المونيتور: ما الذي يعنيه اختيار إيران لمبعوثها لدى الأمم المتحدة

المونيتور: ما الذي يعنيه اختيار إيران لمبعوثها لدى الأمم المتحدة

لقد كان تعيين غلام علي خوشرو كمندوب دائم لإيران لدى الأمم المتحدة في يوم 31 يناير الماضي تطورًا مهمًا. فقد ظل المنصب شاغرًا لأكثر من عام منذ أن رفضت واشنطن إصدار تأشيرة دخول للمبعوث السابق، حامد أبي طالبي، بدعوى تورطه في أزمة الرهائن عام 1979.

يذكر أن طهران لديها قسم لرعاية مصالحها في السفارة الباكستانية في واشنطن، ولكن ذلك القسم يدار من قبل المقيمين الدائمين الإيرانيين في الولايات المتحدة، وليس الدبلوماسيين. وهكذا، فإن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة في نيويورك تعد المركز الدبلوماسي الأكثر أهمية بالنسبة للجمهورية الإسلامية في أمريكا الشمالية.

ويسعى بعض الدبلوماسيين الإيرانيين الذين خدموا في نيويورك أو الذين أمضوا بعض الوقت في الولايات المتحدة، والذين يطلق عليهم المحافظون لقب “أهل نيويورك”، من أجل إيجاد علاقة بناءة بشكل أكبر بين إيران والغرب.

وتشمل بعض هذه الشخصيات محمد جواد ظريف (وزير الشؤون الخارجية)، وصادق خرازي (رئيس الأصوات الإصلاحية في حزب الإيرانيين)، وماجد تخت رافانشي (نائب وزير الشؤون الخارجية والمفاوض النووي)، وحسين فريدون (شقيق الرئيس حسن روحاني والمستشار الخاص للشؤون التنفيذية)، وأمير حسين زامانينيا (نائب وزير البترول والمفاوض النووي) وكاظم سجادبور (رئيس قسم تخطيط السياسات في وزارة الشؤون الخارجية). كما يعتبر خوشرو أيضًا من هذه الفئة بعد أن خدم سابقًا في بعثة الأمم المتحدة.

وخلال فترة الولاية الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد، انقسمت تلك المجموعة المذكورة آنفًا (من سكان نيويورك) بين مؤسستين رئيسيتين: حيث كان يعمل ظريف، وفريدون، وزامانينيا وسجادبور في مركز البحوث الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية برئاسة روحاني. بينما عمل الآخرون، بما في ذلك تخت رافانشي، وخوشرو في الدبلوماسية الإيرانية، وهي مؤسسة بحثية بقيادة خرازي. وكان أبو طالبي يتبع مركز البحوث الاستراتيجية، ولكنه لا يعتبر من سكان نيويورك وكذلك روحاني.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن أبا طالبي لم يكن مرشحًا للمنصب من قبل وزارة الخارجية. لكن روحاني اختار أبا طالبي وأصر على تعيينه، حتى عندما أصبح واضحًا أنه لن يكون قادرًا على تولي ذلك المنصب. ويعمل أبا طالبي الآن كمستشار سياسي للرئيس. يذكر أن جميع الممثلين الدائمين لدى الأمم المتحدة يحتاجون إلى دعم كامل من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وهو ما حدث مع أبي طالبي بشكل واضح.

ويعتبر منصب المبعوث الدائم لدى الأمم المتحدة ذا أهمية خاصة ضمن هيكل السلطة في الجمهورية الإسلامية لعدة أسباب: فهو بمثابة الوسيلة الرئيسة للانخراط الدبلوماسي على الساحة العالمية، كما أنه يمثل البؤرة الدبلوماسية الوحيدة لإيران على أراضي القوة العظمى الوحيدة في العالم. بالإضافة إلى أنه يعد بمثابة نقطة انطلاق بالنسبة للدبلوماسيين الطموحين.

كما يشاع أن مرشح وزارة الشؤون الخارجية المفضل كان هو خوشرو، المستشار السابق للرئيس السابق محمد خاتمي، والذي تم تعيينه في منتصف عام 2014 كسفير في سويسرا. وقد كانت علامات صعود خوشرو وتقربه من ظريف واضحة في الأيام والأسابيع التي سبقت تعيينه في الأمم المتحدة.

ففي يناير الماضي، رافق خوشرو ظريف في قمة المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس. كما يقال إنه قد سافر في وقت لاحق مع ظريف إلى المملكة العربية السعودية بعد وفاة الملك عبد الله.

ويعزو بعض المراقبين في طهران تأييد المرشد الأعلى لخوشرو إلى دعم كل من ظريف، وروحاني وخرازي. وإذا ما صح ذلك، فإن من شأن هذا الدعم أن يقوي موقف المبعوث الإيراني لدى الأمم المتحدة إلى ذلك المستوى الذي شوهد آخر مرة في عام 2000، عندما لعب ظريف -السفير آنذاك- أدوارًا رئيسة في بعض التطورات الهامة، بما في ذلك الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان.

وبرغم أن منصب الممثل الدائم  لدى الأمم المتحدة لا يحمل رتبة وزارية في إيران، كما أنه لا يتطلب موافقة البرلمان كما هو الحال في الولايات المتحدة، إلا أنه من الممكن أن يكون ذا أهمية مماثلة في الهيكل السياسي. فالمبعوث لدى الأمم المتحدة لديه اتصال مباشر ليس فقط بوزير الشؤون الخارجية، ولكن أيضًا بالرئاسة ومكتب المرشد الأعلى.

ولا تزال المعلومات حول خطط خوشرو الفورية غير متوافرة، ولكن أحد المصادر قال إنه يخطط للوصول إلى نيويورك قبل عيد النيروز (السنة الفارسية الجديدة التي تبدأ في يوم 21 مارس). لكن هناك أبعاد متعددة يجب أن توضع في الاعتبار عند النظر في الآثار المترتبة على تعيين خوشرو.

فمحليًا، قد تصبح الأمور صعبة بالنسبة لروحاني. ففي حين أن خوشرو لديه روابط عائلية مع الرئيس الوسطي من خلال زواج ابنه من ابنة فريدون، إلا أنه من المعروف ينتمي إلى المعسكر الإصلاحي. كما إن خوشرو يتمتع “بعلاقة خاصة” مع الرئيس السابق خاتمي وكذلك خرازي وظريف.

وهنا تجدر الإشارة إلى مناورة خرازي في الآونة الأخيرة لتوسيع وجوده على الساحة السياسية. فخرازي، الذي تجمعه روابط أسرية مع كل من خاتمي وخامنئي لم يدعم روحاني في انتخابات الرئاسة عام 2013، فقد ربط حظوظه السياسية برئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف قبل أن يعلن روحاني ترشيحه.

وعلاوة على ذلك، يقول مصدر مطلع: “إن خوشرو موال تمامًا لظريف. وسوف يكون رجله في الولايات المتحدة بنسبة 100%“. وهكذا، فالظاهر أن فشل ترشيح أبي طالبي قد أدى إلى إضعاف روحاني أمام قوة خرازي الناشئة. ومن المحتمل لتلك الديناميات أن تكون مزعجة لروحاني مع الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في العام المقبل والانتخابات الرئاسية في عام 2017.

وعلى الساحة الدولية، يشير توقيت تعيين خوشرو إلى أن طهران تستعد لاثنين من السيناريوهات المحتملة التي تتركز جميعها في مجلس الأمن الدولي؛ وهي إما الإشراف والتنسيق لتنفيذ التدابير المتعلقة بتخفيف العقوبات، أوعلى العكس، الاستعداد لـ “لعبة تبادل اللوم” المحتملة في حالة فشل المحادثات في التوصل إلى اتفاق نهائي.

يذكر أن أواخر شهر مارس، يمثل الموعد النهائي بالنسبة لإيران ومجموعة P5+1 (والتي تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا) للتوصل إلى اتفاق حول الإطار السياسي لاتفاق نووي شامل.

وفي حين كان الجانبان قد حددا أواخر شهر يونيو كموعد لإبرام الاتفاق النهائي، فيبدو أن شهر مارس سيكون موعدًا نهائيًا. لكن تهديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد فرض أي عقوبات جديدة على إيران في الكونغرس قد ينتهي وقته. وعلاوة على ذلك، يمكن لروحاني استغلال الدعم المحلي الناتج عن التقدم في المحادثات مع عيد النيروز الذي يحمل أهمية ضخمة في التقويم الإيراني.

ومن المقرر أن يحضر ظريف مؤتمر الأمن في ميونيخ ( الذي يعقد في الفترة بين 6-8 فبراير)، كما أنه من المقرر عقد جولة أخرى من المحادثات النووية مع مجموعة الـ P5+1 قريبًا.

ويتكهن المراقبون أن خوشرو قد يظهر في ميونيخ وفي المفاوضات النووية القادمة قبل مغادرته إلى نيويورك. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن خوشرو كان له دور فعال في تصميم طريقة الاشتباك مع المعارضة خلال المفاوضات النووية بين إيران وما يسمى بـ EU3، الذي تألف من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في الفترة بين عامي 2003-2005، فستكون الأيام والأسابيع المقبلة مؤشرًا جيدًا للدور الذي سيلعبه.

التقرير