ومع أن توجه الرئيس الرافض للاتفاق معروف منذ البداية، إلا أن احتمال إعادة النظر والتراجع بقي قائماً ولو بنسبة ضئيلة، بعد انخراط الأوروبيين بوساطة جادة مع طهران لإجراء تعديلات على الاتفاق، خاصة وأن ترامب أعطى إشارات وإن مشوشة، في هذا الخصوص.
تحدث الرئيس الأميركي عن “المرونة” أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وخلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أبدى ترحيبه بالمسعى الأوروبي لتوسيع الاتفاق. أو ربما لتدوير زواياه.
وأمس جاء وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى واشنطن ليناشد البيت الأبيض “بعدم إلغاء الاتفاق الذي ينطوي على أقل قدر من العيوب”، كما قال في مقالته التي نشرتها نيويورك تايمز قبل اجتماعه بنظيره مايك بومبيو لنفس الغرض.
وكان من اللافت أن يسارع الرئيس بعد اللقاء إلى تقديم موعد قراره. لأول وهلة بدا وكأنه قد حصل تجاوب مع مطلب منح الأوروبيين فرصة إضافية للعثور على مخرج مقبول يحفظ ماء الوجه للطرفين. تعزز مثل هذا الاحتمال عندما انضمت اليوم أصوات جهات محسوبة على الخندق الإسرائيلي (دنيس روس المبعوث الخاص سابقاً إلى مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية) إلى كتلة المطالبين بعدم مغادرة الاتفاق “لأن ذلك يصب في تعزيز الموقف الإيراني”. كذلك دعا مسؤولون إسرائيليون سابقون منهم رئيس الموساد إلى الاستمرار بالاتفاق رغم فجواته.
لكن سرعان ما تبدد معظم هذا التفاؤل وسط التسريبات بأن الرئيس قد حسم الأمر وسيعلن اليوم الانسحاب من الاتفاق. مع وجود توقعات بأن يأتي الإخراج بصيغة ملتبسة “وتفاصيل غير معروفة” كما قال الجنرال المتقاعد باري ماكفري، ليترك الباب مفتوحاً أمام عودة مشروطة لكن في حقيقتها مستبعدة.
فالرئيس حسم الموقف منذ فترة طويلة. مخالفا ليس فقط الحلفاء والموقعين الآخرين على الاتفاق، بل أيضاً الغالبية الكاسحة من القوى والأطراف الداخلية، بمن فيهم جمهوريون في الكونغرس وبعض عتاة المحافظين، وعدد من أركان الإدارة مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس والعديد من المسؤولين السابقين، العسكريين منهم والدبلوماسيين وخبراء الأمن القومي والسياسة الخارجية.
لكن ترامب لم يتزحزح. يسانده مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية بومبيو والسفيرة في الأمم المتحدة نيكي هايلي. آثر تجاهل الحيثيات والتحذيرات من عواقب الانسحاب من اتفاق يجمع العالم ما عدا إسرائيل على أن إيران تفي بالتزاماتها في تنفيذه، لأنه يصغي فقط “لحدسه وحساباته” حسب الجنرال ومدير السي أي أيه السابق مايكل هايدن. خاصة في اللحظة الراهنة التي تقترب فيها معاركه مع القانون من الخطوط الحمراء، والتي يحتاج فيها إلى استنفار جمهوره من خلال ترجمة وعوده له ومنها نبذ الاتفاق.
وإذا كان لتقريب الموعد علاقة بالقمة القريبة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بحيث لا يسرق قرار الاتفاق الأضواء منها، إلا أن الخطير في الأمر أن يكون قرار اليوم برفض الاتفاق مصمماً ليأتي في إطار المقدمات والإشارات المتزايدة عن حرب إسرائيلية – إيرانية في سورية.
سيناريو زاد من احتمالاته عمدة نيويورك السابق رودي جولياني الذي انضم مؤخراً إلى فريق محامي الرئيس ترامب، حيث قال إن “مصير الاتفاق سيكون مظلماً والإدارة تتوقع المزيد من الدمار في الشرق الأوسط”. ثم أضاف أن الرئيس ترامب “ملتزم بتغيير النظام” الإيراني. خطاب حربي واضح على لسان سياسي ينطق عادة بما يعرف ويضمر.
فكتور شلهوب
العربي الجديد