وصل حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا في تشرين الثاني عام 2002م، ومنذ وصوله سعى إلى تطبيق برنامجه السياسي، فعلى مستوى السياسة الخارجية ارتكز الحزب على عدة مبادئ لعل من أهمها مبدأ “تصفير المشكلات” مع دول الجوار، أما على مستوى السياسة الداخلية، فقد تبنى الحزب سياسة جدية قوامها حل المشكلات ذات التكوين القومي كالمسألة الكردية والتكوين الديني كالمسألة العلوية. وهي مشكلات تتعلق بالهوية ورثتها حكومة العدالة والتنمية من الدولة التركية المعاصرة التي نشأت في عام 1923م، جراء تفكك الدولة العثمانية. وفي هذا السياق سنهتم بتحليل المسألة العلوية كونها أحد مصادر القلق الاجتماعي في تركيا.
يُعرف فقهاء الطائفة العلوية بأنهم مسلمون دينيًّا مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للأمام علي رضي الله عنه وآل البيت، لكنهم يختلفون في كثير من التفسيرات والممارسات الدينية التي تحوي طقوسًا قريبة من الصوفية. هذه التباينات دفعت بعض علماء المسلمين إلى اتهام العلويين بالهرطقة.
تمثل الطائفة العلوية حالة فريدة في تركيا التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 97%، فهي موجوده منذ بدايات القدوم التركي إلى الأناضول. ويتوزع العلويون في تركيا على ثلاث مجموعات إثنية على الأقل: تركية وكردية وعربية. وبسبب عدم وجود إحصاءات على أساس مذهبي فإن عدد العلويين يشكل عاملا ضاغطا جدا. فهم أنفسهم يقدرون عددهم بما يقارب 25 مليونا فيما تقدر أوساط شبه رسمية أنهم يقاربون الستة أو السبعة مليون. لكن التقديرات “المحايدة” والخارجية ومنها الاتحاد الأوروبي و”تقارير” أميركية ترجح أن يتراوح عدد العلويون بين 16وعشرين مليونا.
يشكل الأتراك ثلثي العلويين يليهم الأكراد فيما لا يشكل العرب أكثر من 5% من مجمل العلويين في تركيا. ويميز الأتراك بين علويي الأناضول والأكراد وعلويي الإسكندرون، الذين هم من أصول عربية، وكانوا في الأصل تابعين لسوريا حتى عام 1939م ، حينها اقتطع هذا اللواء منها خلال الانتداب الفرنسي عليها وتم ضمه لتركيا بعد اجراء استفتاء. ويطلق الأتراك على هؤلاء “أي علويي الإسكندرون” لتمييزهم عن علويي تركيا الآخرين اسم “النصيريين” في إشارة إلى أنهم جزء من علويي سوريا حيث تقع جبال النصيرية إلى الجنوب من لواء الإسكندرون.
تاريخيًّا تعرض العلويون للملاحقة السياسية أثناء حكم الدولة الأموية، كما تعرضوا أيضًّا للملاحقة الدينية والسياسية من قبل الدولة العثمانية، وتم معاملتهم على أنهم خارجون عن “الملة” ،حيث اتهموا من قبلها بمساندة عدوتها الدولة الصفوية الشيعية في ايران. الأمر الذي دفعها للتنكيل بهم لعدة قرون.
وبفعل هذا التنكيل انطوى وتوارى العلويون على أنفسهم، إلى أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك حرب التحرير الوطنية بين عامي 1918م و1923م، والتي انتهت إلى رسم حدود الجمهورية التركية. وكان إعلانها و”اصلاحاته”، واعتماد النظام العلماني كأساس لحكم الدولة التركية الناشئة-حينها- كان موضع ترحيب وتأييد مطلق من جانب العلويين الأتراك الذين وجدوا في هذه السياسة الجديدة فرصة لإنهاء الانطواء لأول مرة بعد أربع قرون من الاضطهاد.
