دمشق – تحاول روسيا الحد من النفوذ الإيراني في سوريا عبر مسارين متلازمين سياسي وميداني، لإدراكها العميق بأن طهران لن تتورع عن إسقاط التسوية السياسية التي تأمل موسكو في التوصل إليها في مفاوضات أستانة المرتقبة.
وقد بدأت طهران بالفعل في ذلك من خلال الخروقات المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي ثبت أن ميليشياتها من تقف خلفها سواء في منطقة وادي بردى في ريف دمشق أو في حماه وإدلب، الأمر الذي دفع فصائل من المعارضة المسلحة إلى تجميد مشاركتها في أي مفاوضات تحضيرية للحوار الذي سيجرى في الثالث والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الكازاخستانية.
وجدير بالتذكير أن إيران قد حاولت سابقا إسقاط اتفاق جرى في حلب بين تركيا وروسيا، تم بموجبه إخراج الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى إدلب، عبر فرض جملة من الشروط التعجيزية.
ومعلوم أن إيران غير راضية على المسلك الروسي الذي قرر السير باتجاه تفعيل العملية السياسية بعد الانتصار الذي تحقق في حلب شمال سوريا، وهناك قناعة إيرانية بأن بالإمكان حسم الملف عسكريا خاصة وأن المدن السورية الرئيسة باتت بأيدي النظام.
كما لا تخفي طهران امتعاضها من التقارب التركي الروسي في الملف السوري والذي نتج عنه اتفاق وقف إطلاق النار الذي مهد له اتفاق حلب، وتشعر طهران بأن هناك محاولة لتهميش دورها سياسيا، وميدانيا أيضا.
وسبق وأن أبدى مسؤولون إيرانيون احترازا من روسيا في عدة محطات من الأزمة السورية، منها حينما غضت موسكو الطرف عن استهداف سلاح الجو الإسرائيلي لمواقع ولقيادات في حزب الله اللبناني ذراعها الأقوى في المنطقة، داخل الأراضي السورية.
وكان مسؤول إيراني رفيع المستوى قد أعرب منذ أشهر عن قلقه من موقف موسكو تجاه الجماعات التي تدعمها بلاده في سوريا.
التباين بين إيران وروسيا لا يقف عند ذلك بل يشمل أيضا الرفض الروسي لاستراتيجية طهران القائمة على تغيير الخارطة الديمغرافية للمناطق السورية الرئيسية وخاصة في ريف دمشق مما يسهل على الأخيرة السيطرة عليها.
ويقول محللون إن العلاقة بين روسيا وإيران أمام منعطف خطير، فإيران التي تريد تثبيت أقدامها في سوريا وجعلها مركز ثقل لمشروعها التوسعي بالمنطقة، تستشعر وجود نوايا حقيقية لموسكو لتحجيم نفوذها هناك، ولن يكون ذلك إلا بالحد من تغول ميليشياتها المنتشرة على الساحة السورية.
وتدعم موسكو خطة ترمي إلى تجميع المجموعات المسلحة المحلية التابعة للنظام السوري ضمن فيلق عسكري جديد يعرف باسم “الفيلق الخامس اقتحام”.
وخلال السنوات الماضية تشكلت إلى جانب الجيش السوري عدد من الميليشيات المسلحة تضم نحو 25 ألف مقاتل، متوزعة على عدة مجموعات تحت مسميات أبرزها “الدفاع الوطني”، و”صقور الساحل”، و”كتائب البعث”، وغيرها من المسميات، وهي ما يطلق عليه المعارضون “الشبيحة”.
وأفادت عدة مصادر مطلعة داخل سوريا، بأن الفيلق يجري تأسيسه بدعم روسي، وذلك لموازنة قوة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، والتقليل من تأثيرها الذي ازداد بشكل واضح بعد سيطرتها فعليا على مدينة حلب (شمال) في ديسمبر الماضي.
وكان النظام السوري قد أعلن عن “الفيلق الخامس اقتحام”، رسميا في 22 أكتوبر الفائت، وذلك بفتح المجال أمام جميع السوريين من سن 18 وحتى الـ50 عاما، ومهما كان وضعهم المدني سواء أكانوا موظفين في الدولة السورية أم يخدمون كـ”احتياط” في الجيش.
ويظهر سعي النظام السوري لتطوير هذا التشكيل الجديد والحشد له من خلال التعميمات والإعلانات الموجهة للموظفين في الدوائر الرسمية وحتى خطب صلاة الجمعة.
ويعرض النظام عدة امتيازات للمنضمين إلى الفيلق، تتضمن تسوية وضع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش، إضافة إلى تقديم راتب شهري يعادل أربع أضعاف راتب موظفي الدولة، ويساوي قرابة 200 دولار أميركي (100 ألف ليرة سورية).
وأكد العقيد الطيار الركن عمار النمر، قائد المجلس العسكري لدمشق وريفها (المعارضة)، أن الفيلق مدعوم ماليا من روسيا، بعد تيقنها أن الجيش السوري منهك، وغير قادر على تنفيذ العمليات الموكلة إليه، وذلك من خلال التجارب التي خاضتها منذ تدخلها في سوريا في نهاية سبتمبر 2015.
وجدير بالذكر أن إيران تشارك في الحرب بسوريا بقوات من الحرس الثوري، بالإضافة إلى ميليشيات شيعية موالية لها استجلبتها من العراق وأفغانستان وحتى باكستان، فضلا عن حزب الله اللبناني.
وتتحدث تقارير إعلامية عن أن القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها باتت تهيمن على الأرض في ظل إنهاك الجيش السوري بعد نحو 6 سنوات من الحرب والانشقاقات، وبرز دور هذه القوات خاصة في معركة حلب وريفها.
وتحاول روسيا التي تشارك أكثر بقواتها الجوية، موازنة النفوذ الإيراني على الأرض من خلال استحداث ميليشيات سورية جديدة، لإعادة بث الروح في الجيش، ومنع إيران من الاستفراد بالقرار العسكري في هذا البلد.
العرب اللندنية