تباينت ردود الأفعال الدولية حول سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحمائية، صباح أمس، بين ترحيب حذر من الاتحاد الأوروبي بإعفاء التكتل الاقتصادي من رسوم الصلب والألمنيوم مؤقتاً، وتوعد صيني بإجراءات انتقامية ضد إعاقة صادراتها للولايات المتحدة، في الوقت الذي تحذر فيه أصوات من داخل أميركا من أن الإجراءات العقابية قد لا تكون حلاً ناجعاً.
ويفترض أن تكون الرسوم الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب بنسبة 25 في المائة، والألمنيوم بنسبة 10 في المائة، قد دخلت حيز التنفيذ من أمس. لكن في اللحظات الأخيرة، أعلنت الإدارة الأميركية عن تعليق تطبيق تلك الرسوم على الاتحاد الأوروبي حتى مايو (أيار) المقبل.
فيما ذكرت النرويج، التي لا تحظى بعضوية الاتحاد الأوروبي، أمس، أنه جرى إخطارها بأنها خارج هذا الإعفاء، وقالت وزيرة الخارجية إيني ماري إريكسين، في بيان جرى إرساله إلى وكالة الأنباء الألمانية: «سنتابع المسألة مع السلطات الأميركية في واشنطن وأوسلو».
وأضافت أن النرويج توقعت «معاملة متساوية»، مضيفة أن «صادرات النرويج لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة، وسننقل هذا بوضوح لها».
وبحسب وكالة الأنباء النرويجية (إن تي بي)، لا يتم تصدير سوى 0.2 في المائة من الحديد والألمنيوم النرويجي للولايات المتحدة.
ولا يقتصر الاستثناء الأميركي من رسوم الصلب والألمنيوم على الاتحاد الأوروبي فقط، ولكن يمتد لـ6 دول أخرى من حلفاء الولايات المتحدة.
أوروبا تحتفظ بحق الرد
القادة الأوروبيون المجتمعون في لقاء قمة بروكسل تلقوا الإعفاء المؤقت بترحيب حذر، وقالوا إن الاتحاد «يحتفظ» لنفسه بحق الرد على الرسوم الأميركية، إذا لم يتم استثناؤه من الرسوم بشكل «دائم».
وذكر بيان مشترك أصدره 28 من زعماء دول الاتحاد أن «الحماية التي تشمل قطاعات بأكملها في الولايات المتحدة ليست علاجاً ملائماً لمشكلات الطاقة الإنتاجية الزائدة».
وقال رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال إن «الأمر يعطي انطباعاً بأن لدى رئيس الولايات المتحدة رغبة بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وهو يوجه مسدساً إلى رأسنا»، وأضاف: «هذه ليست طريقة نزيهة للتفاوض عندما نكون شركاء بهذه الدرجة من المتانة تاريخياً».
وقرر رؤساء حكومات الدول الـ28، الذين كانوا قبل إعلان استثنائهم من الرسوم ينتظرون رسالة واضحة ورسمية من واشنطن، صباح الجمعة، تمديد مناقشاتهم حول التجارة في بروكسل.
وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، التي كان يفترض أن تغادر بروكسل مساء الخميس، عن أنها «بقيت صباح الجمعة للمشاركة في هذا النقاش المهم جداً».
وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، بيار موسكوفيسي، لإذاعة «فرانس إنتر» إن «المشكلة تكمن في التفاصيل»، وأضاف أن «هذا القرار مؤقت، وعلينا مواصلة المفاوضات مع واشنطن، وفي الوقت نفسه الاستعداد لكل الفرضيات».
وأضاف أن «دونالد ترمب أثبت أنه قادر على التقلب، ويجب أن نكون مستعدين لكل السيناريوهات، الأفضل منها والأسوأ».
