يقول يحيى شمّاس، إنه ترشح للانتخابات البرلمانية التي تجرى (اليوم) الأحد في لبنان، لأن عقوداً من إهمال الحكومات والفساد تركت منطقته في التلال اللبنانية الشمالية الشرقية في سهل البقاع ببنية تحتية هشة، وتركت سكانها في ربقة الفقر.
وقال شماس، رجل الأعمال والعضو السابق في البرلمان اللبناني، في مقابلة أجريت معه في منزله: “لقد سئم الناس وضاقوا ذرعاً بالأوضاع. نأمل أن نتمكن من تغيير كل هذه السلوكيات التي لا تقود إلى التنمية، واستبدالها بسلوكيات تقود إلى التنمية”.
وهذه عاطفة شائعة بين اللبنانيين، لكن فرص شماس في الفوز ضئيلة. ففي حين أنه كافح لتدبر تكاليف اللوحات الإعلانية والدعاية التلفزيونية، فإن منافسيه الرئيسيين هم من الأحزاب السياسية الراسخة، بما فيها حزب الله، الجماعة المسلحة القوية والحزب السياسي البارز في لبنان، الذي يمتلك محطة تلفزيونية خاصة به. وعندما ينظم حزب الله مسيرات في منطقته، فإن آلافاً كثيرة من الموالين يشاركون فيها.
سوف يصوت الناخبون في جميع أنحاء لبنان في الانتخابات التي تعقد اليوم، الأحد، للمرة الأولى منذ تسع سنوات، وقد نفد صبر العديد منهم فعلاً.
أزمات البلاد كثيرة: ثمة مليون لاجئ سوري يجهدون الخدمات العامة؛ والاقتصاد المتزعزع يتأرجح بشكل متزايد؛ والقمامة تتراكم؛ والخوف من نشوب حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل ينتشر؛ وقد فشلت الطبقة السياسية اللبنانية في إيجاد الحلول.
ولكن، وعلى الرغم من افتخار البلد بكونه ديمقراطية نادرة في العالم العربي، فإن قلة هم الذين يتوقعون أن تفعل الانتخابات التي طال انتظارها الكثير لحل مشكلاته الملحّة.
يقول سامي عطا الله، مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية: “هل ستجلب هذه الانتخابات حكومة جديدة تكون قادرة على تغيير الأشياء؟ كلا، لأن لدينا نظاما قوَّض بنجاح كل آليات المحاسبة. وطالما لا تكون هذه الآليات فاعلة، لا أستطيع أن أرى كيف سيتمكن هؤلاء السياسيون من الوفاء بما يحتاجه الناس”.
يتكون النظام السياسي في لبنان من تسوية غير عملية تقوم على تقاسم السلطة على أساس الطائفة. ووفق هذه التسوية، يُخصّ نصف مقاعد البرلمان للمسيحيين ونصفها للمسلمين. وتعتمد معظم الأحزاب على الطائفة ويتطلع إليها مؤيدوها من أجل الحماية والرعاية أكثر مما يعتنون بسلامة سياساتها. وما يزال يقود البعض منها أمراء حرب تبقوا من حقبة الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عاماً، أو ذريتهم.
منذ العام 2009، انهارت الحكومة مرتين، وبقي البلد من دون رئيس لأكثر من عامين لأن الفصائل لم تستطع أن تتوافق على واحد.
لم يتم إجراء أي انتخابات برلمانية في البلد منذ العام 2009 لأن البرلمان قرر عدم إقامة انتخابات. وكان من المفترض أن يغادر البرلمان المنصرف عند انتهاء فترته ولايته المكونة أربع سنوات في العام 2013، لكنه قرر أن الظروف لم تكن مناسبة لإجراء الانتخابات، وبذلك يكون قد أعاد انتخاب نفسه بنفسه فعلياً -مرتين.
منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، خضعت بعض أجزاء البلد للاحتلال السوري أو الإسرائيلي في بعض الأوقات، مما أبقى الحكومة المركزية ضعيفة، وسمح لشخصيات نافذة بتقاسم الاقتصاد.
وتسرب ذلك الاختلال الوظيفي إلى النظام السياسي، مما خلق برلماناً لا يستطيع أن يحاسب الحكومة، وسلطة قضائية مستقطبة، ووسائل إعلام إما متحزبة بقوة أو معروضة للبيع لمن يدفع أعلى سعر.
يقول السيد عطا الله: “هذه المؤسسات التي يمكن أن تلعب دوراً في النظام السياسي تم احتواؤها وتدميرها، ولذلك ينتهي بك المطاف إلى التمثيل الطائفي، وإلى حيثُ لا يُحاسَب أحد”.
وجدت دراسة حديثة عن البرلمان المنصرف أنه كان منفصلاً وبعيداً عن أكبر مكامن القلق التي تهم المواطنين. ومن بين 352 تم تمريرها في الفترة ما بين حزيران (يونيو) 2009 ونيسان (أبريل) 2017، على سبيل المثال، كان هناك 31 قانوناً فقط -أي 9 في المائة- تتصل بمسائل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء.
سوف يشمل تصويت الأحد أكثر من 500 مرشح يتنافسون في 15 محافظة على 128 مقعداً. وسوف يكون هذا التصويت هو الأول الذي يجرى وفق قانون انتخابي جديد يقول مؤيدون إنه سوف يقلل من التركيز على الطائفة ويسمح لطيف أوسع من المرشحين بالتنافس. لكنه معقد جداً حتى أن معظم الناخبين لا يفهمونه ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بتأثيراته.
في واحد من التغييرات الملحوظة، تتسابق عشرات النساء في هذه الانتخابات. وكانت 12 امرأة فقط قد ترشحن لانتخابات العام 2009، ليفزن بأربعة مقاعد فحسب. وفي شيء جديد أيضاً، ركز تحالف لمرشحي المجتمع المدني على تحسين الخدمات.
يقول ليس كامبِل، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمعهد الوطني الديمقراطي الذي مقره واشنطن، والذي يتواجد في لبنان مع فريق من المراقبين: “لديك ناخبون جدد؛ ولديك مرشحون جدد؛ ولديك نظام انتخابي جديد محسَّن بشكل كبير، وهو ما نعتقد أنه سيجلب بعض الدماء الجديدة إلى النظام”.
منذ الانتخابات الأخيرة التي عقدت قبل تسع سنوات، أصبح نحو 700.000 من الشباب مؤهلين للانتخاب، وربما يتخذون قراراتهم بطريقة مختلفة عن آبائهم، كما يقول كامبل. لكنه ظل حذِراً إزاء تقييم مدى التغيير الذي يمكن توقعه.
وأضاف: “لن أقلل أبداً من قدرة وسطاء القوة اللبنانيين على العثور على طريقة لجعل القانون الجديد يعمل لمصلحتهم”.
ما يزال النظام الانتخابي اللبناني يفضل الأحزاب الكبيرة والأثرياء. وحتى يشتروا وقتاً للظهور على الهواء في محطات التلفزة، يدفع المرشحون عشرات الآلاف من الدولارات مقابل كل ساعة.
يقول بيير الضاهر، المدير التنفيذي لمحطة “أل. بي. سي. آي”، وهي من القنوات الأكثر مشاهدة في البلد، إن اثنين من المرشحين أنفقا أكثر من 700.000 دولار لمحطته خلال الحملة. بينما أنفق المعظم أقل من 100.000 دولار.
سوف يتبع بعض الناخبين فلسفة “الشيطان الذي تعرفه”، بسبب القلق من احتمال أن يجلب القادمون الجدد فوضى غير متوقعة. وتقول سهى غادر، المعلمة: “إننا كلنا نأمل في التغيير، لكننا لا نتوقعه. في الحقيقة، إنشاء الله يتم انتخاب الناس أنفسهم لأنني خائفة من البديل”.
تشكل هذه العاطفة مصدر قلق للمرشحين المستقلين مثل السيد شماس، الذي عمل في البرلمان قبل سنوات عديدة، لكنه طُرد منه في العام 1994 بسبب مزاعم بتهريب المخدرات، وهو ما ينكره. (يقول أن الاتهام لفقه له سياسي سوري نافذ كان يريد الانتقام منه).
في المقابلة، قال إنه اشترى لوحات إعلانية، وأنفق 15.000 دولار مقابل ظهور لمدة ساعة على شاشة محطة تلفزيونية ووافق على دفع 25.000 أجرة عن ساعة واحدة أخرى. لكنه عندما رفض الظهور في برنامج صباحي، عُرض عليه الظهور لفترات مسائية قصيرة مقابل ضعف الكلفة. وقال إن مقابلة لمدة ساعة مع مذيع أو مذيعة شهيرة في وقت الذروة تكلف أكثر من 80.000 دولار، وهو أكثر مما يستطيع تحمله.
خلال المقابلة، رنَّ هاتفه. كان المتصل ناخباً يسأل السيد شماس عن كم يدفع مقابل الصوت. وقال له السيد شماس إنه لا يشتري الأصوات، وشكر المتصل وأغلق الخط.
لم يكن واضحاً ما إذا كان المتصل يبحث عن أعلى سعر من أجل بيع صوته، وهي ممارسة شائعة في لبنان، أم أنه كان يريد أن يسجل جواب السيد شماس سراً لاستخدامه في مشاركة هجومية على وسائل التواصل الاجتماعية.
هاجم السيد شماس الطبقة السياسة التي قادت البلد منذ وقت طويل، ووصفها بأنها فاسدة وتخدم مصالحها الذاتية. وقال: “إنهم يحكمون البلد منذ 30 عاماً، بفساد ومن دون تقديم أي خدمات. ليست هناك كهرباء، ولا طرق ولا اقتصاد. فمن هو المسؤول؟”.
وهذه نظرة يتقاسمها الكثيرون، ولذلك تبنت الأحزاب الكبرى رسالة مشابهة.
يقول علي مقداد، المرشح عن حزب الله، والذي يتسابق أيضاً في منطقة السيد شماس: “أكبر مشكلة في البد هي الفساد”.
وعندما سئل عما فعله ضد الفساد منذ دخوله البرلمان في العام 2005، قال السيد مقداد: “لا شيء”. وأنحى باللائمة على السياسات الطائفية في لبنان، والتي جعلت التغيير صعباً.
لكن قدرة حزبه على التعبئة اتضحت لاحقاً في تجمع انتخابي أقيم في الجوار، حيث حث زعيم الحزب، حسن نصر الله، الحشد على المشاركة في التصويت عبر الفيديو. وقد أمَّ مكان التجمع آلاف الأشخاص، على الرغم من العاصفة المطرية الكثيفة التي حولت الأرض إلى وحل.
وقال السيد مقداد إن 640 عضواً من حزب الله من أبناء المنطقة قتلوا وهم يقاتلون في لبنان وسورية في السنوات الأخيرة. ويدفع الحزب رواتب شهرية لعائلاتهم، مما يجعل من غير المرجح أن يصوت أفرادها لأي أحد آخر.
بعد التجمع، وقفت امرأتان لالتقاط صورة مع ابنتيهما الشابتين، اللتين ارتديتا كلتاهما فساتين الزفاف وحملتا صوراً مؤطرة لأبويهما، وهما مقاتلان قُتلا في سورية.
وقالت إحدى الامرأتين، زينب البزال: “أولئك الذين يرون صور الشهداء على جدران بعلبك -صور أولئك الذين ضحوا بأرواحهم- يجب أن يخجلوا من عدم التصويت لقائمة حزب الله”.
بن هوبارد؛ وهويدا سعد
الغد