لست الأول، ولن أكون الأخير، الذى يتناول ملف اقتراب وابتعاد المسيحيين عن قمة السلطة فى مصر.. ولكن دعونى أنقل لكم رؤيتى.. إذ ربما فيها ما هو جديد.. وهذا الجديد يؤكد أن مصر كانت فى السابق أكثر عدلاً وتسامحاً فى قضية تولى الأشقاء المسيحيين أعلى مناصب السلطة.. فهل كنا كذلك حقيقة.. ولماذا بعد ذلك تراجعنا عن هذا «القبول» وذلك التسامح.. وهل كان جمال عبدالناصر وراء هذا الاتجاه أى «إبعادهم»، بدليل أن مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 لم يضم مسيحياً واحداً.. بينما كان المسيحيون فى صدارة المشهد السياسى خلال أعظم ثورات مصر الحديثة.. بل كانوا فى الصفوف الأولى طوال سنوات الصراع مع الاحتلال.. أم نسينا كل ذلك وخلال نصف قرن.. فقط؟!
وأقول إن أول رئيس وزراء فى تاريخ مصر الحديث كان مسيحياً.. بل كان أرمنياً ولد فى أزمير عام 1824، وقريبه بوغوص بك أشهر وزراء أو معاونى محمد على باشا هو الذى استدعاه وقربه إلى أن وصل إلى منصب رئيس النظار، أى رئيس الوزراء، عندما قربه الخديو إسماعيل واختاره فى هذا المنصب يوم 28 أغسطس 1878.. واستمر رئيساً للحكومة حتى 23 فبراير 1879.. وخلال حكومته هذه تولى نوبار باشا بجانب الرئاسة، وزارة الخارجية بل أيضاً وزارة العدل.. وهو المسيحى!! أترون كم كانت مصر متسامحة.. ثم عاد مرة أخرى رئيساً للوزراء يوم 10 يناير 1884 حتى 9 يونيو 1888 بل عاد مرة ثالثة ليصبح أيضاً رئيساً للوزراء يوم 15 إبريل 1894 وحتى 12 نوفمبر 1895. واحتفظ – فى حكومته الثانية أيضاً – بوزارتى الخارجية والعدل وكان اسمها أيامها «الحقانية» ولم يعترض أحد قائلاً: كيف يتولى مسيحى هذه الوزارة فى بلد ذى أغلبية مسلمة!! هكذا كانت مصر أيامها وكان حاكماً لها الخديو إسماعيل. ثم ابنه الخديو توفيق. ثم حفيده الخديو عباس حلمى الثانى.
ثم تكرر نفس الوضع، عندما تم تعيين بطرس باشا غالى، رئيساً للوزراء – فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى – ولا يمكن لأحد أن يطعن فى مصرية هذا الخديو، الذى أحيا الوطنية المصرية. وتم تعيين بطرس باشا ابن بنى سويف المولود بها عام 1847 وهو أكبر أبناء غالى بك نيروز رئيساً للحكومة. وكان قبلها وزيراً للخارجية. واللافت للنظر أن بطرس غالى فى هذه الحكومة الأولى له التى شكلها يوم 12 نوفمبر 1908 واستمرت حتى 23 فبراير 1910 احتفظ لنفسه بوزارة المعارف العمومية.. ولم يقل أحد وقتها كيف نسلم عقول أولادنا لوزير مسيحى!! فالرجل كفاءة عالية كان قبلها وزيراً للمالية «1893» ووزيراً للخارجية «1895».
ولا يقول قائل إن نوبار كان حليفاً للإنجليز.. وعليه مطاعن عديدة. أو يقول قائل إن بطرس غالى له مواقفه المناهضة للحركة الوطنية انتهت باغتياله.. فتلك قصة أخرى.
عباس الطرابيلي
صحيفة المصري اليوم