دخل الجدل حول مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، مرحلة جديدة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. خصوم الرئيس دونالد ترامب يتحركون بدأب لفتح ملفات جديدة سعياً إلى توفير المتطلبات اللازمة لاتهامه بعرقلة سير العدالة. أعطوا لقاءً عُقد بين نجله ومحامية روسية خلال الحملة الانتخابية أكثر من حجمه. وواصلوا محاولاتهم لاستثمار قرار ترامب بإقالة المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي «إف. بي. آي»، جيمس كومي. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يزداد الجدل حول تكييف موقف ترامب، وهل تدخل في سير العدالة بالفعل، رغم أن كومي لم يتهمه بذلك في الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس في 7 يونيو الماضي، وإنْ لم يبرئه في الوقت نفسه.
ولذا يغدو السؤال المحوري في هذه القضية متعلقاً بموقف ترامب القانوني، وإلى أي مدى تجوز مقارنته بحالة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي وُجهت إليه تُهمة التدخل في سير العدالة ومحاولة التأثير فيها بعد قراره إقالة القاضي الذي كان يُحقق في قضية ووترجيت أريشبالد كوكس عام 1974.
وإلى أن يستكمل الكونجرس الشهادات التي يستمع إليها، تتجه الأنظار إلى التحقيق الذي يجريه مدع خاص عينته وزارة العدل ليتولى قضية احتمال التدخل الروسي عقب إقالة كومي، سعياً إلى جواب نزيه عن سؤال أساسي هو: هل تدخل ترامب في عمل مدير «إف.بي.آي» السابق قاصداً استغلال سلطته لتعطيل سير العدالة، أم أنه ارتكب خطأ ناتجاً عن محدودية تجربته السياسية؟
لقد بدا ترامب في بعض «تغريداته» غير مُطلع بدرجة كافية على الحدود الدقيقة لصلاحيات كل مسؤول أميركي. ويرى خصومه أنه تجاوز المجال المحدَّد له دستورياً عندما تواصل مع مدير «إف.بي.آي» بشكل مباشر، وليس عن طريق وزارة العدل، حتى وإنْ لم يحاول التأثير في عمله. غير أن هذا التصرف يجوز تفسيره بضعف خبرة ترامب. كما يمكن تحميل مستشاريه والعاملين معه في البيت الأبيض قدراً معتبراً من المسؤولية لأنهم لم يوضحوا له طبيعة العلاقات بين المؤسسات الأميركية بطريقة تفصيلية.
وقد يفيد هذا التفسير أيضاً في فهم حديث ترامب مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول معلومات استخباراتية من نوع خاص. خصوم ترامب يتهمونه بأنه أفشى معلومات شديدة الحساسية حصلت عليها واشنطن من استخبارات دولة حليفة (يُرجح أنها إسرائيل) لدولة منافسة توجد شبهات حول طبيعة علاقته معها. لكن أنصاره يرون أنه أراد تدعيم التعاون بين الدولتين في مجال مكافحة الإرهاب دون أن يُقدَّر نوع المعلومات التي تحدث عنها بسبب ضعف خبرته بمسائل العلاقات الاستخباراتية.
وفي ظل هذا التباين في التقديرات، يبدو موقف ترامب حتى الآن مختلفاً عن نيكسون الذي توافرت أدلة قوية على أنه استخدم سلطته لمصلحة حزبه (الجمهوري)، وساعده في أعمال تجسس على الحزب الديمقراطي، ثم أقال القاضي الذي حقق في القضية بعد أن قطع شوطاً بعيداً في مهمته. وكان موقف نيكسون بالغ السوء إلى حد أن الكثير من أعضاء حزبه في الكونجرس تخلوا عنه لكي لا يفقدوا ثقة ناخبيهم. ولذلك بادر بالاستقالة قبل أن يُحاكم أمام مجلس الشيوخ ويُدان.
ويعرف التاريخ الأميركي حالتين أخريين مثل فيهما رئيسان سابقان أمام الكونجرس، وبرأهما مجلس الشيوخ في النهاية، وهما أندرو جاكسون عام 1867، وبيل كلينتون عام 1998.
ولما كان تكييف أخطاء ترامب، خاصة الخطأين المشار إليهما آنفاً، محل خلاف حتى الآن، فالأرجح أننا سنكون إزاء احتمالين ليس بينهما عزله من منصبه ما لم يجد جديد نوعي. الاحتمال الأول أن يُغلق الموضوع ولا يُطرح في الكونجرس، إما لتوصل التحقيقات القضائية إلى عدم وجود أساس كاف لاتهامه، أو لوقوف معظم النواب والشيوخ الجمهوريين معه، وربما أيضاً بعض النواب الديمقراطيين على أساس أنه ارتكب أخطاء غير مقصودة، وأن الإنصاف يقتضي منحه فرصة لتصحيح هذه الأخطاء.
والاحتمال الثاني الذي يبدو أضعف من سابقه، أن تنجح الضغوط التي يمارسها خصومه في نقل القضية إلى الكونجرس. وفي هذه الحالة يُرجح أن يرفض مجلس النواب توجيه اتهام له، فيُسدل الستار على القضية من دون محاكمة، أو أن يقوم مجلس الشيوخ بتبرئته عندما يمثل أمامه كما حدث مع جاكسون وكلينتون.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاتحاد