تصريحان صدرا مساء الجمعة يصعب على اي مراقب لتطورات الاوضاع في المنطقة العربية تجاهلهما، الاول ما ورد على لسان السيد حسن نصر الله في خطابه الذي القاه امس بمناسبة تكريم شهداء القنيطرة، واكد فيه “سقوط قواعد الاشتباك مع اسرائيل واحتمال الرد في اي مكان وزمان، اما الثاني فجاء في كلمة للواء محمد علي جعفري القائد العام للحرس الثوري القاها خلال مشاركته في مؤتمر تحت عنوان “الجهاد مستمر” عقدته وزارة الداخلية الايرانية اكد فيها “ان على اسرائيل ان تنتظر الرد التالي.. وان هذا الرد سيكون ساحقا واكثر قوة، ولن يكون فقط على حدودها بل في اي مكان يتواجد فيه الاسرائيليون والصهاينة”.
اهمية هذان التصريحان تأتي من كونهما جاءا بعد الهجوم الذي شنته خلية تابعة الى حزب الله على قافلة عسكرية اسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بالصواريخ قبل يومين فدمرت اثنتين منها، وقتلت ثلاتة جنود واصابة آخرين حسب اعتراف الجيش الاسرائيلي، ولكن محطة “العربية” قالت ان عدد الجنود القتلى زاد عن 14 قتيلا.
***
الاسرائيليون توقعوا الرد من حزب الله من هضبة الجولان ومن القنيطرة نفسها، فجاءهم من جنوب لبنان وفي وضح النهار، وبدقة متناهية، وفي ظل حالة طوارىء اسرائيلية قصوى استعدادا لاي هجوم انتقامي لشهداء القنيطرة، وبعد ايام معدودة من استشهاد جهاد عماد مغنية وجنرال ايراني وآخرين في قصف صاروخي اسرائيل.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي اخطأ في الحساب مرتين: في الاولى عندما ضرب قافلة قيادة حزب الله في القنيطرة وقتل من فيها ثم ذهب يوجه رسائل عبر طرف ثالث الى الحزب وايران يعتذر فيها عن هذه العملية، ويؤكد انه لم يكن يعلم ان قيادات كبيرة من ضمنها، والثانية عندما اعتقد ان الرد سيأتي من الجولان بسبب وجود معارضة لبنانية قوية من قبل تحالف 14 آذار لاي اعمال مقاومة انطلاقا من الاراضي اللبنانية.
من المفارقة ان نتنياهو تقمص دور الاطراف العربية (سورية خاصة) التي كانت تقول في اعقاب كل هجوم اسرائيلي على اهداف داخلها بأنها سترد في المكان والزمان المناسبين، فقد كرر الجملة نفسها في اعقاب هجوم مزارع شبعا.
هيبة اسرائيل كقوة اقليمية عظمى سقطت وانحدرت الى الحضيض في الاعوام الاخيرة، ولم يعد جيشها يخيف احدا، بل ما حدث هو العكس تماما، فقد تعرض هذا الجيش لهزائم ثقيلة في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، ولم تستطع دباباته التوغل بضعة امتار داخل حدوده رغم تهديداته المتكررة طوال الخمسين يوما من عمر العدوان، ولو كان نتنياهو يستطع الرد على الهجوم المهين الذي تعرض له جيشه في مزارع شبعا لما تردد لحظة واحدة، ولكنه الجبن، والخوف من الهزيمة العسكرية التي يمكن ان تقود الى هزيمة سياسية خاصة ان الانتخابات البرلمانية باتت على الابواب.
القيادة العسكرية الاسرائيلية تدرك جيدا ان اي حرب قادمة تشنها على جنوب لبنان لن تنتصر فيها، وستكون عواقبها وخيمة، ليس بسبب التقدم الكبير العملياتي والتسليحي لحزب الله وقواته، وانما ايضا لان المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد تدخل طرفا فيها، وهكذا تتعانق الصواريخ القادمة من جنوب لبنان مع نظيراتها القادمة من جنوب فلسطين (قطاع غزة) في سماء تل ابيب وحيفا ويافا والمجدل واسدود واللد والرملة.
فتقديم السيد محمد الضيف قائد (كتائب القسام) الجناح العسكري لحركة “حماس″ التعازي المكتوبة للسيد حسن نصرالله والقيادة الايرانية بشهداء هجوم القنيطرة يؤشر الى عودة حركة “حماس″ الى معسكر الممانعة في وضح النهار، مثلما يؤكد ان رجال المقاومة في القطاع مستعدون لنصرة اشقائهم في لبنان في اي عدوان اسرائيلي قادم.
بوصلة الجهاد الحقيقية هي تلك التي تؤشر باتجاه فلسطين، واراضيها المحتلة، ومقدساتها الاسيرة، ومن يريد انتقاد حزب الله بسبب تدخله في سورية الى جانب النظام الحاكم في دمشق، وهو تدخل مرفوض، عليه ان يفعل مثله في فلسطين التي لا يختلف عليها الا من يقف في الخندق الاسرائيلي.
اسرائيل تعيش هذه الايام اسوأ ايامها، لانها في حال من الرعب والخوف من انتقام فصائل المقاومة اولا، والعزلة الدولية التي تعيشها بسبب جرائمها واستيطانها في الاراضي العربية المحتلة ثانيا.
***
الحديث عن الردع، وتوازن الرعب بات قديما تجاوزته الاحداث والحروب الاخيرة، التي خسرتها اسرائيل جميعا امام ارادة المقاومة، وباتت قيادتها العسكرية تعد للمليون قبل التفكير بإرسال طائراتها ودباباتها الى جنوب لبنان او قطاع غزة، ولا يخامرنا ادنى شك بأن جبهة الجولان تتجه نحو التسخين، وما اطلاق صاروخين من الجانب السوري المقابل باتجاه منتجعات التزلج التي هرب منها السياح اليهود الا احد ارهاصات هذا التسخين المتسارع.
رد نتنياهو الذي توعد به قد لا يأتي مطلقا، وان آتى فسيجد مقاومة شرسة، وعشرات الآلاف من الصواريخ التي ستستهدف المستوطنات والمستوطنين وتصل الى كل مكان حتى ايلات في اقصى الجنوب، ففترة الامن الذهبية التي تنعّم بها المستوطنون الاسرائيليون طوال العشرين عاما الماضية، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقات اوسلو تتآكل امام صواريخ المقاومة وحالة الغليان المتفاقمة في اوساط الشعب الفلسطيني.
نحن في انتظار من ينتقم اولا، نتنياهو ام السيد نصر الله وحليفه السيد الجعفري احد ابرز قادة الحرس الثوري الايراني، وكيف سيكون هذا الانتقام، ويقيننا انه ايا كان من يطلق الرصاصة الاولى فإن اسرائيل ستكون الخاسر الاكبر.
عبد الباري عطوان
نقلا عن رأي اليوم