وصرح الناطق باسم الحكومة الفرنسية، بنجامين غريفو، بأنه «سعيد لأن الرئيس ترمب غير رأيه»، وقال إن «كل الذين يتخذون قرارات بشكل أحادي يتعرضون لردود انتقامية، لإجراءات مضادة»، مشيراً إلى أن أوروبا «عبرت عن نيتها علناً الرد، والدخول في حرب تجارية».
وعلى الصعيد الألماني، رأت المستشارة أنجيلا ميركل أن «سعي الاتحاد الأوروبي إلى النقاش (مع الأميركيين) كان مجدياً».
وبعد تأكيد رغبتها في علاقات جيدة بين جانبي الأطلسي، لم تستبعد ميركل رداً على إجراءات أميركية، وقالت إنه إذا فرضت الولايات المتحدة «رسوماً جمركية ضد الاتحاد الأوروبي، فسنرد بإجراءات مضادة».
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن عن لائحة بمنتجات أميركية رمزية، مثل زبدة الفستق والدراجات النارية، يمكن أن تفرض عليها رسوم أوروبية، إذا طبقت الولايات المتحدة قرارها.
وتوقع وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير مواصلة مكثفة للمفاوضات حول ملف الصلب والألمنيوم، وقال في تصريحات لإذاعة ألمانية إن هناك إمكانية خلال الأسابيع الستة المقبلة «للتفاوض على نحو مركز للغاية مع الجانب الأميركي حول هذا الأمر»، مضيفاً أن ما تم إحرازه الآن هو تجنب حدوث حالة كبيرة من الاضطراب. وذكر ألتماير أن مثل هذه الإجراءات المنفردة لن تحقق غايتها، وقال: «نريد التوصل إلى اتفاقيات متعقلة».
رد غاضب من الصين
أما الصين، فقد اجتمعت ضدها رسوم الصلب والألمنيوم، وإجراءات عقابية أخرى تخص صادراتها على وجه التحديد، أعلنت الولايات المتحدة أمس عن تفاصيلها.
كان البيت الأبيض قد أعلن، في بيان أمس، عن توجيهات أصدرها الرئيس الأميركي بتبني حزمة من الإجراءات للرد على ممارسات صينية غير عادلة وضارة بالتكنولوجيا الأميركية، وقال البيان إن الإدارة الأميركية تعتزم فرض تعريفات إضافية بنسبة 25 في المائة على عدد من المنتجات المدعومة بالسياسات الصناعية غير العادلة، وبات أمام الإدارة الأميركية مهلة 15 يوماً لنشر لائحة بالمنتجات التي ستفرض عليها رسوماً.
وقال الممثل الأميركي للتجارة، روبرت لايتهايزر، إن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية قطاع التكنولوجيا المتطورة الذي يعتبر «الجزء الأهم» من الاقتصاد الأميركي. و أكد وزير التجارة الأميركي، ويلبور روس، على أن العقوبات الجديد هي قبل كل شيء «مقدمة إلى سلسلة من المفاوضات».
كما أطلقت الولايات المتحدة إجراءات ضد الصين في منظمة التجارة العالمية، حول قضية براءات الاختراع. وأعلن مكتب الممثل التجاري الأميركي في بيان أن «الولايات المتحدة تتقدم بشكوى أمام منظمة التجارة العالمية على الممارسات التكنولوجية غير المنصفة للصين، التي تخالف قواعد المنظمة».
وفي أغسطس (آب)، بدأت إدارة الرئيس دونالد ترمب في عمل تحقيقات حول ممارسات وسياسات صينية ترتبط بنقل التكنولوجيا والإبداعات والملكية الفكرية. وقادت التمثيلية التجارية الأميركية هذه التحقيقات تحت الفصل 301 من قانون التجارة لسنة 1974، الذي يعطيها السلطة لمواجهة سياسات التجارة غير العادلة، أو السياسات التي تؤثر سلباً على التجارة الأميركية. وكان هذا هو أول تحقيق تحت هذا الفصل منذ 2013.
