موسكو: طه عبد الواحد –
حققت شركة «روسنفت» الروسية النفطية الكبرى زيادة في الأرباح قبل الضرائب والفوائد بنسبة 10.6 في المائة خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري.
وظهر في تقرير نشرته الشركة حول النتائج المالية لعملها منذ بداية العام أن زيادة البرامج الاستثمارية خلال الفترة المذكورة بنسبة الثلث أدت عمليا إلى تراجع السيولة المالية الحرة المتوفرة للشركة بمرتين، أي حتى 185 مليار روبل روسي (نحو 3.28 مليار دولار)، بينما تراجعت الأرباح الصافية بنسبة 3.9 في المائة، وبلغت 122 مليار روبل (نحو 2.16 مليار دولار).
وقالت «روسنفت» في بيان مرفق بالتقرير: «في ظل الظرف الاقتصادي الراهن، نخطط لإدارة التدفق المالي الإيجابي المستقر مع الأخذ بالحسبان تقلبات الأسعار (على النفط) وزيادة حجم الإنتاج، محافظين في غضون ذلك على حجم من السيولة عند مستوى 50 في المائة من الأرباح الصافية، يكفي لتغطية الالتزامات المالية وضمان دفع الفوائد بشكل دوري مرتين كل عام».
وأكدت الشركة أن دخلها خلال الربع الثالث من العام الجاري بلغ نحو 26.2 مليار دولار، بزيادة 6.9 في المائة عن الدخل في الربع الثاني، وأحالت الزيادة إلى مواصلة التحسين النوعي لفعالية العمليات الإنتاجية، والدينامية الإيجابية للنفقات في كل مجالات عمل الشركة. أما إجمالي الدخل منذ مطلع العام وحتى الربع الثالث فقط بلغ 4305 مليارات روبل، أو ما يعادل 76.3 مليار دولار.
وسجلت البرامج الاستثمارية لشركة «روسنفت» زيادة خلال الفترة الماضية قدرها 630 مليار روبل، أي بنسبة 32.6 في المائة، شملت بما في ذلك مشاريع خارجية ومنها شراء «روسنفت» 49 في المائة من أسهم شركة «إيسار أويل» الهندية بمبلغ 3.9 مليار دولار، وتعويضات قدرها 1.1 مليار دولار، دفعتها لشركة «إيني» الإيطالية عن مشروع حقل «ظهر» في مصر.
في غضون ذلك، ما زالت آفاق الاتفاقيات التي وقعتها «روسنفت» مع إقليم كردستان العراق محاطة بالغموض في ظل تصريحات متضاربة من الجانب العراقي، عقب الأزمة التي نشبت بين الإقليم والسلطات المركزية في بغداد، بسبب الاستفتاء على استقلال الإقليم. وأظهر تقرير مالي لشركة «روسنفت» الروسية أنها سددت لإقليم كردستان العراق خلال العام الجاري دفعات مسبقة بلغت 1.3 مليار دولار لقاء إمدادات نفطية.
وكان رئيس اللجنة المالية والشؤون الاقتصادية في برلمان كردستان، عزت صابر، قد أعلن في وقت سابق من الشهر الجاري، أن الإقليم أبرم عقودا مع «روسنفت» بقيمة 3 مليارات دولار، تسلم منها مليار دولار، وأوضح أن حكومة الإقليم استخدمت الدفعة الأولى في سداد ديون مستحقة على أربيل للشركة الإماراتية «دانة غاز»، فيما يعتزم الإقليم توجيه المليار الثاني والثالث للاستثمار في مشاريع بالبنية التحتية ولتطوير 5 حقول نفطية.. وهي الحقول التي تتضمنها حزمة اتفافيات وقعتها «روسنفت» مع حكومة الإقليم، للتعاون في مجال النفط والغاز، فضلا عن اتفاقية ثانية تشتري «روسنفت» بموجبها النفط من الإقليم، وأخيرا الاتفاقية التي وقعها الجانبان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول تقاسم الأرباح من عائدات تطوير حقول النفط الخمسة. ويفترض بموجب الاتفاقيات أن تتحمل «روسنفت» نفقات التنقيب والحفر والتي تقدر بنحو 400 مليون دولار، وتحصل بالمقابل على 80 في المائة من أرباح المشروع.
إلا أن عزت صابر عاد وقال في تصريحات يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري إن الاتفاقيات مع «روسنفت» لا يمكن تنفيذها بعد فقدان سلطات إقليم كردستان العراق السيطرة على الحقول النفطية في كركوك. وأوضح أن الإقليم لم يعد يمتلك تلك الطاقة الإنتاجية الكافية، وأنه على «روسنفت» بدء محادثات مع الحكومة المركزية في بغداد للتفاهم على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مسبقا مع أربيل.
