ضغوط تركية على كردستان العراق تزرع المزيد من الشقاق بين حزبيه الرئيسيين

ضغوط تركية على كردستان العراق تزرع المزيد من الشقاق بين حزبيه الرئيسيين

التركيز التركي الشديد على إقليم كردستان العراق عسكريا وسياسيا وإعلاميا ليس من دون نتائج على الوضع الداخلي الهش في الإقليم جرّاء أزمته الدستورية وعثراته الاقتصادية والمالية واشتداد الصراعات بين قواه السياسية، وخصوصا بين حزبيه الرئيسيين القائدين لسلطاته واللذين تحاول أنقرة النفاذ إلى الإقليم عبر شقوق خلافاتهما المتصاعدة.

السليمانية (العراق) – دخلت العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني، مرحلة جديدة من التوتّر غير منفصلة عن الضغوط التركية الشديدة على الإقليم عسكريا وسياسيا وإعلاميا.

وتتّخذ تركيا من أراضي الإقليم الكردي المتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة الاتّحادية العراقية مسرحا رئيسيا لحربها ضدّ حزب العمّال الكردستاني المعارض لنظامها. وبالتوازي مع تصعيدها الأخير لتلك الحرب، صعّدت أنقرة أيضا من ضغوطها السياسية ودعايتها الإعلامية ضدّ حزب الاتّحاد الوطني الذي يقوده ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، متهمة إياه بالتواطؤ مع حزب العمّال وتوفير ملاذ لمقاتليه في منطقة نفوذه بمحافظة السليمانية.

وتسود أوساط حزب الاتّحاد الوطني حالة من الغضب من الغريم الكبير الحزب الديمقراطي وأسرة بارزاني التي تقوده بسبب ما تعتبره قيادات حزب الاتّحاد انضماما للدعاية التركية ضد حزبها وتواطؤا مع أنقرة ضدّ السليمانية وانخراطا في التحريض ضدّها.

وتصاعدت حالة الغضب تلك مع الكشف قبل أيام عن ضلوع خلية تابعة لحزب العمّال الكردستاني في إشعال سلسلة من الحرائق في الإقليم والتخطيط لإشعال حرائق أخرى وتنفيذ عمليات تخريب في أنحاء متفرّقة من العراق من بينها العاصمة بغداد.

وتضمّن الكشف ما يدعم الحملة التركية على السليمانية عندما تبيّن أنّ أحد عناصر الخلية هو عنصر من الوحدة 70 من قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني، وأنّ عنصرا آخر ينتمي لقوات مكافحة الإرهاب.

وردّ حزب الاتّحاد بالقول إنّ العنصرين المذكورين كانا محلّ تحقيق في وقت سابق وتمّ فصلهما من الخدمة، معتبرا تركيز أربيل عليهما هدفه كيدي وغير منفصل عن الدعاية الانتخابية التي بدأها الحزب الديمقراطي بشكل مبكر.

وقال سعدي بيره المتحدث باسم الاتحاد الوطني إنّ الحزب يستعد لانتخابات برلمان الإقليم (المقررة للعشرين من شهر أكتوبر القادم) ويرد بشدة الاتهامات الموجهة إليه واختلاق السيناريوهات لتعكير العملية الانتخابية.

وكان أُعلن في مؤتمر صحفي مشترك بين مقداد ميري المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية ومدير عام وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هيمن ميراني عن تفكيك الخلية وبيان تفاصيل الحرائق التي نفذتها.

ونفت قيادة الوحدة 70 من جهتها وجود أي علاقة لها بالحرائق التي شهدتها مؤخرا أربيل ودهوك وكركوك مضيفة أنه من المثير للقلق والدهشة أن ممثل وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هو فقط من أشار في المؤتمر الصحفي إلى عنصري البيشمركة ومكافحة الإرهاب وذكر السليمانية ضمن تفاصيل القضية.