وهكذا أضحى العلويون الدعامة الأساسية للنظام الجمهوري العلماني في تركيا. ولا عجب أن يرفع العلويون في جميع مناسباتهم إلى جانب صورتي حاجي بكتاش مؤسس الطائفة العلوية في تركيا والإمام علي رضي الله عنه صورة مصطفى كمال أتاتورك أيضًا. وعلى الرغم من ذلك، تعرض العلويون الأكراد في عام 1937م، في نهاية حكمه إلى مذبحة عرفت تاريخيًّا بمذبحة “دارسيم” التي راح ضحيتها آلاف من المدنيين. وأغلقت جميع التكايا التابعة لهم. فالدولة التركية المعاصرة لا تعترف بوجود أقلية أو هوية علوية وحصرت هوية الدولة الدينية بالمذهب الحنفي.
ومع تزايد الصراع على الهوية في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن المنقضي، فقد أصبحت العلوية يسارية الطابع، وتبنى كثير من العلويين الفكر الماركسي في مواجهة الفكر اليميني القومي المتطرف والإسلام السياسي الصاعد، وشهدت الصراعات درجات عالية من العنف والدموية حيث قام الجيش بانقلاب عسكري وبسياسات إثنية متسلطة. وقد شكلت الانقلابات العسكرية المعادية لليسار، وبخاصة انقلاب أيلول/سبتمبر عام 1980م، ذو الطبيعة الدينية الواضحة صدمة للعلويين الذين شعروا أن الدولة تعزز تدريس المذهب السني الحنفي في المدارس، وبناء مساجد سنيّة في القرى والمناطق العلوية.
شكّل عقد الثمانينيات من القرن المنقضي بداية ظهور تململ واضح من جانب العلويين مما يجري حولهم وضدهم. وكان ما سُمي بالبيان العلوي الذي أصدره مثقفون علمانيون في آذار/مارس عام 1989م، من كل الطوائف والمذاهب والأعراق، حدثًا مهماَ ومرحلة بارزة في مسيرة علويي تركيا، إذ طرح هذا البيان ولأول مرة المسألة العلوية في تركيا على النحو الآتي:
– إن العلوية جناح من الإسلام الموجود في تركيا.
– يعيش في تركيا عشرون مليون علوي.
– إن المسلمين السنّة في تركيا لا يعرفون شيئًا عن العلويين.
– إن رئاسة الشؤون الدينية تمثل فقط الإسلام السني في تركيا.
– في المقابل، تعمل الدولة على تجاهل وجود العلويين، وإظهار تركيا على أنها دولة سنية في حين ثلث السكان هم من العلويين.
– إن الإعلام بمختلف وسائله لا يقدم معلومات كثيرة عن العلويين: شخصياتهم، أعيادهم، أشعارهم موسيقاهم وفولكلورهم.
– على الدولة منع رئاسة الشؤون الدينية من إقامة جوامع في القرى العلوية أو إرسال أئمة مساجد إليها.
– هناك دعاية ضد العلويين في المدارس ويجب إلغاء مبحث الدين الإجبارية في المدارس، لأن هذا يخالف مبدأ علمانية الدولة.
ومنذ صدور البيان العلوي، قام العلويون بمحاولات عديدة لإثارة أوضاعهم إلى العلن، وشجّع على تكثيف تحركهم الأحداث الدموية التي وقعت بحقهم في “سيواس” عام 1993م، وفي ضاحية “غازي عثمان باشا” بإسطنبول عام 1995م.
وتتقاطع العلوية في تركيا بشكل كبير مع الفكر الشيعي الإثنى عشري، إلا أن الكتمان والتقية في ممارسة العبادات أنتجت لاحقًا نمطا خاصا من الطقوس الدينية لا يمت بصلة إلى العبادات المعروفة إسلاميًّا. ويحتل “بيت الجمع” عند العلويون مكانة رفيعة، ففيه يجتمعون لقراءة الأدعية وأداء الطقوس، التي تتمحور حول تطهر النفس وذكر آل البيت وتمثل بمصاب واقعة كربلاء. و”بيت الجمع” ظاهرة حديثة لدى العلويون في تركيا، ففي عقد التسعينيات من القرن الماضي ازدهر، وطالب العلويون الدولة الاعتراف به كمركز روحي خاص بهم، وهو الأمر الذي لا تزال ترفضه الحكومة التركية.
