مياه الخليج، في حين دعا خامنئي إلى مقاومة أكبر للتواجد الأميركي في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، ما يزال القمع الذي يمارسه النظام الإيراني في الوطن بمثل السوء الذي كان عليه في السابق. ويستمر الحرس الثوري والقضاء في سجن الناشطين والأكاديميين والصحفيين والفنانين. وباستثناء خطابات عامة قليلة منمقة، لم يعرض روحاني أي مقاومة لقمع النظام، على الرغم من أن التعهد الأول لحملته الانتخابية كان خلق مجتمع أكثر حرية وأقل خضوعاً “للإجراءات الأمنية”.
بشكل عام، من غير المرجح أن يتكرر الحماس الذي صاحب أول حملة لروحاني في العام 2017. ومع أن من النادر أن يخسر الرؤساء الإيرانيون انتخابات الفترة الرئاسية الثانية، يظل من المرجح أن يواجه روحاني مقاومة كبيرة -ليس من منافسيه المحافظين وحسب، وإنما من ملايين الإيرانيين الذين دعموا في البداية جهوده لتحسين إيران أيضاً.
قد يشكل خامنئي والحرس الثوري -وربما حتى الرئيس الإيراني الجديد- اختباراً للرئيس الأميركي المقبل عندما يواجه/ أو تواجه الأزمات العالمية المتعددة. ويمكن أن تأتي أبرز التحديات من إيران في شكل نشاطات نووية مثيرة للتساؤل، أو حتى ممارسات أكثر تأكيداً للذات في الخليج وفي الشرق الأوسط.
لقد أحاط الخطاب الحزبي بالغموض خطة العمل المشترك من حيث قدرتها على كبح إمكانية تطوير إيران أسلحة نووية. وتعد الاتفاقية النووية نجاحاً كبيراً لأميركا حتى هذه النقطة على تلك الجبهة. لكن على الرئيس الأميركي التالي أن يتبنى سياسة أوسع تجاه إيران، والتي تذهب إلى ما وراء تفعيل اتفاقية خطة العمل المشترك أو الانخراط مع إيران دبلوماسياً.
وتمتلك الولايات المتحدة أصلاً قوات عسكرية ضخمة وحلفاء مسلحين جيداً لمجابهة إيران في الشرق الأوسط. لكن على الرئيس الأميركي التالي أن يسلط الأضواء في الوطن على سلوك النظام الإيراني.
لا يكفي أن تحتفظ الولايات المتحدة بتواجد عسكري قوي في المنطقة أو بيع المزيد من الأسلحة لحلفائها. وإنما يجب أن تترافق هذه الجهود بانتقادات قوية لإساءات إيران في مجال حقوق الإنسان، خاصة على ضوء خيبة أمل الشعب الإيراني من إدارة روحاني.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة زيادة الدعم الذي تقدمه للمجموعات الإيرانية الساعية إلى تقوية المجتمع المدني. وقد ينتقد البعض روابط الولايات المتحدة مع هذه المجموعات، باعتبار أنها قد تنزع الشرعية عنها. لكن غياب إجراء إصلاحات ذات معنى من داخل النظام يرتب على الولايات المتحدة الاستفادة من هشاشة النظام الإيراني في الوطن.
غالباً ما يتم ربط تركيز الولايات المتحدة على ترويج الديمقراطية بحالات فشل سابقة في “تغيير النظام” في الشرق الأوسط، لكن هذا لا يعني أن هذا الاتجاه يمكن أن يكون سياسة قيمة.
يبدو أن الأمل بتحقيق وفاق بين الولايات المتحدة وإيران قد تلاشى. ولا يبدو النظام الإيراني مهتماً بالإصلاح أو بتحسين العلاقات مع أميركا طالما ظل خامنئي والحرس الثوري هم أصحاب اليد العليا.
لا تنص خطة العمل المشترك على أن على أميركا التوقف عن معاملة الجمهورية الإسلامية كعدو. ويجب على الرئيس الأميركي التالي أن يتمتع بالبراغماتية التي تمكنه من رؤية خطة العمل المشتركة باعتبار أنها تخدم المصالح الأميركية من دون الشعور بأنها مقيدة بها.
والنتيجة: يشكل استمرار مناخ القمع والانتخابات الرئاسية التالية، وأفول خامنئي في نهاية المطاف، عوامل قد توفر بعض الفرص المهمة للرئيس الأميركي التالي.
علي رضا نادر
صحيفة الغد