تونس – لا تستطيع الحكومة التونسية أن تتراجع عن زيادة الأسعار ولا عن الترفيع في نسبة الضرائب، ويقول مسؤولون حكوميون إن هدفهم القادم هو المضي في الحرب على الفساد وتشديد الرقابة لمنع الاحتكار ومقاومة زيادة التجار في أسعار مواد حيوية أخرى دون اتفاق مسبق مع الحكومة.
ووجدت حكومة يوسف الشاهد صعوبة كبيرة في التواصل مع الآلاف من الشبان الذين تظاهروا في عدة مدن تونسية مطالبين بحلول جذرية لأزمة البطالة، وبالتراجع عن الزيادات التي تثقل كاهل الطبقات الفقيرة والمهمشة، والبحث عن حلول أخرى أكثر فاعلية.
ووفر تراجع منسوب الاحتجاجات فرصة من ذهب للحكومة كي تصارح الشعب بإمكانياتها ومدى قدرتها على اتخاذ إجراءات فعلية للخروج من الأزمة الاقتصادية الصعبة. وكان هذا محور لقاء بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وبين الشاهد.
وأكد الشاهد أن اللقاء ناقش الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين القدرة الشرائية للعائلات الفقيرة والمهمشة وزيادة التحكم في الأسعار من خلال تشديد المراقبة على مسالك التوزيع، فضلا عن إيلاء أهمية كبيرة للوضع الأمني.
وتقول مصادر تونسية مطّلعة إن لقاء الأحزاب والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج المقرر اليوم سيكون محوره الاحتجاجات التي شهدتها مناطق مختلفة وكيفية التفاعل مع مطالب المحتجين.
واستبعدت المصادر وجود نية للبحث عن رئيس حكومة جديد لخلافة الشاهد بسبب الأزمة التي خلفتها القرارات التي اتخذتها حكومته، مشيرة إلى أن الحكومة كانت تنفذ ما جاء في قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان بمختلف أحزابه بما في ذلك الجبهة الشعبية (يسار) التي تتظاهر ضد القانون.
وترى شخصيات معارضة أن تراجع الاحتجاجات لا يعني أن الأزمة قد حلت، لافتة إلى أن الحملات الإعلامية المكثفة التي ربطت بين الاحتجاجات المشروعة وبين عمليات النهب والتخريب قلصت من فاعلية المحتجين، لكن المشهد قد يتكرر في أي وقت طالما أن الأزمة قائمة.
وقالت زينب التركي، القيادية في حزب آفاق تونس الذي خرج من التحالف الحاكم مؤخرا، إن الحزب يعتبر أن الاحتجاجات ناتجة عن حالة التأزم، بسبب منظومة حكم فاشلة بقيادة التحالف المغشوش بين النهضة والنداء الذي عرقل الإصلاحات الاقتصادية.
محللون سياسيون وخبراء يرون أن تونس ما بعد ثورة 2011 ركزت على تطوير التشريعات السياسية التي تبني آليات الانتقال الديمقراطية، لكنها أهملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للثورة
وأكدت التركي في تصريح لـ”العرب” أن الحل الأنسب هو تغيير جذري في منظومة الحكم، مشددة على ضرورة اتخاذ “حزمة من القرارات الاقتصادية الشجاعة، تعتمد على موارد الدولة وتحد من نسبة التضخم دون أن تثقل كاهل المواطن”.
وحذر سياسيون ونشطاء على مواقع التواصل من حملة الاعتقال ضد قيادات محلية للجبهة الشعبية ونشطاء الحملة التي تقود الاحتجاجات، معتبرين أن الاعتقالات تزيد من حدة الأزمة بدل امتصاصها، وأن الطريق الأكثر فاعلية هو اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية عاجلة تعيد الثقة في الحكومة.
ونددت الجبهة الشعبية الجمعة بحرق مقر لها في محافظة سليانة وإيقاف عدد من قيادييها.
وقال متحدث باسم العمال، أحد الأحزاب اليسارية المكونة للجبهة، إن حرق مقر الحزب في سليانة الليلة قبل الماضية يأتي “في إطار حملة التحريض على الجبهة الشعبية ومناضليها ورموزها”.
ويعتقد الباحث والمحلل السياسي بشير الجويني أن تراجع الاحتجاجات يعطي الحكومة فرصة لمراجعة إجراءاتها، لكنه حذر من أن الخيارات المتاحة ليست كثيرة وهي تتلخص أساسا في مراجعة سياسة الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه، ومزيد دعم الطبقات الفقيرة والأشد فقرا.
وحث الجويني في تصريح لـ”العرب” على ضرورة العمل لإبرام عقد اجتماعي جديد يجمع مختلف الفرقاء وتقوم فيه الدولة بدور محوري في إرساء التوازن الاجتماعي.
وأضاف أن كل الإجراءات تبقى غير ذات قيمة ما لم تحط الحكومة نفسها بحزام سياسي واسع، وأن تبدي جدية أكبر ونزاهة في الحرب على الفساد وأن تكون غير معنية سواء في رئيسها أو أعضائها بالمحطات الانتخابية المقبلة.
وتجمع العشرات من حملة “فاش تستناو” (ماذا تنتظرون)، الجمعة، أمام مقر محافظة تونس العاصمة، للمطالبة بإسقاط قانون المالية لسنة 2018، رافعين الشارة الصفراء كرسالة تحذير للحكومة.
وهددوا بتنظيم مسيرة وطنية يوم الأحد 14 يناير، في ذكرى ثورة 2011، إذا لم يتم إلغاء القانون الذي ترتب عليه ارتفاع الأسعار.
ولا يخفي الحزبان الرئيسيان في التحالف الحاكم بتونس “النهضة والنداء” غياب الخيارات أمام الحكومة لامتصاص غضب الشارع، وبينها خيار التراجع عن الفصول المثيرة للجدل في قانون المالية.
واعتبر القيادي في نداء تونس الطيب المدني أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة كانت خطوة اضطرارية ولم يكن أمامها خيار أفضل.
وحث المدني في تصريح لـ”العرب” الحكومة على مراقبة الأسعار، لافتا إلى أن رفع أسعار الخضر لم يتم عن طريق الحكومة بل عن طريق الوسطاء والمحتكرين، وهو رفع غير مبرر وغير منطقي ويتطلب المراقبة.
ويرى محمد بن سالم القيادي في حركة النهضة في تصريح لـ”العرب” أن الحل أمام الحكومة هو تشديد الرقابة، مشيرا إلى أن هناك تجارا ينتهزون الأزمة ليضاعفوا الزيادات لتكون أضعاف ما أقرته الحكومة، الأمر الذي يضر بالقدرة الشرائية للمواطن.
ويعتقد محللون سياسيون وخبراء أن تونس ما بعد ثورة 2011 ركزت على تطوير التشريعات السياسية التي تبني آليات الانتقال الديمقراطية، لكنها أهملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للثورة، خاصة للطبقات المهمشة ولجيل شبابي صاعد كان له الدور الأكبر في الاحتجاجات التي ساهمت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وعزا روري مكارثي، الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية في شمال أفريقيا بجامعة أكسفورد، الاحتجاجات إلى استبعاد التونسيين من التحول الديمقراطي.
وقال في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية “على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان هناك عدد متزايد من الاحتجاجات الشعبية حول المسائل الاجتماعية والاقتصادية من قبل الناس الذين يشعرون بأنهم مستبعدون من التحول الديمقراطي”.
وأضاف “إلى حد الآن لم تعالج مطالب التونسيين بإنهاء الفساد وإقامة نظام اقتصادي أكثر عدلا”.
العرب اللندنية