وتسود الحياة السياسية وحتى الأمنية في إقليم كردستان العراق أجواء من التوتّر شبيهة بتلك التي حدثت إثر اغتيال ضابط المخابرات هاوكار عبدالله رسول في أربيل في خريف سنة 2022 واتهام أجهزة الحزب الديمقراطي لأجهزة حزب الاتحاد الوطني بالضلوع في العملية ما تسبب باضطراب في سلطة الإقليم عندما قاطع الوزراء المنتمون لحزب الاتّحاد اجتماعات الحكومة على مدى ما يقارب نصف السّنة.

وتبدو وصفة الاضطراب والتوتّر قائمة اليوم أكثر من ذي قبل مع اشتداد خلافات الحزبين حول الانتخابات البرلمانية ودخول تركيا بقوة على خط الخلافات السياسية الداخلية في الإقليم بتحالفها مع الحزب الديمقراطي وممارستها الضغوط والتحريض ضدّ حزب الاتّحاد الوطني.

ولا تخفي أوساطا كردية عراقية تخوّفها من تحوّل الإقليم إلى مسرح عمليات للمخابرات التركية القوية والنشطة بكثافة ضدّ حزب العمال الكردستاني، وأن يكون نشر الفوضى في الإقليم أحد وسائل حرب تركيا ضدّ مقاتلي الحزب.

وصفة الاضطراب والتوتّر تبدو قائمة اليوم أكثر من ذي قبل مع اشتداد خلافات الحزبين حول الانتخابات البرلمانية ودخول تركيا بقوة على خط الخلافات الداخلية في الإقليم

وبفارق أقلّ من اثنتين وسبعين ساعة عن الكشف عن خلية حزب العمال الضالعة في إشعال الحرائق شهدت مدينة السليمانية انفجار سيارة أسفر عن إصابة اثنين من أعضاء حزب العمال الكردستاني. وقال مصدر بالشرطة إنّ الانفجار ناجم عن وضع قنبلة في داخل سيارة عضوي الحزب.

وبدأت القوات التركية منذ أيام حملة عسكرية في مناطق تواجد مقاتلي حزب العمل الكردستاني في الشمال العراقي توصف بأنها الأعنف والأوسع نطاقا ويتوقّع أنها جاءت تنفيذا لوعود رأس هرم السلطة التركية بحسم الحرب ضدّ الحزب في أمد منظور.

وأثارت الحملة احتجاجات العديد من الشخصيات والقوى السياسية التي وجّهت انتقادات لاذعة للحكومة العراقية ولحكومة إقليم كردستان العراق بسبب صمتهما على ما تعتبره تلك الشخصيات والقوى انتهاكا تركيا لسيادة العراق وحرمة أراضيه.

وجاء توقيف عناصر الشبكة المذكورة ليخفف الضغوط عن الحكومتين الاتحادية والمحلية وليوفّر ذريعة لأيّ تعاون محتمل مع تركيا في حربها ضد الحزب.

ومثّل الإعلان عن توقيف الشبكة التابعة لحزب العمال وإحباط مخطط تخريبي كان يعتزم تنفيذه في الداخل العراقي تطوّرا كبيرا في قضية تواجد مقاتلي الحزب على الأرض العراقية، وقد يمنح تركيا فرصة إضافية لتحقيق تقدم في المواجهة التي حاولت حسمها منذ نحو أربعة عقود دون جدوى وبدت مؤخرا عازمة على ذلك وفقا لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وشهدت محافظات الشمال العراقي خلال الفترة القريبة الماضية سلسلة من الحرائق الضخمة أتت على مجمع تجاري في دهوك وأسواق شعبية ومخازن تجارية ومواقف للسيارات ومحطة بنزين ما تسبب بوقوع عدد من الضحايا إلى جانب خسائر كبيرة في كركوك وأربيل ونينوى ودهوك.

ذكر السليمانية مركز نفوذ حزب الاتحاد الوطني ضمن قضية الشبكة التخريبية التابعة لحزب العمال يكتسي خطورة استثنائية ويشكّل هدية غير متوقّعة لتركيا

ويكتسي ذكر السليمانية مركز نفوذ حزب الاتحاد الوطني ضمن قضية الشبكة التخريبية التابعة لحزب العمال خطورة استثنائية ويشكّل هدية غير متوقّعة لتركيا التي لطالما اتّهمت قيادات حزب الاتّحاد بالتواطؤ ضدّها مع حزب العمال واحتضان عناصره في مناطق نفوذها، ووجهت تهديدات مباشرة بضرب تلك المناطق.

وورد في تقرير صحفي تركي نشر قبل أيام أنّ فصائل عراقية تشارك في تأمين تدفق شحنات من السلاح إلى مناطق تواجد مقاتلي حزب العمال بشمال العراق تحتوي على طائرات دون طيار وصواريخ، مستخدمة مطار السليمانية كمحطة لوجستية رئيسية في عمليات إمداد الحزب بالأسلحة والذخائر.

ويرفض حزب الاتحاد تلك الاتهامات التركية ويقول إنّها جزء من دعاية كيدية يشارك فيها خصومه السياسيون، في إشارة إلى غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني المتهم بدوره بالتواطؤ مع تركيا في عمليتها العسكرية في مناطق إقليم كردستان.

وأشار بيره في مؤتمر صحفي عقده للرد على الاتهامات الموجهة للسليمانية إلى أنّ أواخر العام 2023 وبدايات 2024 شهدت مجموعة حرائق في أربيل ودهوك وكركوك “وقلنا آنذاك إن على حكومة الإقليم والجهات المسؤولية والأجهزة الأمنية التحقق من ملابساتها”.

وأضاف “نحن كاتحاد وطني كردستاني والرئيس بافل جلال طالباني وفريقنا الحكومي أعلنا إدانتنا الشديدة لهذه الأحداث، وقلنا إنها تهدف الى زعزعة الأمن والاستقرار واستهداف معيشة المواطنين”، مشيرا إلى أنه “بعد تلك الأحداث وصلتنا معلومات من المخابرات العراقية بأنه تم توقيف شخص وهو عنصر في قوات مكافحة الإرهاب واعترف بأنه تسلم مبلغ 800 دولار مقابل هذا العمل وذلك قبل حوالي تسعة أشهر من الآن، وفورا تعاونت قوات مكافحة الإرهاب مع جهاز المخابرات العراقي للتحقيق في الأمر وقامت بفصل ذلك العنصر واليوم تم الإعلان عن نتائج تلك التحقيقات، ولم يشر المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية إلى قوات مكافحة الإرهاب وقوات الوحدة 70”.

ولفت المتحدث باسم الاتحاد الوطني إلى أنّه “حينما بدأ ممثل وزارة داخلية الإقليم بالحديث بدأت الدعاية الانتخابية بذكر الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات مكافحة الإرهاب وقوات الوحدة 70، وأن المتهمين ينتمون إلى هذه الجهات”، مؤكدا أن “الاتحاد الوطني يستعد للانتخابات وليس للحرب الداخلية، وكان وما يزال يدين هذه الأعمال”، ومشيرا إلى أنّ “المتحدث باسم الداخلية العراقية أكد أنه تم تجنيد المتهمين أي أنهم يأخذون الأوامر من الجهة التي جندتهم وليس من الاتحاد الوطني”.

وربط بيره ما يتعرّض له حزبه من ضغوط بالاستحقاق الانتخابي المنتظر خلال الخريف القادم قائلا “قبل أيام أشرت إلى أن هناك محاولات للحديث معنا حول تأجيل الانتخابات ونحن رفضنا مناقشة هذا الأمر لأننا نرفض التأجيل، وحذرت آنذاك من اختلاق سيناريوهات عوجاء لتعكير أجواء الانتخابات”، مشددا على “أننا في الاتحاد الوطني الكردستاني نرفض هذه الادعاءات ونستنكرها، كما يجب النأي عن استخدام الخطاب الخشن تجاه الآخر وعدم الانجرار وراء هذه المواضيع”.

العرب