للعلويين موقف من تطبيق أركان الإسلام الخمسة فهم لا يطبقونها ويعتقدون أن روح العبادات لا يتجسد في سلوكها الخارجي. فهم يعترفون بأن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام آخر الرسل والأنبياء، وأن القرآن الكريم كتاب الله عز وجل، كما يؤمنون بالكتب السماوية الأخرى. إلا أن سلوكهم يتناقض مع أركان الدين الإسلامي، فمن جانب لا يأدون فريضة الصلاة بحجة أن الإمام علي رضي الله عنه استشهد في أثناء أداء الصلاة، ومن ثم باتوا لا يذهبون إلى المساجد، إلا أنهم لا يمنعون أي علوي من أداء الصلاة إذا أراد ذلك. لكن، هل هذا سبب كاف لعدم الصلاة؟ بالطبع لا. لا أحد ينكر مكانة الإمام علي لدى المسلمين بشكل عام والعلويين والشيعة بشكل خاص، وبالتوازي، يقابل هذه المكانة في الإسلام السني الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد استشهد أيضًا في أثناء أداء صلاته، ومع ذلك لم يهجر المسلون السنّة الصلاة ولا المساجد، لأن تطبيق شرع الله من عدمه، لا يرتبط مصيره بمصير شخصيات مهما بلغت قيمتهم الأدبية والدينية لدى أتباع هذا المذهب أو ذاك.
بدأت مسيرة الإصلاح الداخلي في تركيا، مع مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تشرين الثاني/نوفمبر عام2002م، وحتى الآن, الذي شمل كافة المستويات غير المسبوقة في الدولة والمجتمع، وقد وصف المراقبون المستقلون وتيرة الإصلاحات هذه بالثورة الصامتة.
حيث ساهمت في زيادة حضور الدبلوماسية التركية في العديد من القضايا المحوريّة في بيئتها الإقليمية، وحتى العالمية، وعلى الرغم من تلك الإصلاحات، فلا يزال ثمة مسائل تتعلق بالهوية الدينية تحاول حكومة العدالة والتنمية إيجاد حلول ملائمة لها، ولعل من أهمها، المسألة العلوية التي تعد من أكثر أزمات الهوية تعقيدًا، والتي ورثتها الجمهورية التركية المعاصرة نتيجة تفكك الدولة العثمانية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
ولعل من الأسباب التي دفعت حكومة العدالة والتنمية للانفتاح مع المسألة العلوية في العام 2009م، سببين، أولهما رغبتها الجدية في التوصل إلى حلول ملائمة لها، تنهي معها حالة التوتر الاجتماعي التي نشبت عنها، لأن بقاء هذه المسألة دون حل –مما شك فيه- ستؤثر وبشكل سلبي على وحدة البلاد. ثانيهما، رغبة تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبر احترام حقوق الأقليات الدينية والقومية في تركيا من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي إحدى مداخل انضمامها له.
ولتحقيق ذلك بادرت الحكومة إلى ما سمته بـ”الانفتاح العلوي” لكن المقترحات الحكومية لم تقدم حلولا جذرية للمسألة، كالاعتراف في “بيت الجمع”- والذي اعتبره رئيس الجمهورية الحالي ورئيس الوزراء السابق رجب طيب أردوغان في مرحلة سابقة على أنه بيت للتسلية واللهو- حيث باتت تراوح مكانها. واعتبر رئيس وقف حاجي بكتاش “ارجان غيتشميز” أن الهيئة التي شكلتها الحكومة بشأن مطالب العلويين هي لتصفية المسألة لا لحلها. واتهم غيشمنز وزير الدولة المكلف بالمسألة العلوية “فاروق تشيليك” بأنه يريد من العلويين أن يتصالحوا مع قاتليهم. ودعا إلى رفع يده عن الدين وجعل العلويين يعيشون مع السنّة حرياتهم الدينية الكاملة.