* «روسنفت» الذراع النفطية لسياسة روسيا الخارجية
وتبقى أنشطة مجموعة «روسنفت» الروسية شبه العامة، التي تشمل أنحاء متفرقة من العالم تمتد من الصين إلى فنزويلا مرورا بالعراق، على ارتباط بمصالح روسيا الجيوسياسية، إذ تساهم في بسط نفوذ هذا البلد ولو حتم ذلك عليها أحيانا الاستثمار في دول غير مستقرة.
وبنت المجموعة شبه العامة، التي يديرها إيغور سيتشين القريب منذ التسعينات من الرئيس فلاديمير بوتين، موقعها في سوق النفط على أنقاض شركة «يوكوس» التي تم حلها في سياق اتهام صاحبها الثري ميخائيل خودوركوفسكي بالتهرب الضريبي، وهي اتهامات نفاها المعارض الثري منددا بوسيلة للقضاء على طموحاته السياسية.
وتحولت «روسنفت» إلى شركة عالمية عملاقة للمحروقات تتعامل بما يوازي أكثر من خمسة ملايين برميل من النفط والغاز في اليوم ويقارب حجمها في البورصة 50 مليار دولار.
واتبعت الشركة في السنوات الأخيرة مسارا ملاصقا لتطور السياسة الروسية، فابتعدت عن الغرب لتقترب أكثر من الدول الناشئة.
وأوضح الأستاذ في المعهد العالي للاقتصاد في موسكو، نيكولاي بتروف، أن «سيتشين ليس مجرد ريادي في الاقتصاد فحسب»، مشددا على أن هذا القريب من بوتين يريد أن «يثبت أن روسنفت مهمة وضرورية ليس كإحدى ركائز الاقتصاد الروسي فحسب، بل أيضا كأداة قوية في خدمة السياسة الخارجية».
وبعدما أثارت «روسنفت» ضجة عند إدراجها في بورصة لندن عام 2006 وأقامت شراكات مع شركات غربية كبرى مثل الأميركية «إيكسون موبيل» والنرويجية «ستات أويل»، برزت المجموعة الروسية مؤخرا بانتزاعها عقدا باهظا لبيع النفط للصين، واستحواذها على شركة «إيسار» الهندية لتكرير النفط، واجتذابها أموالا قطرية إلى رأسمالها.
وعند استهدافها مباشرة بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب دورها في الأزمة الأوكرانية، لم تتردد الشركة في التعامل مع دول تشهد اضطرابات من شأنها أن تثير مخاوف المستثمرين الأجانب وتبعدهم.
وكشفت «روسنفت» هذا الأسبوع عن أنها دفعت سلفة قدرها 1.3 مليار دولار إلى سلطات كردستان العراق، في إطار اتفاق وقع مؤخرا لاستغلال موارد الإقليم الغني بالمحروقات.
وانتقدت الحكومة العراقية الاتفاق بشدة واعتبرته «تدخلا فاضحا في الشؤون الداخلية للعراق»، في وقت تقوم فيه أزمة كبرى بين السلطات الاتحادية العراقية والإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ الاستفتاء على استقلاله في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال نيكولاي بيتروف: «على غرار (مجموعة الغاز) غازبروم التي تلعب دورا فعليا في السياسة الخارجية تجاه أوروبا والصين، فإن روسنفت مسؤولة عن بعض توجهات السياسة الخارجية في أميركا اللاتينية على سبيل المثال».
وباتت المجموعة طرفا أساسيا في الصعوبات التي تواجهها فنزويلا، حيث تدين لها الشركة الوطنية الفنزويلية للنفط بنحو ستة مليارات دولار.
وبحسب الرواية الرسمية، فإن هذه المبالغ هي سلفة على عقود لتسليم شحنات من النفط والمحروقات لمدة تمتد حتى 2019، لكن الكثير من الخبراء رأوا في هذه الاتفاقات واجهة لتقديم دعم مالي لكراكاس، حليفة موسكو التي قامت مؤخرا بإعادة جدولة قرض لفنزويلا يعود إلى 2011.
كما وقعت روسنفت عقودا مع شركات عامة ليبية وإيرانية في فبراير (شباط) ونوفمبر على التوالي، تتعلق باستثمارات ومشاريع مشتركة في البلدين. وتسمح هذه العقود لروسيا بتعزيز علاقاتها ونفوذها لدى دول تنبذها واشنطن أحيانا، في وقت تذكر العلاقات الروسية الأميركية الحالية بحقبة الحرب الباردة.
الشرق الاوسط