كشفت مصادر خاصة لـ”العرب” عن جهود تبذلها إيران لإقناع حلفائها في اليمن بضرورة التعامل بمرونة أكثر في ما يتعلق بالتنازلات السياسية والعسكرية المطلوبة وأخذ التحولات في الموقف الأميركي على محمل الجد.
وتحدثت المصادر عن أن وفدا إيرانيا قام بزيارة إلى صنعاء التقى خلالها مسؤولين حوثيين وممثلين عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحرص على التأكيد أن طهران تدفع نحو تقديم تنازلات في اليمن والقبول بالحل السياسي لقطع الطريق أمام أيّ تحرك عسكري ضدها.
وأعلن وزير خارجية حكومة الحوثيين هشام شرف عبدالله الأربعاء تمسك “حكومة الإنقاذ” بخيار السلام، وذلك بعد لقائه بالقائم بأعمال سفارة إيران في صنعاء محمد فرحات.
من جهته أكد فرحات أنّ لا حل للوضع في اليمن إلا عبر الحوار السياسي السلمي.
وقال متابعون للشأن اليمني إن تصريحات شرف وفرحات، والتي تزامنت مع زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للرياض، تهدف إلى استباق ما قد يصدر عن هذه الزيارة من تلويح باللجوء إلى الحسم العسكري. كما أنها جاءت متناغمة مع تصريحات كان أطلقها ماتيس في طريقه إلى الرياض والتي حث فيها على ضرورة التوصل إلى حل سياسي.
وتحرص طهران على أن تبدو في نظر المراقبين وقد عبرت عن رغبتها في الحل السياسي من تلقاء نفسها، وأن لا علاقة لذلك بزيارة ماتيس.
وتخشى الحكومة الإيرانية من استمرار الحوثيين في تحديهم للمجتمع الدولي والعجز عن قراءة خارطة التحالفات السياسية في المنطقة الأمر الذي قد يقضي على أيّ نفوذ لأتباعها في اليمن في حال أصاب الإحباط المجتمع الدولي وأعطى الضوء الأخضر للحسم العسكري كخيار وحيد لإغلاق ملف الحرب.
واعتبر مراقبون سياسيون تصريحات وزير الدفاع الأميركي التي أدلى بها في زيارته الأولى للسعودية حول ضرورة “إيجاد حل سياسي من خلال مفاوضات تتوسّط فيها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع في اليمن” بمثابة فرصة أخيرة للحل السياسي، مع التأكيد على وقوف أميركا مع حلفائها في الخليج في وجه أيّ تهديدات من قبل إيران أو أيّ من أذرعها في المنطقة.
وعبّر ماتيس عن دعم بلاده للخليجيين من خلال تصريحات أشار فيها إلى الدور السلبي لإيران في حرب اليمن وتقديمها الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على السعودية، وهو أمر “يجب أن يوضع له حد” بحسب وصف المسؤول الأميركي الذي شدد على أن “أميركا ستعمل مع حلفائنا وشركائنا لنحاول أن نصل إلى طاولة مفاوضات بوساطة الأمم المتحدة”.
وتدرك الدوائر السياسية في إيران خطورة وضع حلفائها في اليمن وهو ما يفسر محاولاتها المتكررة لإقناع الحوثيين باتّباع سياسة أكثر براغماتية وهي الجهود التي باءت حتى الآن بالفشل نتيجة الصراع الداخلي المحتدم الذي يسود جبهة الانقلابيين وتعدد القيادات في الجماعة الحوثية نفسها وبروز تيار قويّ من القادة الميدانيين المستفيدين من استمرار الحرب والرافضين للتخلي عن أيّ مكاسب تم تحقيقها.
ونوّه المحلل السياسي اليمني فيصل المجيدي في تصريح لـ”العرب” إلى أن إيران مطلعة عن كثب على حقيقة التحول البارز في الموقف الأميركي من الملفين السوري واليمني، على عكس إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي كانت تتبنى إلى حد كبير رؤية الانقلابيين للحل والمبنية على القبول بسياسة الأمر الواقع.
ووفقا للمجيدي، باتت السياسة الخارجية الأميركية أكثر وضوحا في موقفها من الميليشيات المرتبطة بطهران وعلى رأسها حزب الله والحوثيون، لافتا إلى أن إيران تتبع سياسة أكثر تلوّنا مع إدارة ترامب بغية امتصاص حالة الاندفاع الأميركي.
لكن الباحث في السياسة الإيرانية عدنان هاشم استبعد في تصريح لـ”العرب” ضغط إيران على الحوثيين باتجاه قبولهم النهائي بأيّ تسوية، معتبرا أنّ الدور الإيراني لا يتعدّى في هذا الجانب الإيعاز للحلفاء بالانحناء للعاصفة المتمثلة في معركة تحرير الحديدة والاستعداد لمعركة أكبر تكون حاسمة.
ويقول الصحافي اليمني ورئيس تحرير صحيفة اليوم الثامن صالح أبوعوذل إن إيران محبطة نتيجة فشلها في التوصل إلى حلّ جذري للخلافات بين الحوثيين وأتباع الرئيس السابق التي وصلت إلى حدّ التصفيات.
وأضاف أن إيران تحاول التوصل إلى أيّ صيغة تحول دون استمرار الهزائم المتتالية لحلفائها في ظل الإصرار الحكومي على تحرير الحديدة الذي تعتقد طهران بأنه سيكون إنهاء لمشروعها في المنطقة.
ولتحقيق ذلك تسعى طهران للضغط في اتجاهين؛ الأول على المجتمع الدولي بحجة أن معركة الحديدة سوف تعطل ميناءها الحيوي وقد يعرّض اليمن للمجاعة بفعل ما يتدفّق من مساعدات عبره، والثاني على حلفائها في صنعاء (جماعة الحوثي وصالح)، لتقديم تنازلات جديدة على أمل التوصل إلى تسوية توقف إطلاق النار أوّلا ثم الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة انتقالية وتوقيع تسوية سياسية تبقي على الحوثيين وصالح.