ومع انفتاح حكومة العدالة والتنمية على المسائل القومية والدينية في تركيا، بدأت اليوم واحدة من أعقدها قوميا فيها، وهي المسألة الكردية تأخذ طريقها نحو الحل، وتبق المسألة العلوية بانتظار تسلك طريقًا مماثلاً. خاصة بعد أن قدّم في العام 2011م، رئيس الجمهورية الحالي –رئيس الوزراء السابق- رجب طيب أردوغان اعتذارا رسميا باسم الدولة التركية عن مذبحة “درسيم” وقال إنها واحدة من أكثر الأحداث مأساوية في تاريخ تركيا المعاصر. ما لا شك فيه، صعدت الثورة السورية النقاش بشأنها وأيقظت تساؤلات حول وضع العلويون ليس فقط في سوريا بل أيضّا في تركيا. فالثورة السورية التي أحيت آمالا بخلاص السوريين من الحكم الشمولي للرئيس بشار الأسد أحيت في المقابل أحيت جدلّا وقناعة بضرورة حل المسألة العلوية في تركيا على الرغم الاختلافات الكبرى بين الحالة العلوية في سوريا وتلك في تركيا.
رغم أن الهوية العلوية باتت أكثر حضورا في تركيا، وباتت هذه المجموعة تعبر عن نفسها إلا أن عبء الماضي لا يزال يتحكم في خيارات شرائح واسعة منهم خصوصا العلويون العرب. وظهر هذا جليًّا بعد قيام الثورة السورية، فدعم الحكومة التركية للمعارضة السورية أثار مخاوف لدى العلويين العرب بأن يكون ذلك الدعم مقدمة لاستهداف الطائفة العلوية في تركيا.
والموقف من الثورة السورية لدى العلويين العرب هو أكثر حدة من باقي العلويين في تركيا نظرًا لتقاربهم التاريخي واللغوي مع علويي سوريا، لذا انحازت شريحة واسعة منهم مع نظام بشار الأسد من منطلق أن سقوطه يعني تهديدًا لهم. لكن دافع هذا الانحياز يجافي الحقيقة، فالسياسة الخارجية للحكومة التركية غير مرتكزة على البعد الطائفي كي تقدم دعمها للمعارضة السورية، كون معظم تياراتها سنيّة، وكون الرئيس بشار الأسد ينتمي للطائفة العلوية، إنما تقدم دعهما لأنه تعامل بوحشية مع الشعب السوري الذي خرج مطالبًا بحقوقه، فهو لا يختلف في بشاعة حكمه عن حكم خمير الحمر في كمبوديا في سبعينيات القرن المنقضي.
وانسجاماً مع نهج الانفتاح على العلويين، قام رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، بزيارة مدينة ديرسيم في تشرين الثاني/نوفمبر عام2014م، ليعلن مجموعة من الخطوات تجاه العلويين حيث أعلن عن توجهات الحكومة التركية بتحويل الثكنات العسكرية التي كانت قد بُنيت للقوات التي ارتكبت مجزرة ديرسيم إلى متحف سيضم تراث العلويين وثقافة المدينة، إضافة إلى الكثير من الخرائط والوثائق، بميزانية قدرها 10 ملايين دولار. كما ستقوم بتخصيص مبلغ 5 ملايين دولار لإصلاح وتمهيد الطرقات التي تؤدي إلى الأضرحة وبيوت الجمع العلوية في المنطقة وتجديد تلك المواقع.
ووعد رئيس الوزراء أيضاً بتغيير اسم جامعة تونجلي (الاسم التركي للمدينة) إلى جامعة “مونزور”، وهو اسم الوادي التي تقع فيه مدينة ديرسيم، كما لن يُسمح بأي تمييز عنصري ضد العلويين أثناء اختيار الدولة لموظفيها.
لكن اقتراحات رئيس الوزراء التركي لم تلبِ مطالب العلويين، إذ أعلن “علي أكبر يورت”، رئيس جمعية العلويين، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة، بأنه شعر بسعادة كبيرة لزيارة رئيس الوزراء التركي لأحد بيوت الجمع، والتي تُعتبر الزيارة الأولى من نوعها لرئيس وزراء، لبيوت العبادة العلوية منذ تأسيس الجمهورية، مضيفاً، أنه سلّم رئيس الوزراء ورقة من 12 طلباً خاصاً بالعلويين.
