الحياة تعود لشرايين أهوار العراق

الحياة تعود لشرايين أهوار العراق

ونحن نهم بالذهاب لزيارة أم عادل في منزلها بمدينة الصدر (شرق العاصمة بغداد) أصر مرافقي أحمد على أن نعيش أجواء جنوبية رائعة بإسماعي عددا من أغاني المطرب الجنوبي المشهور “داخل حسن”.

استقبلتنا أم عادل أو الخالة السبعينية فخرية بابتسامة دافئة في منزلها المتواضع معتمرة عباءتها السوداء التي تعد اللباس الشعبي الأول لدى نسوة جنوب وغرب العراق، وبلهجة هجينة تحدثت وقد اتخذت موقعها عند شجرة السدرة التي تتوسط البيت عن السنوات التي قضتها في هور المجر بمحافظة ميسان (جنوب العراق) وتقول “كنا صغارا، جل اهتمامنا التنقل بين الصرايف (منازل شيدت من نبات القصب والبردي) المنتشرة في تلك البقعة المائية من خلال المشاحيف (نوع من الزوارق المشهورة في الأهوار).

وتتابع “كنا نضحك في سرنا ونحن نسمع عن حياة المدينة، وعن السيارات التي تقل الناس فلم أعش تلك الحياة إلا بعد أن تركتها في سن المراهقة، وتعترف بأن العيش في الأهوار كان قاسيا بسبب المناخ والظروف التي أحاطت بتلك المناطق خلال العقود السابقة”.

ويتصف سكان الأهوار بنمط حياتي معين يميزهم عن بقية سكان العراق، حيث يهتمون بتربية الجاموس الذي يحتاج لبيئة الأهوار، ويبنون بيوتهم من القصب إضافة لامتهانهم صيد السمك، ويعد التنوع البيئي في المنطقة أحد أبرز عوامل نهضة وتنمية السياحة فيها.

وتستدرك الخالة فخرية قائلة “كانت الروابط الاجتماعية أجمل مما نعيشه الآن” معترفة بأن حياة الطبيعة جعلت حياتهم مختلفة عن أقرانهم من خلال نمط العيش البدائي الذي وفرته المنطقة لهم فترة من الزمن.

الأهوار مسطحات مائية بين نهري دجلة والفرات بمساحة تقدر بنحو عشرة آلاف كيلومتر مربع قد تعرضت للتجفيف لعام 1991 عقابا لسكانها الذين قاموا بانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين، ولم يتبق سوى 4% من إجمالي مساحتها بعد تجفيف معظمها، إلا أن الحكومة الحالية بدأت بمشاريع لتنمية الأهوار التي تعدها من أجمل المناطق السياحية في مدن جنوب العراق (الناصرية والعمارة والبصرة).

تركنا الخالة فخرية وهي مستمتعة بحياتها في بغداد، وبما تحمله من ذكريات عن منطقة الأهوار التي أضيفت مؤخرا إلى لائحة التراث العالمي بعد جهود حثيثة من قبل أطراف حكومية وشعبية عديدة.
وتمكن العراق في يوليو/تموز الماضي من إدراج مناطق أهواره الثلاث (الحويزة والأهوار الوسطى والحمار) وعدد من المناطق الأثرية على لائحة التراث العالمي.

يقول الناشط المدني مهند رعد إن أهل الأهوار هم الامتداد الأصلي للحضارة السومرية في البلاد، ويؤكد أن جهودهم كنشطاء أثمرت في إدراج الأهوار وبعض المدن الأثرية على لائحة التراث العالمي.

وأشار إلى أنهم استطاعوا من خلال مواقع التواصل الوصول إلى مبتغاهم الذي يعتبرونه شهادة متأخرة بحضارة عمقها آلاف السنين. وبرر ابن الجنوب -كما يصف نفسه- اندفاعه بأنه كجنوبي نشأ وترعرع على حياة الأرياف الغنية بالشعر الشعبي والحياة الطبيعية الخلابة.

وأوضح أن “عمليات التجفيف وهجرة الأهالي إلى المدينة أسهمت في انحسار الأهوار بشكل كبير، الأمر الذي نستبعد معه عودة السكان إليها حتى لو عادت إلى سابق عهدها” مبررا ذلك بأن “العوائل تعودت على حياة المدينة، فضلا عن أن نسبة غمر المياه لم تصل إلى مستوياتها السابقة”.

وأكد أن “نسبة الغمر تصل إلى ما بين 35 و40% وهذه نسبة قليلة بالنسبة لمنطقة الأهوار التي كانت تعتبر من أكبر المسطحات المائية في البلاد”.

يذكر أن الأمم المتحدة اعتبرت عمليات تجفيف الأهوار العراقية من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين، وتقارن بما جرى في البرازيل من قطع الأشجار بحوض الأمازون.

بالمقابل، أكد رئيس منظمة طبيعة العراق جاسم الأسدي أن استعادة نحو 5600 كيلومتر مربع من أصل مساحة الأهوار البالغة 9500 كيلومتر مربع تعد إنجازا مهما للعراق الذي يعاني مشاكل جفاف كبيرة.

واعترف بأن أغلب أهوار البلاد تعتمد على المياه الإقليمية. وعن التحديات بعد ضمها دوليا قال “بالإضافة إلى تحدي استعادة الغمر إلا أن عدم وجود تكامل بين الوزارات الحكومية المختصة يعتبر أكبر التحديات”.

ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل دول الجوار على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة “رامسار” للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيفمقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.

وشدد الأسدي على أن الأهواريين “متمسكون بثقافتهم وبيئتهم ولا يستطيعون تركها بأي شكل من الأشكال” لأنها المصدر الرئيسي في معيشتهم وطريقة حياتهم المعتمدة على صيد الأسماك وتربية الجاموس.

من جانبها، أكدت سميرة عبد شبيب معاونة المديرة العامة لإنعاش الأهوار في وزارة الموارد المائية أن أنهم شرعوا منذ عام 2004 في إعادة الحياة للأهوار من خلال فتح شرايين المياه المغلقة منذ سنوات.

ويتفق المستشار برئاسة الجمهورية قحطان الجبوري مع سميرة شبيب، ويؤكد أن الحفاظ على المواقع ضمن لائحة التراث العالمي يحتاج إلى رقابة والتزامات حكومية. وأضاف أن من الضروري تطوير المواقع البيئية والأثرية بتسهيل إجراءات الاستثمار لضمان الجذب السياحي لتلك المواقع التي تعد ثروات بديلة عن النفط.

أميمة يونس

الجزيرة