شركات توظيف الأموال الوهمية تهدد مدخرات المصريين

شركات توظيف الأموال الوهمية تهدد مدخرات المصريين


تفجرت أزمة مالية جديدة في مصر بعد أن خسر نحو 2500 موظف أموالهم كانوا قد أودعوها لدى شركات توظيف الأموال التي تضع أمام المتعاملين معها شروطا أفضل من تلك الموجودة في القطاع المالي الرسمي.

وتؤكد هذه الفضيحة أن مدخرات المصريين باتت في خطر أكثر من ذي قبل بسبب استمرار مسلسل هذه الشركات في توظيف الأموال الوهمية والتي يجرمها القانون.

وتمكنت أجهزة الأمن المصرية قبل أيام من القبض على عمرو محمد فتحي الذي جمع حوالي 900 مليون جنيه (أكثر من 60 مليون دولار) من هؤلاء الموظفين بهدف توظيفها مقابل عوائد شهرية.

وقامت شركة فتحي باستهداف أصحاب المعاشات الذين أسرعوا في إيداع مكافآت التقاعد، وبدأ في صرف عوائد منتظمة لهم لجذب المزيد من الأفراد بعد أن ذاع صيته وسمعته في انتظام دفع عوائد الأموال التي يستثمرها في مجالات الاستثمار العقاري والاستيراد والتصدير.

واستغل صاحب الشركة الوهمية غياب ثقافة التعامل مع البنوك بمصر، واقتناع عدد كبير من المواطنين بفتاوى تحريم فوائد البنوك، وكان الطمع هو القاسم المشترك بينه وبين مودعيه في جمع هذا المبلغ.

وتعد هذه القضية، الأكبر في تاريخ توظيف الأموال بمصر خلال الأشهر الماضية، منذ قضية أحمد مصطفى إبراهيم الملقب بـ“المستريّح” في أبريل 2015 والذي جمع عشرات الملايين من الجنيهات من عدد كبير من المواطنين بصعيد مصر، بهدف توظيفها مقابل عائد شهري يبلغ نحو 30 بالمئة. وتعكس الفضيحة مدى فشل السياسات الاحترازية التي تتبعها الدولة تجاه مثل هذه الشركات المنتشرة بشكل كبير في البلاد.

وقال شريف دلاور، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية، في تصريح لـ“العرب” إن “هذه الظاهرة تزدهر وقت الأزمات الاقتصادية”، لافتا إلى أن أصحاب الطبقة الوسطى والمعاشات يرغبون في الحصول على عائد أعلى لأموالهم لمواجهة أعباء الحياة.

ويرجع انتشار تلك الظاهرة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن مواجهتها إلى عزوف الأفراد عن التعامل مع البنوك، وغياب برامج التوعية، وانتشار معدلات الأمية التي تصل إلى نحو 29.7 بالمئة، وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في البلاد.
هالة منصور: غلاء المعيشة وغياب الرقابة سببان رئيسيان لاستمرار هذه المشكلة

وأوضح شرف سامي رئيس هيئة الرقابة المالية لـ“العرب” أن الهيئة تراقب الأنشطة المالية غير المصرفية التي تعمل في نطاق رسمي فقط، مشيرا إلى أن كافة الأنشطة غير الرسمية لا تخضع للرقابة، لكن “نرحب بأي بلاغات من المواطنين للمساعدة في مواجهة هذه الظاهرة”.

ووفق بيانات رسمية، لا يتجاوز عدد المصريين الذين يتعاملون مع البنوك حاجز العشرة بالمئة من إجمالي عدد السكان الذي وصل إلى نحو 92.5 مليون نسمة حيث يبلغ عدد الحسابات البنكية نحو 13 مليون حساب فقط، رغم التطور الذي شهده الجهاز المصرفي في الآونة الأخيرة.

ويصل حجم النقد المتداول خارج البنك المركزي المصري إلى نحو 25 مليار دولار، كما يصل إجمالي السيولة المحلية بالبلاد إلى حوالي 140 مليار دولار، ما يؤكد أن هناك قضايا مماثلة سوف تتفجر خلال الفترة المقبلة نتيجة تداول الأموال خارج نطاق البنوك.

وأكد حازم حجازي الرئيس التنفيذي للتجزئة المصرفية والمشروعات الصغيرة بالبنك الأهلي المصري أن البنوك تطرح أدوات مالية متنوعة لاستيعاب مدخرات المواطنين، إلا أن هناك شريحة كبيرة لا تزال لديها رهبة من دخول البنوك.

وقال في تصريح لـ“العرب” إن البنوك “تطرح أوعية بفائدة تصل إلى نحو 20 بالمئة سنويا في الوقت الحالي، وهي معدلات غير مسبوقة في القطاع البنكي”. وسجلت معدلات التضخم في مصر نحو 30 بالمئة، بما يعني أن أموال المواطنين بالبنوك تتآكل بنسبة 11.8 بالمئة وهي الفارق بين سعر الفائدة ومعدلات التضخم، وقد يكون ذلك سببا جديدا لاتجاه الأفراد إلى شركات توظيف الأموال.

ويقدر البنك الدولي في دراسة نشرها سابقا أن نسبة الادخار في مصر هي حوالي 13 بالمئة بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة قليلة مقارنة بعدد من الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويرجع سبب انخفاض هذه النسبة في مصر إلى أن هناك شرائح كبيرة لديها حسابات بنكية، تصرف من خلالها المعاشات الشهرية، ولا تستهدف الادخار بالأساس.

وأرجعت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع انتشار ظاهرة التعامل مع شركات التوظيف المالي إلى طمع الأفراد في المقام الأول، وانتشار موجات غلاء الأسعار بشكل كبير.

وأكدت في تصريح لـ“العرب” أنه لا توجد بيوت خبرة في مصر، لتوظيف أموال المواطنين تحت سمع وبصر الدولة، وبالتالي تتفاقم الأمور عقب تفجر القضية كل مرة.

ويصل عدد البنوك العاملة في مصر إلى نحو 39 بنكا وفروعها تبلغ 3910 فروع موزعة على كافة أنحاء البلاد، وهو عدد قليل جدا مقارنة بعدد السكان، ما يزيد من فجوة التعامل مع البنوك.

العرب اللندنية