كل الاحتمالات باتت واردة اليوم في ما يخص المسجد الأقصى الذي تسميه إسرائيل جبل الهيكل، وأسوأها هدمه لإعادة بناء الهيكل المزعوم، الذي لا سند تاريخياً له على وجه الإطلاق، مكانه. ومن الآن يجب أن نفكر بمنتهى الجدية في هذه القضية، ونجيب عن السؤال المزعج وهو: ماذا لو ارتكبت إسرائيل الجريمة الكبرى وأقدمت على هدم المسجد الأقصى؟ هل سيقوم المسلمون بما يفرضه عليهم دينهم من تعاليم لصد العدوان وحماية ثالث الحرمين؟ وهل سيتحرك مجلس الأمن لإدانة إسرائيل وردعها في هذه الحال؟
إن إسرائيل التي تتحدّى العالم وتحميها الولايات المتحدة، كما تحميها القوى الدولية الأخرى، لن ترضخ ولن يردعها ردّ الفعل العنيف الذي سيحدث في حال وقوع ما يدخل اليوم ضمن الاحتمالات الواردة، لأنها لا تأبه بالعالم الإسلامي كله الذي هو صاحب الحق في المسجد الأقصى، كما لا تُعير اهتماماً لأية اعتبارات أخرى مهما تكن، فهي مزهوة بالقوة، مدعومة بالمساندة الأميركية لها، تتحدى العالم كله، وتستغل الظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة العربية، لتنفيذ مخططاتها التي يدخل ضمنها هدم المسجد الأقصى.
إن الأوضاع المزرية التي يمرّ بها العالم الإسلامي خلال هذه المرحلة، هي التي تشجع إسرائيل على الإمعان في البطش بالشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، وتدفعها إلى ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والعدوان على المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى وفي الحرم الإبراهيمي. لو كانت أحوال العرب والمسلمين غير ما هي عليه اليوم، ولو كان العالم الإسلامي متضامناً متفاهماً متأزراً، لما كانت إسرائيل لتجرؤ على الاستهانة به وتحدّي المجتمع الدولي، بالاستمرار في احتلالها الأراضي الفلسطينية، وتعدّيها على المقدسات الإسلامية، ومواصلة تهويدها القدس الشريف وفرض سيطرتها على المسجد الأقصى وانتهاكاتها حرمة المصلين أمام مرأى ومسمع من العالم كله.
ولو كانت أوضاع العالم الإسلامي كما يحب كل مسلم أن تكون عليه، لما تمادت القوى الكبرى في انحيازها إلى إسرائيل، ولَوَضَعَت في حسبانها الكتلة الإسلامية العظمى، ورَاعَت مصالحها الحيوية في البلدان الإسلامية. ولكن الولايات المتحدة تعلم جيّداً أن الأمة الإسلامية أضعف من أن تقوم في وجه إسرائيل لردعها ولإلزامها بالرضوخ للقرارات الدولية التي تؤكد أن الأراضي الفلسطينية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك القدس الشريف، وأن إنهاء الاحتلال والعودة إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران (يونيو) 1967، مسألة لا جدال فيها، وهي حق من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
إن الأزمة الحالية التي تعصف بالعالم الإسلامي، تعود في عمقها، إلى ضعف الأمة الإسلامية، التي تعيش صراعات بين الأشقاء، وتعاني من التفرقة والشقاق، وتنشغل بقضايا مضرة بمصالحها، وتعاني من أزمات لا يُعرف حتى اليوم مصدرها وأسبابها الحقيقية، وتستنزف قدراتها وطاقاتها في معارك فرضت عليها وأُجبرت على خوضها، حتى صارت فاقدة للقدرة على التصدّي للمعارك الكبرى، وفي طليعتها مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية، وإثبات الحضور في الساحة الدولية للدفاع عن الحقوق المشروعة، ولإنهاء الأزمات التي تعاني منـها شعـوب إسلاميـة فـي منـاطـق عـدة من العالم.
إن تغوّل قوات الاحتلال الإسرائيلي وغطرستها وبطشها بالشعب الفلسطيني وعبثها بالمقدسات الإسلامية في القدس الشريف وفي مدينة الخليل، كل ذلك يعود إلى استقوائها بالولايات المتحدة وبمن يقف معها من القوى العظمى الأخرى، كما يعود إلى هيمنتها على قطاع واسع من وسائل الإعلام العالمي الذي يجاريها في الترويج للأباطيل التاريخية من نحو إطلاق اسم «جبل الهيكل» على الحرم المقدسي، والإدعاء بأن لليهود حقوقاً تاريخية في القدس الشريف. فلو أن العرب والمسلمين يقومون بما هو واجب عليهم تجاه مقدساتهم في فلسطين المحتلة، ولو أن دول العالم الإسلامي تتخذ القرارات الحازمة في إطار منظمة التعاون الإسلامي من أجل الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولو أن أحوال الأمة الإسلامية ليست في هذا الوضع الذي لا يسر، لتمكنت من ردع إسرائيل ووضع القوى الدولية المساندة أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، حتى تأخذ في اعتبارها أن الأمة الإسلامية قادرة على حماية مقدساتها، في نطاق القانون الدولي، ومن خلال فرض الإرادة الجماعية لشعوب العالم الإسلامي الراغبة في السلام والتعايش وبناء التنمية الشاملة.
إن التضامن الإسلامي الصادق بات في ظل الظروف الحالية، ضرورة قصوى مؤكدة، لإنقاذ المقدسات الإسلامية في القدس الشريف. وهذا يقتضي تفعيل ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، والعمل بمقتضى القرارات ذات الصلة الصادرة عن مؤتمرات القمة الإسلامية. وبغير هذا ستضيع القدس وفلسطين.
عبدالعزيز التويجري
صحيفة الحياة اللندنية