بحسب ما اعلن الرئيس الامريكي اوباما عن قلقه بسب زحف “داعش” وتمكنه من السيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية في العراق خلال أسبوع واحد فقط، مؤكداً عدم ارسال قوات برية لمحاربة هذا التنظيم، وقال الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في مجلس الشيوخ ان القوات الامريكية “سترافق القوات العراقية في هجماتها” إذا ما تدهور الوضع.
أثارت هذه التصريحات شبح فيتنام، عندما بعث الرئيس جون كينيدي عددا من المستشارين لهذا البلد. وبهذا الصدد قال جيمس كارافانو، وهو ضابط جيش سابق في مؤسسة التراث الأمريكية “هذا يذكرنا كيف انخرطنا في حرب فيتنام”.
ويمكن القول ان هذه المهمة، قد تكون في طريقها نحو المزيد من الانغماس والتورط، ومن المرجح ان تتصاعد عملياتها خلال الاسابيع المقبلة. فكلما التزمت الولايات المتحدة في نزاع من هذا الحجم والتعقيد والخطر، كلما تزايد دواعي تورطها واسبابه,و يدلل على ما تقدم ارسال 1600 مستشار، حيث سيكون من الصعب ايضاعلى الولايات المتحدة عدم الرد حال تعرض احدهم الى مخاطر جدية. ومن ناحية ثانية سيكون من الصعب على الرئيس فعل أي شيء نظرا لأنه قد اعترف الآن بأن “داعش” مشكلة كبيرة تتطلب تدخل الولايات المتحدة.
لكن هذا لا يعني أننا سنكون امام فيتنام أخرى. ففي كثير من الأحيان، فان التحذيرات مشروعة وضرورية حول ما يمكن أن تفضي به المبالغة في مخاطر التدخل، واختلاف البيئة السياسية عما كانت عليه في اعوام الستينيات من القرن الماضي، على نحو يجعل من الصعوبة بمكان تكرار ما حدث في فيتنام، بوصفها حربا برية واسعة النطاق وغير مجدية.
ومرة أخرى في اعوام الستينيات من القرن الماضي، كان للولايات المتحدة مشروع للسلم. ففي عام 1940،جرى تجنيد الالاف من الأفراد استعداداً للذهاب الى الحرب. رغم ادراك كل من الرؤساء جون كينيدي، وليندون جونسون وريتشارد نيكسون التكاليف السياسية في الحرب، وضرورة توفير موارد ضخمة لديمومة زخمها.
وفي عام 1973، حدد الكونغرس قدرة الرئيس على حشد قوات برية كبيرة مع الجيش المهني، فضلاً تحديد الموارد المالية لدعم اي تعبئة واسعة النطاق. و في وقت مبكر ما بين الستينيات والسبعينيات، كانت معدلات ضريبة الدخل أعلى بكثير مما هي عليه اليوم، الا ان هذا الحال لم يعد كذلك. فواحدة من أكبر آثار المحافظين في السياسة الأميركية، تخفض الضرائب، التي بدأت منذ عهد رونالد ريغان في عام 1981، وتمكن المحافظون من جعل الزيادات الضريبية احدى المحرمات، ودفعت الديمقراطيين الى التهرب من هذه السياسة.
وعندما ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب ضد أفغانستان والعراق بعد 11/11، تخلى الرئيس جورج بوش عن تقليد زيادة الضرائب في وقت الحرب. ويستذكر كبار السن تكليف وزارة الخزانة شركة أفلام ديزني خلال الحرب العالمية الثانية لإقناع الأميركيين بدفع ضرائب أعلى لهزيمة ألمانيا واليابان. كذلك الحال بالنسبة لبرامج الإنفاق مثل الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، اللذان يستهلكان قدر كبير من الميزانية الاتحادية، وتحديدا الإنفاق التقديري للسياسيين.
لقد تغيرت الحروب الامريكية أيضا مع ظهور أنواع جديدة من التكنولوجيا العسكرية، التي وضعت جنبا إلى جنب مع تطور قوات العمليات الخاصة، فاستخدام طائرات دون طيار، على سبيل المثال، اثبت نجاحه في مهاجمة الشبكات الإرهابية المسؤولة عن احداث 11/11. فضلاً عن تطور عمليات القوات العمليات الخاصة أيضا على نحو متزايد، إذ تحتل العمليات الصغيرة مكانة القلب من الجسد، في كسر العمليات الإرهابية.
وفي الأشهر المقبلة، فإن هذا النوع من الحرب يجعل من الممكن مكافحة “داعش” دون وجود عدد كبير من القوات على الارض. وهو ليس ضماناً اكيداً بأن الحاجة إلى القوات لن تزداد، كما كان الحال في العراق، لكنها ليست بديلاً مهما في الوقت الراهن.
هناك سبب آخر يجعلنا نؤكد صعوبة أن تكون محاربة “داعش” على غرار فيتنام أخرى، فحروب العراق وأفغانستان، مازالتا تلوحان في الأفق وتحضران في ذهن الجمهور، ولهذا فالقلق السياسي له ما يبرره، كما ويرافق كل تدخل عسكري – سياسي امريكي، بالنظر لاحتمال انتكاس الاوضاع واتجاهها نحو الفوضى والتعقيد.
في حين أن السياسة في الستينيات من القرن الماضي مالت الى معادلة الجمود مع كوريا، وعرف صناع القرار الامريكيون انتصارات الحرب العالمية الثانية. بينما عاش الجيل الحالي من السياسيين والناخبين على حد سواء في ظلال الحروب الفاشلة والفوضوية. ولعل من الصراعات التي يبدو انها حققت نتائج أفضل؛ عملية عاصفة الصحراء وقصف البوسنة وكوسوفو في اعوام التسعينيات، وهما نزاعان محدودان، قصيرا الامد.
وأخيرا، فإن طبيعة هذا الصراع مع “داعش” تختلف عما واجهته الولايات المتحدة في حرب فيتنام. فالصراع ضد الإرهاب لا يعتمد على تحريك قوات برية. فمعظم صناع القرار يدركون، ان هذه الحرب تدور حول في الاساس حول تحسين القدرات الاستخباراتية، وتنفيذ سياسات لكسب عقول السكان المحليين، ووقف تدفق الموارد المالية التي تبقي هذه الشبكات الارهابية على قيد الحياة.
ولا شك النصر سيتطلب حلاً سياسياً، اذ ان ضخ القوات الأميركية باعداد ضخمة، لن يكون ناجعاً بالنظر لتصاعد المعارضة تجاه التدخل الغربي، ويمكن القول أن تدخل القوات الامريكية سيجعل الأمور تسوء على نحو كبير، بل ستقف حشود من العراقيين والسوريين ضد الولايات المتحدة بدلا من التصدي لـ”داعش” ومقاتلتها.
ومع ذلك لا شيء يجعلنا نجزم أن هذه الحرب لن تكبر، و تتسارع على نحو يجعلها تصبح فيه أقبح من سابقاتها. ولكن الحقيقة هي أننا نبتعد شوطاً طويلاً عن فيتنام، وبعض التغييرات المؤسسية والثقافية التي حدثت نتيجة لتلك الحرب الكارثية – خلقت مجموعة من الأصفاد على المسؤولين المنتخبين التي لن تكون إزالتها بسهولة.
http://www.cnn.com/2014/09/22/opinion/zelizer-dont-fear-mission-creep-on-isis/index.html?hpt=po_r1
مقال جوليان زيليزر: احد كبار المؤرخين الشباب الامريكيين، معلق في وسائل الإعلام الامريكية والدولية على التاريخ السياسي والسياسة المعاصرة.
ترجمة: مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية