قالت مصادر بحركة التغيير (كوران)، أمس الأربعاء، إن الحركة الكردية المعارضة البارزة سحبت وزراءها من حكومة إقليم كردستان العراق وإن يوسف محمد، العضو بالحركة، استقال من منصبه كرئيس لبرلمان الإقليم. كما انسحبت من الحكومة الجماعة الإسلامية بإقليم كردستان (كومال) وهي حزب معارض آخر له تمثيل أصغر في البرلمان. وتأتي الاستقالات بعد يومين من الاضطرابات والمظاهرات التي شابتها أعمال عنف احتجاجاً على التقشف المستمر منذ سنوات وعدم دفع رواتب العاملين بالقطاع العام، وسط حالة من التوتر بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد. وطالب بعض المحتجين بإسقاط حكومة الإقليم.
وفرضت قوات الأمن الكردية في السليمانية، ثاني محافظة في إقليم كردستان العراق، أمس الأربعاء، إجراءات مشددة بعد مظاهرات استمرت يومين تخللتها أعمال شغب أدت إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة نحو 200 بجروح.
وانتشرت قوات الأمن؛ بينها عناصر مكافحة الشغب المجهزة بخراطيم المياه، على مختلف الطرقات في مدينة السليمانية؛ كبرى مدن المحافظة، وفقا لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
ولم تشهد شوارع المدينة مرور سوى أعداد قليلة من السيارات، فيما أغلقت محال كثيرة أبوابها، خصوصا في ساحة السراي، وسط السليمانية، الموقع الرئيسي للتظاهر. كما فرضت قوات الأمن إجراءات مشددة في مناطق متفرقة بمحافظة السليمانية.
وفي رانية؛ الواقعة على بعد 130 كيلومترا شمال غربي السليمانية، حيث قتل 5 أشخاص وأصيب 70 بجروح أول من أمس، تجمع متظاهرون، أمس، رغم انتشار القوات الأمنية في شوارع البلدة وتوجهوا إلى مقر لحركة «التغيير» ورشقوا المبنى بالحجارة، وفقا لشهود عيان.
ولم تشهد المنطقة احتجاجات كبيرة أمس. وقالت مصادر أمنية لـ«رويترز» إنه جرى نشر قوات أمن من أربيل عاصمة الإقليم للمساعدة في إخماد التوتر بالمدينة. وبعد اضطرابات يوم الثلاثاء فرضت السلطات حظرا للتجول في عدة بلدات استمر في بعض منها اليوم الأربعاء. وتحدثت وسائل إعلام محلية عن احتجاجات محدودة في بلدات منها رانية وكفري.
وتصاعد التوتر في المنطقة منذ أن فرضت الحكومة المركزية في بغداد إجراءات مشددة بعد أن أجرى الإقليم استفتاء على الاستقلال يوم 25 سبتمبر (أيلول) صوت الأكراد فيه بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال. وأثارت الخطوة التي مثلت تحديا لبغداد قلق دول مجاورة مثل تركيا وإيران ولدى كل منها أقلية كردية.
ولقي ثلاثة أشخاص على الأقل حتفهم وأصيب أكثر من 80 آخرين الثلاثاء، عندما نظم أكراد مظاهرات لليوم الثاني على التوالي. وهاجم المحتجون أيضا مكاتب للأحزاب السياسية الرئيسية في محافظة السليمانية يومي الاثنين والثلاثاء.
وقالت بعثة الأمم المتحدة لمساندة العراق (يونامي)، أمس، إنها «قلقة للغاية» بشأن العنف والاشتباكات أثناء الاحتجاجات في الإقليم الكردي المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس.
وقالت يونامي في بيان: «من حق الشعب المشاركة في مظاهرات سلمية وعلى السلطات مسؤولية حماية المواطنين بمن فيهم المتظاهرون السلميون». وأضاف البيان «نحث قوات الأمن كذلك على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين. وتدعو يونامي المتظاهرين لتجنب أي أعمال عنف بما في ذلك تدمير الممتلكات العامة والخاصة».
ودعت القوة كذلك حكومة إقليم كردستان إلى احترام حرية الإعلام بعدما داهمت قوات الأمن الداخلي الكردية (الأسايش) مكاتب قناة (إن آر تي) التلفزيونية الكردية الخاصة في السليمانية وأوقفت بثها.
تحظى موجة الاحتجاجات التي انطلقت في إقليم كردستان في اليومين الأخيرين باهتمام واسع داخل الأوساط السياسية والشعبية العربية، وتنظر جهات مدنية وصحافية في بغداد بعين القلق لحالات الاعتداء التي مارستها قوات الأمن الكردية على المحتجين وتسببت بمقتل ما لا يقل عن 5 وجرح العشرات من المتظاهرين، إلى جانب القلق من الاعتداءات التي طالت بعض الصحافيين وإغلاق القناة التلفزيونية «NRT» واعتقال مالكها شاسوار عبد الواحد.
وأصدر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، أمس، بيانا أهاب فيه بالمتظاهرين بـ«تغليب الهدوء والالتزام بالقانون وضبط النفس وعدم إلحاق الضرر بالمباني الحكومية ومقرات الأحزاب السياسية». ودعا السلطات الأمنية إلى «التحقيق العاجل مع مسببي الحادث ومحاسبة المقصرين». كما طالب حكومتي بغداد وإقليم كردستان بـ«العمل الجاد والفوري للاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة، واتخاذ خطوات جدية وعملية لحسم مشكلة الدفع المنتظم لمرتباتهم ومستحقاتهم المتأخرة». وجدد معصوم تأكيده على ضرورة البدء بحوار جاد وفوري وشامل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان لحل جميع الخلافات بين الجانبين على أساس الدستور.
وكان الرئيس العراقي، عقد أمس، اجتماعا موسعا في «قصر السلام» ببغداد، ضم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا مدحت المحمود، إضافة إلى نواب رئيس الجمهورية الثلاثة؛ نوري المالكي وإياد علاوي وأسامة النجيفي، ونائب رئيس مجلس النواب آرام الشيخ محمد، وعدد من قادة الأحزاب والكتل البرلمانية.
وذكر بيان الرئاسة أن الاجتماع «تدارس مختلف الجوانب اللازمة لتهيئة أفضل الأجواء لمستلزمات الانتخابات التشريعية المقبلة». لكن مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية أشارت إلى أن «الأزمة الكردية الحالية لم تغب عن الاجتماع الرئاسي».
من جانبه، قال رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي خلال مؤتمره الأسبوعي، الثلاثاء الماضي: «لن نقف متفرجين إزاء أي خرق خارج القانون في التعامل مع المواطنين، والحكومة الاتحادية عليها واجب حماية المواطن والممتلكات في كل مكان». وليس من الواضح طبيعة الإجراءات التي سيتخذها العبادي لحماية المواطنين الكرد في ظل التعقيد الحاصل في العلاقة بين بغداد وأربيل.
بدوره، دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، أمس، إلى «التهدئة في إقليم كردستان».
وقال الجبوري في بيان صادر، إن «ما يجري في كردستان يجب ألا يخرج عن إطار التظاهر السلمي الذي كفله الدستور، وأن يبقى ضمن إطار المطالب المشروعة بتحسين الخدمات وتوفير العيش الكريم»، وأضاف أن «المظاهرات حق من حقوق الشعب وممارسة سليمة يمكن من خلالها المطالبة بالحقوق»، مؤكدا أنه «يقف مع حقوق الشعب ومطالبه سواء في كردستان أو في أي بقعة من أرض العراق، على ألا تتجه أساليب التظاهر إلى العنف والتخريب وتعريض حياة الآخرين للخطر».
من جانبها، أعربت المفوضية العليا لحقوق الإنسان عن قلقها من سقوط ضحايا وجرحى في المظاهرات التي حدثت في كردستان. ودعت في بيان أصدرته، أمس، حكومة الإقليم إلى الاستجابة الفورية لطلبات المتظاهرين وإطلاق سراح معتقلي الرأي وصرف مستحقات رواتب المواطنين المتأخرة وإفساح المجال أمام الإعلاميين للعمل بحرية.
وأعلن بيان المفوضية دعمه المظاهرات السلمية والمطالبة المشروعة بالحقوق وحق التعبير عن الرأي الذي كفله الدستور العراقي، لكنها طالبت المتظاهرين بـ«ضبط النفس ونبذ العنف وعدم المساس بالمؤسسات الحكومية والمحافظة على أموال ومباني الدولة».
وأصدرت جماعة الحراك المدني «مستمرون» بيانا أعربت فيه عن قلقها من تطورات الأحداث في إقليم كردستان.
وأشار البيان إلى حق المتظاهرين في الخروج للمطالبة بحقوقهم المشروعة التي يكفلها الدستور العراقي، عادّاً أنه «من المؤسف أن تتجه هذه الأحداث نحو العنف والصدام إن كان من قبل المتظاهرين أو من الأسايش والقوات الأمنية في الإقليم».
وقام متظاهرون، أول من أمس، بإشعال النيران في مقرات لأحزاب «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الإسلامي»، وسيطروا على مبنى قائمقامية رانية.
من جانبه، قال رئيس وزراء الإقليم نيجيرفان بارزاني الذي يوجد في ألمانيا، مساء الثلاثاء، لوسائل الإعلام، إن «الإقليم يشهد فترة صعبة، ويمكن تفهم غضبكم». وأكد دعمه المظاهرات السلمية قائلا: «لكن العنف مرفوض. أطلب منكم تنظيم مظاهرات سلمية».
الشرق الاوسط