رغم أن الأغلبية في العالم لا تعرف شيئاً عن السياسة، والسياسيين، والأحزاب في هولندا، فإن انتخاباتها، فجأة، صارت تهمّ العرب والمسلمين، والغربيين كذلك، ومحل متابعة دولية غير مسبوق. السر أن العنصريين كانوا يدقون أبواب الحكومة مؤكدين فوزهم هذه المرة.
هذا في هولندا، أما هنا، في العالم العربي، فقد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قبيل الانتخابات، فيديو يتحدث فيه خيرت فيلدرز، رئيس الحزب العنصري الهولندي، ويهاجم بشكل استفزازي الأتراك تحديداً، والمسلمين عموماً. ومع سهولة النقل الإلكتروني، شاهد كلمته من العرب أكثر من عدد سكان هولندا نفسها البالغ 17 مليون نسمة، كما يبدو من انتشاره على «الواتساب»، وبقية وسائل التواصل.
والذي أراد استغلال كلمة فيلدرز وإيصالها إلى الجمهور العربي ونشرها على نطاق واسع، حَرَص على ترجمتها باللغة العربية. وقد قال فيها إن الهولنديين لا يريدون الأتراك، ولا المسلمين، في بلدهم. ولهذا العنصري، فيلدرز، آراء متطرفة يطالب فيها بحظر تداول المصاحف ومنع المساجد.
في ليلة الانتخابات، كثيرون حبسوا أنفاسهم في انتظار نتائجها، التي لم تكن من قبل محلَّ اهتمام أحد في العالم، إلا بالطبع أهل هولندا. السبب أنها كانت تهدد بإطلاق عهد جديد من الفاشية التي ستكتسح أوروبا، من خلال صناديق الاقتراع.
ومع أن حزب المتطرفين العنصريين، المسمى بحزب الحرية، استخدم كل ما أوتي من إمكانيات دعائية تخويفية، في سبيل إقناع الهولنديين بأن يصوتوا له بناء على برنامجه ضد المسلمين والمهاجرين، مع هذا… صوَّتَت الأغلبية ضده، وخسر الانتخابات، ولم يحصل إلا على 13 في المائة.
وسر صعود الفاشيين السريع هذه الأيام تركيزهم على تخويف الجمهور الغربي، والهولندي من بينهم، من تدفق اللاجئين، وتضاعف أعداد المهاجرين، وأفعال المتطرفين والإرهابيين من المسلمين.
لا أحد ينكر خطر صعود اليمين المتطرف، وتزايد العنصرية في الغرب، ومن المهم أن ندرك أنه لا يوجد عنده مشروع اقتصادي أو خدماتي، لكن حيلته بثّ الخوف عند جمهوره من المسلمين والمهاجرين، وأنهم سيستولون على بلدهم، وكنائسهم، وتجنيد أولادهم لـ«الجهاد». وخير لاعب وحليف للمتطرفين الغربيين هم المتطرفون المسلمون، الذين أمعنوا في تشويه سمعة دين الإسلام وتصوير كل المسلمين كمتخلفين وكارهين. وقد لعب العنصريون على رسائل المتطرفين المسلمين وفيديوهاتهم لتخويف غالبية مواطنيهم الغربيين، كما لعب المتطرفون المسلمون على فيديو العنصري فيلدرز، وقاموا بتوزيعه على نطاق واسع في العالم الإسلامي لبث روح الكراهية المعاكسة، والتحريض ضد الغرب.
عادة، في خطاب التحريض وبث الكراهية يُقال جزء من الحقيقة. وهنا، لا يأتي العنصريون الهولنديون على ذكر حقيقة أن غالبية المسلمين مسالمة، ومنتجة. ولا المتطرفون المسلمون يقولون للشعوب المسلمة إن هولندا من أكثر المجتمعات في العالم تسامحاً وتعايشاً، وتقدم الكثير من العون لمواطنيها والمهاجرين المسلمين ليمارسوا طقوسهم وتعليمهم الديني والإثني.
وبالتالي نحن أمام تيار من المتطرفين يستعين بعضهم ببعض، ويُفترض ألا ننجر وراء مشروعهم، بل أن يكون لنا مشروعنا الحضاري التعايشي.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط