أصبحت الميليشيات الإيرانية والتابعة للنظام الإيراني التي دخلت سوريا، دفاعاً عن نظام الأسد، تفرض سيطرتها على القرار السوري بشكل واضح وعلني قبل الموعد المتوقع لذلك، ولم تحاول أن تخفي هذه السيطرة بتاتاً، بل يحاول إعلامها أن يؤكد منذ الآن أن ما يجري في الساحة السورية ليس خارجاً عن سيطرتها وهذا دليل على أن القرار في النظام السوري خرج عن سيطرة الأسد نفسه، فهل يمكنه التخلص من ذلك؟
ما يجري في حلب اليوم، أكبر دليل على هذا، فالميليشيات التي أرسلتها طهران من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، تعرقل اتفاق الإجلاء من شرق حلب، وتفرض شروطها، ما تسبب بحالة استياء لدى الحليف الروسي أيضاً والذي لولا تدخله الجوي لم يكن نظام الأسد بهذه القوة على الأرض، إن لم يكن ساقطاً بالأساس.
ورغم التوصل لاتفاق برعاية روسية-تركية لإجلاء المسلحين والمدنيين من شرق حلب المحاصر، ورغم سريان الاتفاق لساعات، فإن ميليشيات تتبع النظام الإيراني قامت بقطع طريق الحافلات الخارجة من حلب بعد عبورها من نقطة تفتيش روسية.
وهناك تقارير تتحدث عن توقيف حوالي 800 مدني لساعات وإعدام 4 منهم، ومن ثم إعادة الآخرين إلى حلب.
بعدها بدأت مفاوضات لاستئناف عمليات الإجلاء، لكن الميليشيات الإيرانية كانت تفرض شروطها في كل مرة، والتي بدأت بضم بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل قوات المعارضة في إدلب للاتفاق، ومن ثم فرض أعداد معينة لإجلائهم من البلدتين، مقابل أعداد مشابهة لها من حلب، فكل هذا عقّد الموضوع أكثر فأكثر.
علماً أنه لولا الميليشيات الإيرانية لما وصل الوضع في حلب إلى ما هو عليه اليوم، لأن حشود الآلاف من الميليشيات التابعة لإيران في حلب هي من يعود لها الفضل الأول فيما آلت إليه الأمور في المدينة.
كما أن خسارة المعارضة للمناطق الخاضعة لسيطرتها منذ عام 2012، ليس له معنى إلا أن قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد لا تسيطر على زمام الأمور.
الأسد غير قادر على ردع الميليشيات
يبدو أن الميليشيات الإيرانية التي حالت دون سقوط نظام الأسد بدفع آلاف المقاتلين دفاعاً عنه، تشكل الآن نفوذاً برياً في سوريا لا يمكن للأسد السيطرة عليه.
ويحلم النظام الإيراني منذ انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979 بممر يوصله إلى البحر الأبيض المتوسط، والحديث عن بناء “هلال شيعي” يأتي في هذا الإطار.
كما أن حضور الميليشيات التابعة لإيران داخل العراق جلياً تماماً.
أما الحرب السورية وضعف نظام الأسد أمام معارضيه، أعطى الفرصة لإيران لدفع ميليشياتها إلى سوريا خدمة لطموحاتها الإقليمية.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن هذه الميليشيات تشكل قوة برية سوف تتمركز في سوريا “حتى إن انتهت الحرب لصالح نظام الأسد”، وسوف تحظى بنفوذ عقائدي في سوريا لصالح النظام الإيراني.
ويبدو أن ليس هناك ما يفعله الأسد للحد من النفوذ المتنامي لهذه المجموعات المسلحة.
الميليشيات تؤكد: نحن هنا
وبعد انطلاق الثورة السورية، كانت تحاول إيران وميليشياتها إخفاء ما تقوم به في سوريا دفاعاً عن الأسد. لكن نرى اليوم أنها تؤكد على حضورها بشكل دائم وتدعمه إعلامياً.
ومؤخراً، أعلنت إيران بشكل غير مسبوق أن حوالي 1000 شخص من قواتها العسكرية قتلوا في سوريا. وحزب الله اللبناني المصنوع والمدعوم إيرانياً قام بأول استعراض عسكري ضخم خارج لبنان في بلدة القصير السورية، مستخدماً أسلحة ثقيلة ودبابات.
أما العاصمة السورية دمشق فهي أيضاً محاصرة إيرانياً. حيث هناك نقاط تفتيش كثيرة تابعة للميليشيات، ومنها حزب الله اللبناني في العاصمة وضواحيها.
ومن يقوم بزيارة منطقة “السيدة زينب” في ريف دمشق يؤكد أن اللغة الطاغية في المنطقة هي الفارسية، وأن أعدادا هائلة من المسلحين الإيرانيين هناك.
وفي تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الشهر الماضي نقلت فيه عن الباحث بجامعة ميريلاند فيليب سميث قوله إن هناك فرعاً لحزب الله قد نشأ في سوريا وبدأ أفراده يرابطون في بعض نقاط التفتيش في دمشق العاصمة ويرفعون أعلام حزب الله. معلقاً أن التأثير الأوسع لحزب الله ليس بأن سيكون بمقدور إيران نشر مقاتلين أجانب في سوريا فحسب، بل بناء نفوذ دائم لها في هذه البلاد لا يستطيع حتى الأسد إزاحته بسهولة.
وقدرت الصحيفة، نقلاً عن خبراء، عدد المقاتلين التابعين لإيران في سوريا بما يتراوح بين 15500 و25000 مقاتل.
علماً أن دخول الميليشيات الإيرانية إلى سوريا لم يتوقف منذ انطلاقه، وزاد العدد شهراً بعد شهر.
كل هذه الميليشيات قدمت ضحايا، حفاظاً على نظام الأسد، فهل ستترك سوريا للأسد؟