بعد أيام على إعلان قوات سوري الديمقراطية تحرير مدينة الرقة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، يبدو أن مستقبل الرقة التي كانت “عاصمة الخلافة” لا يزال مجهولا، في ظل معطيات تؤكد أن المدينة ربما تكون محور صراع جديد، لا يعرف إن كان سينتهي عبر حل عسكري أم عبر صفقة تؤدي لتقاسم النفوذ فيها.
وتحاول قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل قوات حماية الشعب الكردية معظم تشكيلاتها- فرض أمر واقع في المدينة يعطيها السيطرة عليها ولو عبر ممثلين من القبائل العربية.
وأهمية الرقة الإستراتيجية بالنسبة للأكراد ومشروعهم في شمال سوريا يكمن في أنها تمثل صلة الوصل بين الحسكةشرقا وعين العرب (كوباني) وعفرين غربا.
ويلقى هذا المسعى دعما من الولايات المتحدة عبر مبعوثها للتحالف الدولي بريت ماكغورك، الذي عقد مؤخرا اجتماعا مع “مجلس الرقة المدني” في مدينة عين عيسى (60 كلم شمال الرقة)، وأعلن دعمه لجهود المجلس لإعادة إعمار المدينة التي يقدر حجم الدمار الذي لحق بها بنحو 80% من مساكنها وبنيتها التحتية.
خلف الستار
مراقبون يرون أن المجلس الذي يعطي الغلبة فيه للتمثيل العربي، في مدينة ومحافظة بعيدة عن الصراع العرقي، لا سيما وأن سكانها في غالبيتهم الساحقة من أبناء القبائل العربية، يرونه مجلسا تابعا للقوات التي يسيطر عليها الأكراد، وبرعاية ودعم أميركي واضح، ويشبهونه بالمجلس الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية على مدينة منبجوتتحكم فيه مع المبعوث الأميركي من خلف الستار.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد سحبت التشكيلات الكردية من مدينة الرقة، ونشرت مكانها تشكيلا عربيا، وأعلنت أنها ستعمل على حماية حدودها من أي “اعتداء خارجي”، في رسالة قرأها مراقبون على أنها ليست موجهة لمجموعات تنظيم الدولة التي قد تعيد ترتيب صفوفها، وإنما لقوات النظام السوري، وحتى القوات التركية، لاسيما وأن مجلس الرقة الموجود في تركيا أعلن رفضه للمجلس.
والدعم الأميركي للمجلس الذي شكله الأكراد كان واضحا أكثر، بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا أنواشنطن ستتصدر جهود إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية في المدينة، كما أعلن روبرت جونز نائب قائد قوات التحالف أن التحالف جاد في دعم مجلس الرقة المدني باعتباره المجلس الذي سيدير المدينة.
معطى جديد دخل على خط الصراع على الرقة تمثل في الزيارة التي قام بها الوزير السعودي ثامر السبهان للمدينة، والتقى مع المبعوث الأميركي ماكغورك وقيادات من المجلس المدني للرقة بحماية قوات سوريا الديمقراطية، في رسالة واضحة على أن السعودية تدعم المجلس الذي يرفضه النظام السوري وتركيا.
مدينة محتلة
المعطيات الجديدة على الأرض لا تشي بأن الأمور تتجه للاستقرار بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، لا سيما بعد أن قالت وزارة الخارجية السورية مؤخرا إن “مدينة الرقة لا تزال محتلة، ولا تعتبر محررة إلا بعد أن تدخلها قوات الجيش العربي السوري”.
المعطيات الجديدة على الأرض لا تشي بأن الأمور تتجه للاستقرار بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، لا سيما بعد أن قالت وزارة الخارجية السورية مؤخرا إن “مدينة الرقة لا تزال محتلة، ولا تعتبر محررة إلا بعد أن تدخلها قوات الجيش العربي السوري”.
هذا التصريح حظي بدعم إيراني واضح، فقد أعلن علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني أمس الجمعة أنقوات النظام السوري ستتقدم قريبا لانتزاع مدينة الرقة من قوات سوريا الديمقراطية.
واتهم ولايتي في تصريحات بعد لقائه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري -قبل أن يستقيل اليوم السبت- هذه القوات بالسعي لتقسيم سوريا إلى قسمين عبر نشر قواتها إلى الشرق من نهر الفرات.
وشكلت هذه التصريحات أحدث مؤشرات على أن الصراع في المدينة الإستراتيجية شمال شرق البلاد لم يحسم بعد.
وبدا أن دخول إيران على خط الصراع داعما من جهة للنظام السوري، ومن جهة أخرى عنوانا جديدا في الصراع مع الولايات المتحدة الذي تفضل طهران خوضه عادة خارج حدودها.
سيناريو كردستان العراق
وبرأي محللين ومراقبين فإن سيناريو التقاء المصالح بين إيران وتركيا عبر دعم حكومة بغداد في إحباط استقلال إقليمكردستان العراق، ربما يتكرر في سوريا في إعلان الحرب على قوات سوريا الديمقراطية لإحباط مشروعها هناك، وإن كانت المعطيات في الشمال السوري أكثر تعقيدا في ظل الوجود والدعم الأميركي الكبير لهذه القوات.
لكن الكشف عن لقاء بين مبعوث أميركي ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك في دمشق الأسبوع الماضي، دفع للتساؤل عن الملفات التي بحثها هذا المبعوث مع المسؤول السوري الرفيع.
وبينما تحدثت مصادر مطلعة عن أن المبعوث الأميركي بحث موضوع مفقودين أميركيين من بينهم عملاء للاستخبارات الأميركية يعتقد أنهم معتقلون لدى النظام، يرى مراقبون أن البحث الأميركي قد يكون قد تطرق لملفات أخرى ومن بينها منع الصدام في الرقة.
غير أن التصعيد المستمر بين واشنطن من جهة وطهران وموسكو من جهة أخرى، قد يؤدي لدعم قوات النظام السوري للتوجه إلى الرقة، وبالتالي دخولها إما عبر مواجهة عسكرية وإما عبر اتفاق، والاحتمال الآخر هو تأجيل المعركة بناء على تفاهمات من خلف الستار، لكن كافة المعطيات تؤكد أن تحالف الأهداف المشتركة الذي فرضته الحرب على تنظيم الدولة بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام السوري وحلفائه قد تكون نهايتها قد أزفت، لتبدأ مرحلة جديدة من الحرب في سوريا.
محمد النجار
الجزيرة