ورصدت هذه التحقيقات عدداً من الممارسات الصينية، ترى الولايات المتحدة أنها تضر باقتصادها، حيث تزعم واشنطن أن بكين ترغم الشركات الأجنبية على نقل خبراتها التكنولوجية في مقابل الوصول لأسواقها، فالشركات في مجالات مختلفة، التي تريد العمل في الصين، مجبرة على أن تعمل بالشراكة مع شركاء محليين، وهو الأمر الذي يتطلب منها نقل خبراتها التقنية لصينيين قد يكونوا منافسين لها في وقت لاحق.
وبحسب البيانات الصينية، فإن البلاد حققت العام الماضي فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة بقيمة 275.8 مليار دولار، وهو ما يمثل ثلثي فائضها مع العالم. أما الولايات المتحدة، فتقدر هذا الفائض بقيمة أكبر عند 375.2 مليار دولار.
وفي رد على السياسات الأميركية، سارعت الصين إلى إعلان لائحة من 128 منتجاً أميركياً يمكن أن تفرض عليها رسوماً بين 15 و25 في المائة، في حال فشلت المحادثات مع واشنطن.
وترى وكالة الصحافة الفرنسية أن الإجراءات التي أعلنت عنها بكين تبدو معتدلة، فالمنتجات المستهدفة تمثل 3 مليارات دولار من الواردات الصينية في العام الماضي، أي بالكاد 2 في المائة من إجمالي الصادرات الأميركية إلى هذا البلد، التي بلغت قيمتها 154 ملياراً، بحسب الجمارك الصينية.
وبين المنتجات التي سيتم فرض رسوم عليها بنسبة 15 في المائة الفاكهة الطازجة والنبيذ والجينسنغ والإيثانول، وأيضاً أنابيب الصلب غير الملحومة، بينما سيتم فرض رسوم بنسبة 25 في المائة على لحوم الخنزير والألمنيوم المعاد تدويره.
ولم تتضمن اللائحة الصويا، لأنه في حال فرض رسوم عليه، فإن العواقب يمكن أن تكون خطيرة على المزارعين الأميركيين، خصوصاً في الولايات التي دعمت ترمب في الانتخابات الرئاسية في 2016.
وعلقت خبيرة الاقتصاد بيتي وانغ، من مصرف «إيه إن زي»، بأن إجراءات الرد «تعتبر» غير صارمة نسبياً، مضيفة أن بكين تسعى بكل السبل إلى الحوار.
فيما نقلت وكالة الأسيوشتد برس عن مجلس الأعمال الأميركي – الصيني، الذي يمثل الشركات الأميركية العاملة في الصين، تخوفاته من الإجراءات العقابية التي تفرضها بلاده على الصين.
وقال المجلس إنه يوافق على أن سياسة الصين تحتاج للتعديل، ولكنه يطالب الحكومتين بالوصول إلى تسوية عبر التفاوض، حيث إن «الشركات الأميركية تريد أن ترى حلولاً لتلك المشكلات، وليس فقط عقوبات، مثل التعريفات الصادرة بشكل أحادي، التي قد تضر أكثر من أن تنفع»، كما قال رئيس المجلس جون فريسبي لوكالة الأسيوشتد برس.
وقالت مجلة فورشن في تقرير إن «التعريفات طريقة خاطئة لمعاقبة الصين على سرقة تكنولوجيتنا»، معلقة بأن التاريخ يُظهر أن التعريفات غير مجدية، وأن على الولايات المتحدة أن تتضامن مع البلدان التي تفكر بطريقتها نفسها لتعديل قواعد التجارة.
وتشير وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن اتحادات فدرالية أميركية في القطاع الزراعي نددت أخيراً بأن ترمب، ومن خلال محاولته حماية منتجي الصلب والألمنيوم، يفتح الباب أمام إجراءات بالرد ستؤثر بشكل كبير على قطاعات أخرى مثل الزراعة. وباتت هذه القطاعات تخشى فرض رسوم على صادراتها إلى الصين.
الشرق الاوسط