تتواصل المآسي الانسانية في العراق والموصل تحديدا عقب الحرب التي تخوضها القوات العراقية ضد تنظيم داعش، ورغم تحقيق الجيش العراقي تقدما ميدانيا لا يكف التنظيم الإرهابي عن استهداف الجانب الأمني إذ يقوم بترويع السكان من كل الفئات في استراتيجية يبث بها الفوضى وينشر الخوف ويريق الدماء.
وكان أعضاء من تنظيم الدولة الإسلامية ممن تقل أعمارهم عن العشرين استولوا على بيت محمد عبدالوهاب، المواطن العراقي، وروعوا عائلته على مدار ثلاثة أشهر، ورغم اختفائهم وتحقيق الجيش العراقي في الحي الذي يعيش فيه في شرق الموصل انتصارا إلا أنه لم ييسر له سبل العيش حتى الآن.
فقد سار هو وأسرته مثل المئات من العراقيين المتلهفين على الاستقرار عدة كيلومترات الثلاثاء في شوارع تهدمت مبانيها عائدين إلى بيتهم الذي استولى عليه التنظيم.
ويقول عبدالوهاب “أعمار هؤلاء المسلحين كانت بين 12 و15 سنة. ظهروا فجأة وأشهروا سلاحهم في وجوهنا ووضعوا قناصة على بيوتنا وأداروا أحياءنا”.
وفي الاتجاه المعاكس سارت أسر عراقية استطاعت الاحتفاظ ببيوتها لكنها تهرب الآن من تجدد القتال في بعض مناطق الموصل التي لم تستردها القوات الحكومية من بعض جيوب المقاومة لتنظيم الدولة.
ولحق الدمار بالعديد من الأحياء في البداية على أيدي التنظيم ومؤخرا عقب هجوم تحرير الموصل آخر معاقل التنظيم في العراق.
وقبل أربعة أيام كانت الأسر تختبئ في بيوتها في حي العربي بينما كان الجنود يشتبكون مع المتشددين في الشوارع القريبة وظهرت على صفوف من المباني آثار الطلقات النارية والأضرار التي تسببت فيها القذائف الصاروخية.
وعلى امتداد الطريق الرئيسي كان النازحون العراقيون يسيرون حول حفرة هائلة ناجمة عن ضربة جوية لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وتصاعدت أعمدة الدخان الأبيض بعد الضربة الأخيرة.
وكان كبار السن ينقلون على مقاعد متحركة متهالكة أو على عربات يد معدنية وسارت نسوة يرتدين النقاب ويغطيهن السواد بجوار أزواجهن وقد أصاب الكل الإرهاق من جراء ما عاشوه من ترهيب وشهدوه من اشتباكات ضارية ومن نقص الخدمات الأساسية.
ولم تظهر أي علامات تشير إلى وجود متاجر مفتوحة أو وجود إمدادات ضرورية يحتاجها النازحون باستثناء أن بعض النسوة كن يحملن على رؤوسهن أكياس أرز.
وربما تلازم حالة الصدمة الكثيرين مما عانوه في ظل حكم الجهاديين الذين اجتاحوا الموصل عام 2014 ولا تزال ذكريات قطع الرؤوس والإعدامات حية في الأذهان.
وقال أحد سكان المدينة “كانوا يرصون الناس في صف ثم يطلقون النار على رؤوسهم”. وفي هذه الأيام يقف المتشددون في موقف الدفاع بسبب خسارتهم الميدانية حيث من المتوقع على نطاق واسع أن تنهار دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم المتطرف في العراق وسوريا إذا خسر الموصل.
ومن المرجح أن يلجأ المتشددون إلى شن حرب عصابات في العراق ويصبحوا مصدر إلهام لآخرين لشن هجمات في الغرب.
وبعد السيطرة على الشطر الشرقي كله من الموصل تقريبا تستعد القوات العراقية لدخول الشطر الغربي حيث يتوقع أن تكون المعركة أكثر تعقيدا.
وبدت علامات الثقة على ضباط الجيش الذين كانوا يتجولون في حي العربي والأحياء القريبة منه لتوقعاتهم بقدرة القوات العراقية على تطهير البيوت التي لا يزال يتحصن فيها متشددون كانوا استولوا عليها من أصحابها.
وبينما كانت طائرة هليكوبتر تطلق النار من مدفع رشاش على مخابئ المتشددين أطلق قناص النار في اتجاه الضباط.
وروى عمر العبيدي أحد الجنود الذين يحرسون الشارع الرئيسي كيف نجا بأعجوبة عندما وصل مقاتلو الدولة الإسلامية إلى المدينة عام 2014 وبدأوا قتل أفراد قوات الأمن العراقية.
وقال “كانوا ينقلونني بسيارة إلى موقع الإعدام وحدث شيء صرف انتباههم ففتحت نافذة العربة وهربت”.
وبات من السهل عليه أن يبتسم الآن وهو يتذكر هذا الموقف الصعب. غير أنه يتعجب مثل الآخرين من سوء ما آلت إليه أحوال السكان ويستعين بنظريات المؤامرة في محاولة تفسير كل ما حدث.
ويقول العبيدي “هذه لعبة كبيرة يلعبها الأميركان وإيران لتدمير العراق. فعندما وصلت الدولة الإسلامية بقوة صغيرة هرب الساسة والجيش. لا بد من وجود من يدعمهم”.
صحيفة العرب اللندنية