اتفق زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، ورئيس كوريا الجنوبية، مون جاي-إن، على العمل لإزالة جميع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية.
* * *
بعد العرض المسرحي السياسي اللافت للنظر الذي تكشف مؤخراً على الحدود المحظورة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، يبدو إبداء الشكوك حول دوافع كيم جونغ أون أو التخوف من المحادثات التي من المتوقع أن يجريها خلال بضعة أسابيع مع الرئيس دونالد ترامب، يبدو ذلك ضربا من عدم التعاطف اللئيم تقريباً. فبعد كل شيء، تقف هذه الاتصالات في تناقض صارخ مع الحديث المرعب عن تبادلات القصف النووي قبل بضعة أشهر فقط، ويبدو أن اللقاء وجهاً لوجه سيكون أفضل من قعقعة السيوف.
شكل اجتماع السيد كيم مع الرئيس الكوري الجنوبي الحمائمي، مون جاي-إن، مادة قوية تم تصميمها بدقة لإثارة الآمال والأشواق لدى أمة ظلت مقسمة بشكل مرير منذ 70 عاما. وكان كل مشهد في ذلك الاجتماع محتشداً بالرمزية: الخطوات المشتركة عبر البلاطة الخرسانية التي ترسم الحدود، والتي لم ينتهكها أي فرد من أفراد أسرة كيم من قبل؛ والمزاح واشتباك اليدين؛ والتراب الذي ينهال على شجرة كانت قد زرعت عندما انتهت الحرب الكورية بهدنة في العام 1953؛ وحارس الشرف في الجلباب الإمبراطوري للقرن التاسع عشر.
وكان “إعلان بانمونجوم” الذي وقعه الزعيمان متفائلاً بالمثل، حيث وعد بتخليص شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية والتفاوض أخيراً على معاهدة سلام.
وحتى الرئيس ترامب ضُبط عالقاً في النشوة. وغرد بابتهاج: “الحرب الكورية إلى نهاية! يجب أن تكون الولايات المتحدة وكل شعبها العظيم فخورين بما يجري الآن في كوريا!”
نعم، ما يزال السيد كيم حاكماً قاتلاً لدولة معزولة بوحشية، وسوف يفعل أي شيء من أجل الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة، ويظن معظم الخبراء أن شيئاً لن يتغير في نهاية المطاف، لأنه لن يسلِّم الرافعة التي أنفقت عائلته السنوات وملايين الدولارات من أجل تطويرها.
سوف يكون نزع السلاح النووي الذي يدور في ذهنه “متدرجاً ومتزامناً”، وهو ما يعني كما يبدو أنه سيتحرك إلى الأمام في خطوات جزئية، مقابل تحقيق منافع اقتصادية وضمانات أمنية، وضمان أن تسحب الولايات المتحدة مظلتها النووية عن كوريا الجنوبية. وسوف تكون هذه تحديات كبيرة للدى التعامل معها في المفاوضات، وهي ليست على الإطلاق ما يدور في خلد إدارة ترامب.
ولكن، وفي الوقت نفسه، يبدو من الواضح أن السيد كيم جاد في محاولة الارتقاء بمستويات المعيشة في بلده الفقير، ومستعد لاستخدام أسلحته النووية كورقة مقايضة في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المرهقة والحصول على ضمانات أميركية تسمح لنظامه بالاستمرار.
قبل وقت ليس بالطويل من إحضاره ليكون مستشار الأمن القومي الجديد، قال جون بولتون في مقابلة أن اجتماع قمة بين ترامب وكيم سوف يفشل حتماً، وهو ما سيمهد الطريق، كما قال، أمام المرحلة التالية –التي يفترض أن تكون توجيه ضربة وقائية إلى كوريا الشمالية.
في الحقيقة، يشكل ذلك في حد ذاته سبباً يدعو إلى الأمل بأن ينجح الانفتاح الجديد في المواجهة التي دامت طويلاً بين الشمال والجنوب في كوريا الجنوبية، والذي تم تنظيمه بطريقة بالغة الدرامية في بانمونجوم، في إرباك التوقعات، وأن يؤدي إلى عقد مفاوضات حقيقية ومثمرة -ليس فقط بين الكوريتين، وإنما بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أيضاً. ويضع نجاح ذلك الاجتماع ضغوطاً على الرئيس ترامب لمواصلة الزخم في اتجاه السلام من خلال إمكانية السعي الصادق إلى إجراء مفاوضات جادة مع كوريا الشمالية، وعدم تقديم مطالب من جانب واحد ومواصلة إصدار التهديدات. ولا شك في أن ذلك سيكون مرتقى صعباً بطبيعة الحال، ولكن، حتى لو اكتفت المحادثات بإبقاء شخصين متهورين لا يمكن التكهن بتصرفاتهما، مثل السيد كيم والسيد ترامب، بعيدين عن أزرارهما النووية، فإن العالم سيكون بذلك أفضل حالاً على أي حال.