أول تلك الطلبات ضمانة حقوق مدنية متساوية تُنهي التمييز العنصري في حق العلويين، إذ لا يوجد والٍ أو مدير عام أو وكيل وزارة من العلويين في تركيا في الوقت الحاضر. كما طالبت الجمعية بإقرار دستور مدني ديمقراطي جديد، وإيجاد وضعية قانونية لتشريع وجود بيوت العبادة العلوية المعروفة ببيوت الجمع ومساواتها بالمساجد والكنائس والكُنُس اليهودية- وهذا ما تتهيأ الحكومة التركية له في الوقت الراهن، وتسليم المراقد والأضرحة العلوية وبالأخص مزار حاجي بكداش إلى المجتمع العلوي.
ووجّهت الجمعية نداء إلى الحكومة لوقف سياسات الاستيعاب التي اتّبعها “انقلابيو 1980” كبناء المساجد في القرى العلوية وتعيين أئمة لها. كما طالبت الورقة بتحويل دروس الدين الحالية إلى دروس اختيارية في المدارس التركية وتعليم المذهب العلوي، والسماح ببناء مدارس وأكاديميات علوية، ومنح استقلالية كاملة لإدارة الشؤون الدينية التركية لتتمثل فيها جميع الطوائف بشكل متساوٍ فيما يخص الميزانية، واحترام الأماكن المقدسة العلوية والحفاظ عليها وليس تدميرها بإنشاء سدود وطرقات فوقها، وإعلان يوم عاشوراء عطلة وطنية.
ودعت أيضاً إلى إعادة تسمية الجسر الثالث على البوسفور الذي كانت الحكومة قد أطلقت عليه اسم السلطان، “يافوز سليم”، المتهم بارتكاب مجزرة ضد العلويين ممن تمردوا عليه قبل 500 عام وتعاملوا مع الدولة الصفوية.
وتخوض تركيا في السنوات الأخيرة مراجعات علنية لمسائل قومية ودينية كانت من محظورات الماضي. المسألة العلوية تشهد الكثير من النقاش الدائر على مستوى رسمي وعلى مستوى الرأي العام. أحد أهم مداخل التسوية هي الاعتراف بالماضي الثقيل للجمهورية.
ولكي تتجاوز تركيا الدولة والمجتمع حالة القلق الاجتماعي الذي انتابهما منذ نشوء المسألة العلوية، وتستمر حكومة العدالة والتنمية في تصاعد وتيرة تنميتها الاقتصادية، والحفاظ على تماسكها الاجتماعي، وتتمتع سياستها الخارجية على المستوى الإقليمي والعالمي بمصداقية عالية، وتستقبل الذكرى المئوية الأولى للجمهورية التركية في العام 2023م وهي تحتل الترتيب العاشر على مستوى الاقتصاد العالمي، كما تحتل أيضًا مدينة إسطنبول الترتيب العاشر على مستوى أفضل المدن في العالم، لا بد لها من اغتنام الفرصة التاريخية الراهنة، وتوظيف سلبيات المشهد الإقليمي الحالي بشكل إيجابي ولا سيما في سوريا، لحل المسألة العلوية بالطرق السلمية، من خلال صياغة دستور جديد للدولة التركية مقطوع الصلة مع الدساتير السابقة التي أنكرت الحقوق الدينية والقومية لمكونات الشعب التركي، وإقرار دستور يعترف بها، وينظم العلاقة بين مختلف مكونات الدولة على أساس مبدأ المواطنة، وبذلك ستنضم تركيا إلى تلك الدول القادرة على حل مشكلات طويلة الأمد بطرق سلمية وديمقراطية، فهي ليست بحاجة فقط إلى مبدأ “تصفير المشكلات” مع دول الجوار الإقليمي، وإنما أيضًا مع الداخل التركي. وإن لم يتحقق هذا الاحتمال فسيتم العودة إلى دائرة العنف، واستغلاله من قبل دول الجوار له، وخاصة من قبل حكم الرئيس بشار الأسد وإيران، والعراق، مما سينتج عنه حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تركيا، والذي سيؤثر حتمًا على مشروع قوتها الإقليمية الصاعدة.
د. معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية