تواجه بعض الحكومات العربية أزمة مستعصية في فهم الشباب واحتوائهم واستيعاب أفكارهم السياسية، معتبرة أنهم غير مؤهلين للنشاط السياسي، وتدرج حماسهم للعمل والتغيير ضمن خانة التهوّر والتسرع، وترى أنه سيل جارف عليها وجب وضع حد له قبل الإطاحة بها.
وغالبا ما تغيب الثقة بين الطرفين، فتلجأ تلك الحكومات إلى التضييق على الشباب وإبعادهم عن المجال السياسي، بكل الأشكال المتاحة وربما تؤمم مسألة تأهيلهم وإعدادهم للمشاركة، عن طريق اختيار أشخاص محددي التوجه تراهم مناسبين لتصدر العمل العام، معتبرة أنها قدمت ما يتوجب عليها للشريحة الأكبر في المجتمعات العربية.
ولكن هذه الاستراتيجية الحكومية خلقت نقمة واضحة لدى الشباب الذين يرون أنه يجري تجاهلهم واستغفالهم والاستهانة بقدراتهم بل ورميهم باتهامات مختلفة لتبرير التقصير تجاههم.
ولا تبدو مسألة بناء جسور التقارب والتفاهم في وجهات النظر سهلة على الإطلاق، إذ يرى المسؤولون عموما أن إفساح المجال السياسي للشباب قد يؤدي إلى مشكلات بالنسبة إلى الحكومات؛ ما يفتح الباب أمام زيادة حدة الانتقادات الموجهة لها، لا سيما أن هذه المرحلة العمرية تغلب عليها النزعة الثورية وغالبا ما تكون معارضة لقرارات وإجراءات الحكومات.
ويغفل السياسيون الحديث عن طاقة الشباب المنتجة، وتشكل مطالبهم بإفساح المجال للعمل السياسي هاجسا تخشاه بعض الحكومات العربية، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وقد يولد الصدام معهم المزيد من الاحتقان في المجتمع.
الشباب عماد الديمقراطية
يرى علي سالم، مدرس علم النفس المساعد بكلية الآداب جامعة حلوان، أنه “لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية للشباب إلا في نطاق مجتمع مدني ودولة وطنية حديثة، لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها دولة حق وقانون، لا دولة حزب، ولا دولة نخبة، ولا دولة جماعة عرقية وإلا فليس لدينا سوى درب من المشاركة السياسية السلبية تتجلى في التأييد السلبي أو القبول التام، وفي المعارضة السلبية أو الرفض التام، لا مشاركة سياسية إيجابية وخلاّقة للجنسين على حد سواء”.
ويضيف سالم في كتابه “مشاركة الشباب في الحياة السياسية”، “تتنامى أهمية المشاركة السياسية للشباب في الشأن العام، بوصفها إحدى أهم دعائم المواطنة وديمقراطية المشاركة لدى المجتمعات المعاصرة، فالمشاركة وبخاصة من جانب الشباب تعد المدخل الحقيقي لتعبئة طاقات الأجيال الصاعدة وتجديد الدماء في شرايين النظام السياسي والاجتماعي للوطن في حركة التنمية المستدامة والمتواصلة، وإذا كانت قضايا الشباب متعددة ومتنوعة، فإن مسألة المشاركة السياسية للشباب أصبحت موضوع الساعة اليوم أكثر من أي وقت مضى، سواء في مجال البحث العلمي أو في ميدان السياسات الموجهة للشباب، وهي على درجة كبيرة من الأهمية، لأنها تتعلق بإطار أعم وأشمل وهو مشروع الحداثة والبناء الديمقراطي”.
لكن تبقى المشاركة السياسية للشباب محدودة جدا في عدد كبير من الدول العربية، حيث يغلق المجال الحزبي في وجه الشباب، ويتأثرون سلبا بضيق مساحة حرية الحركة أمام جميع التيارات، وهو أمر يرتبط بضعف النُظم التي ترفض أي معارضة وتعتبرها خطرا مباشرا على إدارتها للبلاد.
وتكمن المسألة الخطيرة في استغلال التنظيمات الإرهابية لاستياء الشباب من هذا الواقع وإمكانية استقطابهم، لهذا يكثر الحديث عن أهمية دمج الشباب في العملية السياسية، وإنهاء حالة التضييق عليهم ومنعهم من الممارسة السياسية داخل البيئة الصغيرة المحيطة بهم.
التضييق السياسي
تبرز الحالة المصرية، كمثال على اتجاه الحكومة إلى تضييق الخناق على الممارسة السياسية للشباب داخل مؤسسات وهيئات الدولة، ورأت (الحكومة) أنها تمثل بذرة لاتخاذ مواقف ضدها وتعاملت معها بطريقة سلبية في الجامعات التي تمثل المنتج الأساسي للكوادر السياسية، والمراكز والهيئات الشبابية والتي كانت مهمتها الأساسية توعية الشباب وتثقيفهم سياسيا
وقلص البرلمان المصري مؤخرا من دائرة ممارسة العمل السياسي بين الشباب، بعد الموافقة على قانون “الهيئات الشبابية” الذي يحظر ممارسة العمل السياسي داخل الهيئات والمراكز الشبابية. ونص قانون “الهيئات الشبابية” على أنه “لا يجوز للهيئة الشبابية مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي أو الترويج لأفكار أو أهداف سياسية”.
