القاهرة – شهدت عدة مناطق مصرية الجمعة تشديدات أمنية مكثفة بالتوازي مع حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من النشطاء، ما حال دون خروج مظاهرات شعبية دعت إليها أحزاب وقوى سياسية ومدنية احتجاجا على موافقة البرلمان المصري على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية.
وهناك معارضة مصرية واسعة للاتفاقية التي تقضي بتبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر عند المدخل الجنوبي لخليج العقبة للمملكة العربية السعودية.
وطوّقت الأجهزة الأمنية تجمّعا تقدمه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، عقب أداء صلاة الجمعة في مسجد مصطفى محمود بالمهندسين (غرب العاصمة)، ولم تستكمل المسيرة وسط انتشار أمني لافت.
وكان صباحي قد دعا المصريين إلى الخروج والتعبير عن موقفهم الرافض للنظام، عقب إقرار البرلمان الاتفاقية بالأغلبية، والتي يتوقع أن يصادق عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي قريبا.
ولم تحل القبضة الأمنية دون خروج مظاهرات محدودة في ميدان فيصل (غرب العاصمة) وبعض قرى محافظة الشرقية (دلتا النيل/شمال)، مرددة هتافات من بينها “عيش.. حرية.. الجزر مصرية”، كما خرجت أيضا فعاليات محدودة في قرى وأحياء محافظات الإسكندرية (شمال)، والمنيا والفيوم (وسط) والشرقية (دلتا النيل/ شمال) وسط هدوء ملحوظ في المدن الكبرى.
ومنذ إقرار البرلمان للاتفاقية الأربعاء تشهد القاهرة، لا سيما ميدان التحرير المعروف باسم ميدان ثورة يناير(2011)، تشديدات أمنية مكثفة من خلال انتشار دوريات أمنية وسيارات الأمن المركزي ورجال أمن بالزي المدني والرسمي، للحيلولة دون حدوث أي تحركات لمناهضي الاتفاقية.
وأغلقت السلطات المصرية الخميس محطة “مترو أنفاق أنور السادات” المؤدية إلى ميدان التحرير (وسط العاصمة) وقررت توقيف القطارات بالمحطة لـ”دواع أمنية”.
وبالتوازي مع هذه الإجراءات المشددة في الشارع قامت الشرطة المصرية باعتقال العشرات من النشطاء، وقال محام يعمل من أجل الإفراج عنهم إن “السلطات أوقفت نحو خمسين ناشطا في مختلف أنحاء البلاد منذ صادق البرلمان على الاتفاقية”.
ويرى مراقبون أن حملة الاعتقالات، التي جاءت تحت دواعي قانون منع التظاهر الذي يفرض الحصول على رخص من الجهات المختصة، لن تزيد الوضع إلا احتقانا، فقد ثبت بالتجربة في مصر وغيرها أن القبضة الأمنية عادة ما تعطي مفاعيلها السلبية.
ويضيف هؤلاء أن هناك امتعاضا مصريا عاما حيال الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ومن شأن إقرار الاتفاقية وما أعقب ذلك من إجراءات أمنية مشددة أن يعقد الأمور. وينظر الكثير من المصريين إلى الاتفاقية على أنها نوع من المقايضة مع السعودية لتقديم المزيد من الدعم للاقتصاد المصري.
وجاءت مصادقة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود في ظرفية خاصة تشهد تقاربا لافتا بين الرياض والقاهرة ساهمت فيه بشكل واضح الأزمة القطرية.
واتخذت كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين قرارا في الخامس من يونيو الجاري بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق حدودها الجوية والبحرية أمام كل وسائل النقل القطرية. وتتهم الدول الثلاث قطر بـ”دعم الإرهاب”، والدخول في شراكات مع دول تسعى إلى هز استقرار المنطقة على غرار إيران.
وتعرضت العلاقات بين مصر والسعودية العام الماضي لبعض الفتور ترجم في توقف مجموعة أرامكو النفطية السعودية في أكتوبر 2016 عن توريد 700 ألف طن شهريا من المشتقات النفطية إلى مصر.
إلا أن هذه الواردات استؤنفت في مارس الماضي. ويعتقد على نطاق واسع بوجود تأثير للإدارة الأميركية في تبديد هذا الفتور المسجل بين الدولتين، حيث تعول واشنطن عليهما في استراتيجيتها لمحاربة الإرهاب في المنطقة وتحجيم النفوذ الإيراني.
ويقول البعض إن تعويل النظام المصري على المناخ الإقليمي والدولي الذي يبدو في صالحه دون الأخذ في الاعتبار الأجواء الداخلية قد يعرضه إلى نكسات خاصة وأنه يطمح إلى الحصول على ولاية رئاسية ثانية.
ويشير هؤلاء إلى أن إقرار اتفاقية ترسيم الحدود حتى وإن نجح السيسي في احتواء تداعياته على الأمد القريب عبر القوة الأمنية، إلا أنه سيكون حاضرا وبقوة في أي هزة قد تشهدها البلاد مستقبلا.
ويستبعد مراقبون أن يعمد مناهضو الاتفاقية إلى الاستسلام، حيث سيحاولون مجددا الدعوة إلى مسيرات ضدها بالتوازي مع استمرار المسار القانوني، بما أن القضية مازالت منظورة أمام المحكمة الدستورية العليا (أعلى سلطة قضائية في مصر).
وكانت المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت في 16 يناير الماضي حكما باعتبار الاتفاقية “باطلة”. إلا أن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة قررت في أبريل الماضي اعتبارها سارية.
وفجر الخميس تم كشف النقاب عن تقرير أعدته هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية أوصى بعدم قبول منازعتي الحكومة لوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بمصرية جزيرتي تيران وصنافير وبطلان الاتفاقية. وحددت المحكمة الدستورية العليا جلسة 30 يوليو المقبل للنظر في منازعتي التنفيذ اللتين قدمتهما هيئة قضايا الدولة المصرية بالنيابة عن الحكومة.
العرب اللندنية