مع اعلان “اللجنة الثورية” التابعة لانصار الله (الحوثي) حل البرلمان، واصدار اعلانا دستوريا يقضي بتشكيل احدهما رئاسي من خمسة اعضاء، ووطني مكون من 551 عضوا، يمكن القول بأن هذا الاعلان يدشن رسميا بداية حكم الحوثيين في اليمن، وبداية حقبة جديدة من تاريخ هذا البلد المنكوب بالخلافات والانقسامات منذ انطلاق ثورته الشعبية عام 2011 التي اطاحت بحكم الرئيس علي عبدالله صالح بعد اكثر من ثلاثين عاما من الحكم.
حتى لو سار السيناريو الذي وضعته “اللجنة الثورية” التي يتزعمها السيد محمد الحوثي في الاتجاه المطلوب، وجرى تشكيل المجلسين المذكورين، وهذا موضع شك في معظم الاحوال، فإن هذه اللجنة ستكون الحاكم الفعلي في البلاد، وهي التي تقرر من يكون داخل الحكم، ومن يقف خارجه، ومن هو رئيس الجمهورية الجديد، ومن هم اعضاء مجلس الرئاسة الذين سيحيطون به، والشيء نفسه يقال عن رئيس الوزراء والوزراء، وحتى اعضاء المجلس الوطني (البرلمان المؤقت) المعين.
جميع الشخصيات التي ادارت الملف اليمني طوال السنوات الاربع الماضية، ابتداء من السيد جمال بن عمر مبعوث الامم المتحدة، ومرورا بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور، وانتهاء بزعماء مجلس التعاون الخليجي اصحاب المبادرة، يتحملون مسؤولية الحالة “الضبابية” التي يعيشها اليمن حاليا، لانهم ساهموا، كل حسب دوره ومسؤوليته، في وصول البلاد الى الانهيار الحالي.
اختيار الرئيس عبد ربه منصور هادي كرئيس انتقالي من قبل الدول الخليجية، وبعد ذلك تثبيته في الحكم من خلال انتخابات بإيعاز من هذه الدول ايضا، كان البداية الحقيقية لهذا الانهيار، فالرجل كان ضعيفا متساهلا لا يصلح لهذه المهمة، والا لما اختاره الرئيس “الداهية” علي عبدالله صالح نائبا له.
الرئيس علي عبدالله صالح قال مقولته المشهورة، ان من يحكم اليمن كمن يرقص فوق رؤوس صندوق من الثعابين، ولكن السنوات الاربع الماضية اثبتت انه “الثعبان الاكبر والاضخم والاخطر”، هذا اذا لم يكن الاب الشرعي لكل هذه الثعابين مجتمعة او متفرقة.
التحالف بين الرئيس علي عبدالله وتيار انصار الله الحوثي كان وما زال شبيها بالتحالف الاهم في الجزيرة العربية قبل اكثر من ثلاثمائة عام، مع بعض الفوارق، بين الامام محمد بن عبد الوهاب الاب الروحي للفكر الوهابي وابن سعود، بحيث يتولى الاول الدعوة والتشريع، والاشراف على تطبيق الشريعة الاسلامية وفق دعوته الاصلاحية، بينما يقوم الطرف الثاني، اي آل سعود، بتولي الحكم وادارة شؤون الدولة.
انصار الله تحالفوا مع الرئيس علي عبدالله صالح، فكان حليفهم ومستشارهم وداعمهم، فقد حققوا ما يريدون من توسع “وسلطة روحية” مدعومة بالقوة وتواطؤ وحدات من الجيش اليمني الموالية للرئيس الاسبق، بينما حقق الرئيس صالح ما كان يتطلع اليه من الانتقام واشفاء غليله من خصومه الذين تآمروا عليه الواحد تلو الآخر، مثل اللواء علي محسن الاحمر الذي انشق على الجيش، وحركة الاصلاح التي يتزعمها آل الاحمر، وتمثل امتدادا لحركة الاخوان المسلمين، واخيرا الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي خرج عن طاعة رئيسه السابق.
السؤال الذي يطرح نفسه آلان بقوة، وتشدد عليه هذه الصحيفة “راي اليوم”، هو حول التركيبة التي وضعتها “اللجنة الثورية” لانصار الله للمجلس الرئاسي، والرئيس الذي سيكون على رأسه، فمن المؤكد انهم اعدوا الاسماء واتفقوا عليها قبل اشهر، مع الرئيس صالح، والشيء نفسه يقال عن المجلس الوطني والحكومة الانتقالية والتعديلات الدستورية المطلوبة.
من السابق لاوانه القفز الى الاجابة، والتكهن بالنتائج، فقد تعودنا ان نطلع عليها بمضي الوقت، لان التيار الحوثي وشريكه الرئيس علي عبدالله صالح اعدوا كل الخيارات واتبعوا اسلوب المراحل، او التدرج في اعلانها الواحدة تلو الأخرى وما علينا غير الانتظار.
السيد عبد الملك الحوثي هو المرشد الاعلى، والسيد احمد علي عبد الله صالح هو الرئيس، او الحسين بني صدر اليمني، او اي صيغة اخرى مشابهة، واستمرار الانقسام في اليمن، وحالة الفوضى التي تسوده في اجزاء من الجنوب والوسط على الاقل.
ربما يأتي من يقول ان هذا التحليل يكشف عن عدم فهم صاحبه للشؤون اليمنية، جميل، ولكن ماذا فعل الذين يفهمون في الشأن اليمني، واين قادت تحليلاتهم؟ وما هو نصيبها من الدقة؟
راي اليوم