في 1974 غادر البيت الأبيض الرئيس الأميركي الراحل من الحزب الجمهوري ريتشارد نيكسون، معلناً استقالته من منصب الرئاسة، تصحبه أسرته بأجواء نفسية شديدة الكآبة، وبعد أن ألقى حديثاً مقتضباً قصيراً أمام أجهزة الإعلام التلفزيونية الأميركية والدولية، استقل مع أسرته طائرة مروحية عسكرية أميركية خارج العاصمة واشنطن، وكان في وداعه أقرب مساعديه وأصدقائه في الحكومة الأميركية؛ مثل مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية هنري كسنجر والجنرال إسكندر هيج وغيرهم، وتنفس السياسيون الصعداء. وبعد مغادرته بوقت قصير أدى نائبه جيرالد فورد اليمين الدستورية رئيساً جديداً للولايات المتحدة.
تلاحقت هذه التطورات السياسية الصعبة إثر تفجر ما عرف بفضيحة «ووتر غيت» التي ألقت بظلالها القاتمة على أبجديات السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً، وهي قضية التهم السياسية التي وجهت إلى كوادر الحزب الجهوري الأميركي وقيادات في حكومة الرئيس ريتشارد نيكسون والمخابرات، بأنهم وراء عمليات التجسس على المكالمات الهاتفية لكوادر الحزب الديموقراطي الأميركي، إضافة إلى وضع أجهزة تنصت سرية على مقار اللجان الانتخابية للحزب الديموقراطي الأميركي في أجنحة سكنية في عمائر ووترغيت في العاصمة واشنطن، خلال انتخابات الرئاسة والكونغرس الأميركي، عامي 1971 و1972، وكان الرئيس الراحل ريتشارد نكسون شغل سابقاً منصب نائب الرئيس الأميركي الراحل في الحزب الجمهوري الجنرال المتقاعد داونت آيزنهاور، وفي انتخابات الرئاسة الأميركية عام 1960 أخفق وفشل في تحقيق الفوز في الانتخابات، بعد انتهاء مدة آيزنهاور، وبديلاً عن ذلك حقق مرشح الحزب الأميركي المنافس جون كندي النجاح في انتخابات الرئاسة عام 1960، ومن المعروف أن الرئيس الديموقراطي جون كندي اغتيل في حادثة إطلاق نار في مدينة دالاس بولاية تكساس عام 1963.
وتعرض الرئيس الجمهوري رتشارد نيكسون قبل استقالته عام 1974 لحملة إعلامية جامحة من وسائل الإعلام الأميركية اليسارية التلفزيونية والصحافية، ولا سيما الصحيفة اليسارية «نيويورك تايمز»، التي اتهمته بصريح العبارة شخصياً أنه يقف وراء أعمال التجسس غير المشروعة والمخالفة للدستور والقانون على مقار اللجان الانتخابية القيادية للحزب الديموقراطي الأميركي، واستخدمت المخابرات الأميركية في ذلك عام 1971 بعض أركان الحزب الجمهوري الأميركي، ووجهوا التهم من وراء الكواليس إلى جماعات يهودية أميركية يسارية تسيطر على الصحافة؛ بأنها وراء تشويه صورة الحزب الجمهوري والرئيس ريتشارد نيكسون، خلال تداعيات فضيحة «ووترغيت».
وبالنظر، فإن الساحة الأميركية السياسية ساحة تناقضات، إذ يعتبر الرئيس الأميركي الجمهوري ريتشارد نيكسون من أقوى الرؤساء المؤيدين لإسرائيل والكيان الصهيوني في الشرق الأوسط، بعد الرئيس الأميركي الجمهوري بوش الابن، فعلى سبيل المثال؛ خلال الحرب الإسرائيلية العسكرية وبعض الدول العربية (مصر وسورية) في الشرق الأوسط في 1973، أعلن الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون استخدام حالة الطوارئ في القوات العسكرية الأميركية التقليدية والنووية، معلناً استعداده للدفاع عن إسرائيل، ومتهماً الاتحاد السوفياتي بتوفير دعم لوجستي وعسكري في الحرب لكل من مصر وسورية، وعلى إثر ذلك أعلن رئيس الاتحاد السوفياتي الراحل ليونيد بريجنيف حالة الطوارئ العسكرية في قوات الترسانة العسكرية الروسية، بهدف مواجهة الولايات المتحدة، إلا أن الجهود أخذت مسارها سرياً عبر القنوات الدبلوماسية، بهدف وقف الحرب الإسرائيلية العربية في 1973 عبر قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي، وتفادي مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن. وخلال تداعيات فضيحة «ووترجيت» كانت الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأميركية تعج بالاضطراب وحال الفوضى السياسية، نتيجة تورط الولايات المتحدة في مستنقع حرب فيتنام، إذ وصل عدد الجنود العسكريين الأميركيين في فيتنام إلى نحو نصف مليون جندي، وكانت هناك معارضة من بعض الجهات الشعبية اليسارية الأميركية، ومظاهرات ضد حرب فيتنام، وعلى رغم أن طائرات السلاح الجوي الأميركي قتلت آلافاً من أبناء الشعب الفيتنامي، فإن الولايات المتحدة تعتبر خرجت مهزومة عسكرياً وسياسياً في نهاية المطاف، وكان الاتحاد السوفياتي، إضافة إلى الصين الشعبية، يزود ميليشيات الفيتكونج الاشتراكية وقوات فيتنام الشمالية بالسلاح والمعدات.
وأيضا كانت الساحة السياسية الاجتماعية الأميركية الداخلية تعاني من الانقسام، نتيجة استمرار سياسة الفصل والتمييز العنصري ضد السود الأميركيين الزنوج ذوي الأصول الأفريقية، واغتيل في تلك المرحلة وقبلها عدد من زعماء السود الأميركيين، الذين طالبوا بإنهاء عملية التمييز العنصري، من أبرزهم الزعيم مالكون إكس والحاج مالك الشباز، الذي اغتيل في مدينة نيويورك عام 1964.
وفي 1968 اغتيل السياسي الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ، واعتدت الشرطة الأميركية على السياسي الأميركي الأسود جون لوس، الذي أصبح بعد ذلك عضواً في مجلس النواب الأميركي في الحزب الديموقراطي، كما اعتدي على الأميركي السياسي اليساري آل الشبرن.
كان الرئيس ريتشارد نيكسون، الذي أطاحت به سياسياً تداعيات فضيحة «ووترغيت»، يمتاز بالتواضع وبعفوية طيبة وروح النكتة والمزاح ولهجته الواضحة الأميركية الأرلندية.
عبدالعزيز الهاشمي
صحيفة الحياة اللندنية