أنقرة – بات السجال بين تركيا وإيران حول أنشطة حزب الله في سوريا علنيا، إثر الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ضد الحزب واتهامه بارتكاب خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار.
ويعدّ انتقاد جاويش أوغلو ردا مباشرا على تصريحات كانت أطلقتها طهران على لسان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي، أعلن فيها أن حزب الله لن يخرج من سوريا، وأن الأمر لا يعدو كونه “دعاية الأعداء”.
وقال جاويش أوغلو “نرى خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وعناصر حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية وقوات النظام السوري هم من يقومون بها”.
وجاءت هذه التصريحات إثر هجمات شنتها قوات النظام ومقاتلون من الحزب اللبناني من جهة، ومقاتلو المعارضة في وادي بردى من جهة أخرى، وإثر معلومات عن فشل وساطة قام بها ضباط روس لوقف هجوم حزب الله.
ورأت مصادر دبلوماسية أن الخلاف التركي الإيراني حول أنشطة الميليشيات التابعة لإيران بات يهدد الاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار.
كما يهدد بالتالي المفاوضات التي دعت إليها روسيا في أستانة عاصمة كازاخستان.
وأعلن وزير الخارجية التركي أن هذه المفاوضات ستبدأ في الـ23 من يناير الجاري، ولم يخف قلقه على مصير المفاوضات التي “قد تتعثر إذا لم نوقف الخروقات المتزايدة” لوقف إطلاق النار الساري منذ منتصف ليل الخميس في سوريا بموجب اتفاق روسي تركي.
واعتبرت مصادر قريبة من دمشق أن انتقادات وزير خارجية تركيا لا تعبر عن موقف أنقرة فقط بل تعكس وجهة نظر موسكو أيضا، وتوجّه رسالة إلى النظام السوري بانتهاج موقف يحترم وقف إطلاق النار ومسار أستانة، واتخاذ موقف لصالح مستقبل سوريا بعيدا عن أجندات الميليشيات وحساباتها الإيرانية.
فائق بلوط: أنقرة وموسكو تسيران معا للتنسيق لإيجاد حل شامل في سوريا
وكانت تصريحات ولايتي الثلاثاء تعكس قلق إيران من احتكار روسيا وتركيا للحلّ السوري، لا سيما أن صحيفة “حرييت دايلي نيوز” التركية كشفت الأربعاء، أنها حصلت على نسخة من وثيقة توضح تفاصيل آلية مراقبة الهدنة بسوريا.
ونقلت عن الوثيقة الصادرة في الـ29 من ديسمبر الماضي أنه “من أجل رصد وتسجيل انتهاكات الهدنة” فإن روسيا وتركيا الطرفين الضامنين لها، سيعملان على إقامة نقاط إشراف ومراقبة في المناطق السكنية بمحاذاة خطوط المواجهات بين أطراف القتال.
ونقلت عن مسؤول تركي أنه ستتم إقامة مراكز مراقبة مشتركة لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا عن كثب، مضيفا أن تركيا ستستخدم قاعدة “إسكي شهر” الجوية الرئيسية، بينما ستستخدم روسيا قاعدة “حميميم” الجوية داخل سوريا لهذه الغاية.
ولفت مراقبون في موسكو إلى أن تركيا تتولى توجيه انتقادات صريحة لطهران من خلال استهداف ميليشياتها في سوريا، دون أن يرقى السجال إلى مستوى سياسي عام حفاظا على روحية إعلان موسكو الذي شاركت إيران في إصداره من العاصمة الروسية مع كل من تركيا وروسيا في الـ20 من الشهر الماضي.
وأضاف هؤلاء المراقبون أن الموقف التركي المنتقد للميليشيات التابعة لإيران يخفف عن روسيا اتخاذ موقف من هذا النوع بما قد يكشف تناقضا علنيا بين الأجندتين الإيرانية والروسية.
ورأت هذه الأوساط أن طهران وأنقرة تخاطبان روسيا، وكل واحدة منهما على طريقتها ووفق حساباتها.
ورأى الباحث السياسي التركي فائق بولوط أن تركيا تتصرف في الملف السوري “ضمن إطار التفاهمات مع روسيا، وأنها حريصة على عدم إزعاج موسكو”.
وأكد بولوط في تصريحات لـ”العرب” على أن البلدين يسيران معا للتنسيق لإيجاد حل شامل في سوريا بصفتهما ضامنين لأطراف الصراع.
ودعا وزير الخارجية التركي إيران إلى “القيام بما يمليه عليها ضمانها لاتفاق وقف إطلاق النار، وعليها إظهار ثقلها والضغط على الميليشيات الشيعية والنظام السوري”.
لكن مراقبين اعتبروا أن الدعوة التركية تحرر إيران من واقع أنها من حصة روسيا كدولة ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار وترقيه إلى مرتبة إحدى الدول الضامنة لاتفاق خطي بدعم مجلس الأمن بصفته اتفاقا روسيا تركيا.
لكن بولوط رأى أن “إيران محسوبة على الضامن الروسي، ورغم ذلك نشاهد أن موسكو فتحت مجالا معينا للأتراك للتصرف إلى حد معين بخصوص إيران في سوريا، ولكن موسكو قد تتدخل لضبط التصريحات المتبادلة في حال تجاوزت الحد المقبول”.
ورغم إقرار بولوط بأن لروسيا وإيران “وجهة نظر مختلفة بخصوص مستقبل سوريا”، إلا أنه رأى أنهما “في حلف واحد وليستا على وشك الاختلاف”.
العرب اللندنية