واعتبر عبدالمنعم عماره، وزير الشباب المصري الأسبق، أن حظر جميع أشكال الممارسة السياسية داخل الهيئات الشبابية خطأ فادح، مشيرا إلى أن تلك المراكز كانت تقوم على مدار السنوات الماضية بأدوار تثقيفية هامة وساهمت في تخريج العديد من الكوادر السياسية الموجودة حاليا على الساحة المصرية.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن الترويج للأفكار والبرامج السياسية يجب أن يكون داخل الأحزاب، ولا مكان له داخل مركز الشباب، لكن ذلك لا يتنافى مع أهمية توفير هيئات ومنابر سياسية للتوعية وليس الاستقطاب داخل المؤسسات الرياضية والمراكز الشبابية، والتي يتوافد عليها الآلاف من الشباب يوميا، وأن تلك المراكز يجب استغلالها لإقامة ندوات توعية لتنمية الفكر الشبابي. وتساهم موافقة البرلمان على القانون الجديد في تضييق دائرة تجهيز الكوادر السياسية، بعد أن اقتصرت على البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة وخرجت حتى الآن 500 شاب فقط، بالإضافة إلى الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب والتي أعلن عن تأسيسها قبل شهرين تقريبا ولم تبدأ عملها بعد، وكذلك من خلال المشاركة الضئيلة للشباب داخل الأحزاب. وفي المقابل لا يمكن إنكار بعض المبادرات الحكومية لاستقطاب الشباب، حيث مثل منتدى شباب العالم، الذي نظم الشهر الماضي إحدى الخطوات الهامة لتحسين طريقة التعاطي مع الشباب والتحاور معهم حول الأزمات المحلية والدولية.
ويحاول بعض المسؤولين رأب الصدع مع الشباب وتجنب الوصول إلى مرحلة الصدام بينهما، وبدأت جهات حكومية عدة بالتواصل مع شباب أحزاب (المصريين الأحرار، مستقبل وطن، والوفد) وهي الأحزاب التي تمثل النسبة الأكبر من عدد نواب البرلمان لتبني حملات اجتماعية وتطوعية.
وبحسب التعداد السكاني الأخير في مصر، يمثل الشباب في الفئة العمرية ما بين (15 و29 عاما) حوالي 26.8 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 104 ملايين نسمة.
قاعدة شبابية موالية
يعي السياسيون جيدا أهمية استمالة الشباب للتوجهات الحكومية، وعملوا على استقطاب كوادر سياسية جديدة وأخضعوها لتدريبات مكثفة وتأهيلها بطريقة محددة، لكن طالت هذه الخطة العديد من الانتقادات باعتبارها لا تهتم كثيرا بفتح مجال الممارسة السياسية لتشمل القاعدة الأكبر من الشباب، التي تواجه خطر استمالتها من جماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف الأحزاب وعدم وضوح برامجها ورؤيتها.
وتعرضت الحكومة لانتقادات خارجية عديدة نتيجة إقرارها قانون التظاهر في العام 2014، وبمقتضاه تم إلقاء القبض على المئات من الشباب بتهمة التجمهر دون تصريح حكومي، وواجه هذا القانون في تلك الفترة تظاهرات شهدتها مدن مصرية عدة، وهي التظاهرات التي دعمتها جماعة الإخوان في سبيل مواجهتا للسلطة الحاكمة حاليا.
وهو ما جعل الحكومة المصرية تتعامل مع الشباب وفقا لفرضية استغلالهم من جماعات إسلامية متطرفة ومنظمات حقوقية قالت إنها ممولة من الخارج لتحقيق أهدافها.
ويذهب البعض من المراقبين للتأكيد على أن قرار حظر ممارسة السياسية داخل مراكز الشباب يستهدف تحديدا مواجهة انتشار نشاط التنظيمات الإسلامية، والتي تركز تواجدها داخل القرى الفقيرة، ما يمكنها من اختراق مراكز الشباب التي يوجد معظمها في مناطق ريفية وبعيدة عن المدن الرئيسية.
ويقول حسام الخولي نائب رئيس حزب الوفد لـ”العرب”، إن حظر السياسية داخل العديد من الهيئات الاجتماعية والتعليمية والثقافية يؤدي في النهاية إلى فراغ سياسي سينتج عنه إضعاف قدراتها على تخريج كفاءات شبابية تستطيع أن تثري المجال العام، وأن ذلك ستكون له آثاره السلبية على تثقيف الشباب سياسيا، في وقت يتعرضون فيه لخطابات مشوّهة تستهدف استقطابهم من قبل تيارات وحركات غير شرعية.
وأضاف أن أسلوب الحكومة الراهن يمهد الطريق إلى عودة العمل السري مرة أخرى، بل إن ذلك يخدم مصالح التنظيمات الإرهابية والتي تصل إلى عقول الشباب عن طريق أساليب تكنولوجية حديثة، في وقت تقف فيه الحكومة عاجزة عن مواجهة تلك الأفكار من خلال المؤسسات الرسمية.
وأوضح أن حالة الخوف التي تنتاب الحكومة من ممارسة الشباب للعمل السياسي قد تولد في النهاية انفجارا سيكون من خلال قنوات سياسية غير ديمقراطية أو شرعية، لأنها تعتمد في تثقيفها السياسي على مجموعة ضئيلة للغاية من الشباب المشارك في البرنامج الرئاسي والبالغ عددهم حتى الآن 2000 شاب فقط.