قبل أشهر قليلة من الآن، كان الحديث عن ترشح جديد للرئيس الإيراني المحسوب على تيار المعتدلين حسن روحاني إلى ولاية رئاسية ثانية مستبعدا ولم يكن الحكام الفعليون متمسكين بالرجل وفريقه، غير أن تبدل المعطيات الدولية ووصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية دفعا المتشددين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى إلغاء خططهم في إنهاء حقبة روحاني وترشيح شخصية محسوبة على الجناح المتشدد.
ويبدو أن روحاني تلقى بالفعل الضوء الأخضر من خامنئي لإعلان ترشحه لولاية رئاسية جديدة، إذ أكد نائب الرئيس الإيراني المكلف بالشؤون البرلمانية حسين علي أميري، أن روحاني قرر المشاركة في الانتخابات الرئاسية في 19 مايو المقبل لولاية ثانية من أربع سنوات. وجاء في تصريحات أميري أن “روحاني توصل في الأسابيع الأخيرة إلى قرار مشاركته في الانتخابات الرئاسية”.
ويأتي الدفع بروحاني إلى الترشح لعهدة ثانية بعد نحو 4 أسابيع من تسلم ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، وما تخللته هذه الفترة من معطيات حاسمة أكدت للإيرانيين أن الإدارة الأميركية الجديدة ماضية قدما في تهديداته لطهران وعزمها على إنهاء أعمالها الاستفزازية ولجم طموحاتها الإقليمية.
ويعي الإيرانيون أن الدفع بشخصية تصادمية من الجناح المتشدد لرئاسة البلاد، سوف لن يؤدي إلا إلى تحركات أميركية قد لا تستبعد تدخلا عسكريا واسع النطاق.
وحاولت طهران، منذ بداية العام الجديد، اختبار مدى قدرة الرئيس الأميركي الجديد على تحويل تهديداته إلى أفعال حقيقية تطال مصالح الإيرانيين.
وبالفعل، أقدمت طهران في نهاية الشهر الماضي على اختبار أول صاروخ باليستي في عهد ترامب، في انتهاك واضح آخر لقرار الأمم المتحدة وهو الثاني من نوعه منذ إبرام الاتفاق النووي المثير للجدل في يوليو 2015.
الإيرانيون يدركون أن الدفع بشخصية تصادمية نحو الرئاسة سيؤدي إلى خطوات أميركية صارمة تجاه اقتصاد البلد
وقوبلت هذه التجربة بمواقف وتحركات أميركية لم تدع مجالا للشك في حزم واشنطن الجديد تجاه الاستفزازات الإيرانية، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية على إيران، موضحة أنها تشمل 13 شخصا و12 كيانا.
ولم تكتف إدارة ترامب بهذه العقوبات، إذ دشن معاونو ترامب عهدتهم بجملة من التهديدات وأكدوا أن استراتيجية الإدارة السابقة القائمة على الاحتواء وتجنب تصعيد الصراع أصبحت في عداد الماضي.
وغرد ترامب بأن طهران تلعب بالنار، وأشار إلى أن الإيرانيين لا يقدرون كم كان باراك أوباما طيبا معهم، مؤكدا أنه لن يكون مثله. كما وصم وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس إيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، فيما حذر نائب الرئيس الأميركي مايك بنس من أنه “سيكون من الأفضل لإيران أن تدرك أن هناك رئيسا جديدا في المكتب البيضاوي. ومن الأفضل لها ألا تختبر حزم هذا الرئيس الجديد”.
ودفعت هذه الخطوات الأميركية الحازمة التي تختلف جذريا عن سياسات الإدارة السابقة، الإيرانيين إلى توخي الحذر بشأن خطواتهم المستقبلية، وخفت خطابات التهديد التي كانت إلى وقت قريب خبزا يوميا.
ويدرك الإيرانيون جيدا أن أي تصادم جديد مع الأميركيين سيضع البلاد في مأزق يصعب الخروج منه، خاصة إذا ما شملت التحركات الجديدة إجراءات ضد الاتفاق النووي.
وسيقلص تمزيق ترامب للاتفاق النووي كما وعد في حملته الانتخابية من دور إيران الإقليمي، إذ أن تناقص تدفق الأموال إلى البلاد سيكون له الأثر المباشر على حلفاء إيران في المنطقة بدءا بالميليشيات الشيعية في العراق وصولا إلى نظام بشار الأسد في سوريا مرورا بحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.
ولا يبدي الإيرانيون مخاوفهم من التعرض لعقوبات أميركية فحسب، بل يخشون من ضغوط ستمارسها واشنطن على الشركات الأوروبية لمنعها من الاستثمار في إيران.
ويؤكد متابعون للشأن السياسي الإيراني أن السخط الأميركي الجديد وتصيد إدارة ترامب لأي أخطاء أو استفزازات صادرة عن طهران سيدفعان المتحكمين الفعليين في زمام السلطة في إيران إلى التمادي في لعبة تبادل المواقع بين أجنحة الحكم.
ويرسخ ترشيح روحاني إلى ولاية ثانية رغبة إيرانية في الإبقاء على “معسكر الاعتدال”، الذي يضم الرئيس روحاني وطاقمه الدبلوماسي في الواجهة، بينما سيعمد المحسوبون على معسكر التشدّد الذي يضم المرشد وكبار قادة الحرس الثوري إلى الانزواء وسيتم اللجوء إليهم فقط في خطاب التهديد والوعيد الموجّه إلى دول المنطقة.
ويجزم متابعون للشأن الإيراني بأنّ تقسيم الطبقة السياسية الإيرانية إلى معتدلين ومتشدّدين ليس سوى تقسيم إجرائي شكلي ضمن لعبة توزيع الأدوار، حيث يظل نظام “الجمهورية الإسلامية” المستلهمة لسياساتها من آراء وأفكار مؤسسها آية الله الخميني في آخر سبعينات القرن الماضي إطارا جامعا للساسة الإيرانيين يمنع الخروج عنه، بدليل المضايقات التي طالت رموزا كبار صدّقوا فعلا مسألة الاعتدال والإصلاح.
وكثيرا ما تعمد طهران إلى محاولة تقاسم الأدوار وتوزيعها بين مسؤوليها المنقسمين شكليا بين “حمائم وصقور”، يهدد بعضهم الدول، فيما يلوح الآخرون تجاهها بخطاب تصالحي داع للحوار.
وعادة ما يكون الخطاب الناري ضد الدول الأخرى موجها إلى الداخل بهدف إثارة حماس الشارع وصرف انتباهه عن المشاكل المتراكمة.
العرب اللندنية