د.سليم محمد الزعنون*
لم يكن قرار ” ترامب” بالانسحاب من الاتفاق النووي مفاجئاً، حيث أن ارهاصات الانسحاب بدأت مبكراً، هذا القرار يضع جميع اللاعبين وتحديداً دول أوروبا وإيران أمام مأزق استراتيجي، وخيارات صعبة، ويهيئة البيئة الدولية والإقليمية لصدام محتمل.
أولاً: الخيارات المتاحة أمام إيران.
قرار الانسحاب من الاتفاق النووي يهدف بالأساس إلى قطع الشريان الاقتصادي لطهران، ويقودها إلى كارثة اقتصادية لا محالة، إذ سيشل حركة البنك المركزي، ومنع حركة تحويل الأموال الدولية، مع تدهور اضافي لسعر صرف العملة، ويُعيد العقوبات على قطاع النفط وما يترتب عليه من عجز كبير في الموازنه، فضلا عن حرمان قطاع المعادن الاستراتيجية من التصدير أو الاستيراد، ولن تتمكن الشركات الدولية من الاستثمار في إيران، في هذا السياق أمامها ثلاثة خيارات:
الأول: التمسك بالاتفاق النووي.
الإستمرار بالاتفاق والتعاون مع الأطراف الأخرى الموقعة عليه، واستبدال صيغة 5+1 بإطار دولي جديد مجموعة 4+1، في محاولة منها لعزل الولايات المتحدة والحفاظ على الصفقة، بيد أن ذلك يعتبر أمراً معقداً بالنظر إلى حجم الضغوط السياسية الداخلية التي يتعرض لها الرئيس روحاني، ورفض مؤسسات النظام المهيمنه لها، إضافة إلى الاضطرابات الاقتصادية وضعف الاستثمارات الأجنبية، ومدى قدرة الدول الأوروبية على الاستمرار بالاتفاق دون الولايات المتحدة.
الثاني: العودة للانتاج النووي.
تصل طهران إلى قناعة بعدم وجود فائدة للبقاء في الاتفاق وتبدأ في خرق القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتعمل على إعادة تصنيعه، في غياب المراقبة الدولية للأمم المتحدة، ومن ثم تقوم بخرق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتطرد المفتشين الدوليين، بيدّ أن طهران تدرك أن أي محاولة لإنتاج سلاح نووي سوف تمنح الذريعة للولايات المتحدة وإسرائيل لشن عمل عسكري واسع ضدها.
الثالث، العودة للتفاوض.
قد يكون أفضل الخيارات أمام إيران العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يتضمن بنوداً أفضل، وبالنظر إلى تشدد مؤسسات النظام، والتجربة الإيرانية في المراوغة بالمفاوضات مع الغرب، فإن هذا الخيار قد يكون متاح على المدى البعيد.
الخيارات المتاحة أمام الدول الأوربية.
قدرة الدول الأوربية الثلاثة محدودة على مواصلة الاتفاق بدون الولايات المتحدة، فالقرار الأمريكي بفرض عقوبات على الدول المتعاونة مع طهران يضعها أمام مأزق الاختيار بين علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية الضخمة مع واشنطن، وبين علاقاتها الاقتصادية المحدودة مع طهران، وبالمقارنة ستختار الشركات الأوروبية أن تبتعد عن طهران خوفاً من فرض عقوبات مؤلمة عليهم أولاً، وتفضيل السوق الأمريكي ثانياً.
نظراً لذلك فإن الموقف الأوربي المتمسك بالحفاظ على الاتفاق النووي لن يظل بنفس الدرجة من التماسك ما لم تقدم إيران حوافز للبقاء على الخط السياسى نفسه، ومن غير المتوقع أن تبقى أوروبا فى مواجهة الولايات المتحدة كثيراً.
ثالثاً: احتمالات التصعيد العسكري.
تدور احتمالات المواجهة بين إسرائيل وإيران، أو السعودية وإيران.
خلال الأشهر الأخير شهد الخطاب والممارسة الإسرائيلية حالة من التطور والانتقال من التهديد إلى الفعل، مصحوباً بالخروج من حالة الغموض إلى الإعلان الصريح عن الهجمات ضد القدرات الإيرانية في سوريا.
الانسحاب الإمريكي من الاتفاق يمنح إسرائيل جرأة أكبر على الاستمرار في هجماتها، بيدّ أن هذه الهجمات ستقتصر على مهاجمة القدرات الإيرانية في سوريا، مع السعي لعدم امتدادها لجبهات أخرى، في المقابل فإن طهران ليس لديها مصلحة في امتداد الحرب على جبهتين سواء حرب لبنان الثالثة أو حرب الشمال الأولى (لبنان وسوريا معاً)، نظراً لذلك ستكون سوريا أرض المعركة بين الطرفين، بما قد يؤدي إلى اندلاع “حرب سوريا الأولى”.
على جانب آخر، الانسحاب الأمريكي من الاتفاق قد يشجع الرياض للرد على أي استفزازت من طهران، ولكن إذا ما اندلعت مواجهة بينهما لن تكون مُتعلّقةً بالسيطرة على الأرض أو تغيير النظام في أي من البلدين، بل سيكون الصراع مُتعلِّقاً بإلحاق الضرر بالآخر لمعاقبته وإجباره على وقف السلوك العدائية، في هذه الحالة ستتدخل الولايات المتحدة لدعم الرياض، ومن الممكن أن تعمل طهران على رفع تكاليف الانحراط الأمريكي من خلال استهداف قواتها البحرية في الخليج، أو استخدام وكلائها لاستهداف القوات الأمريكية في الدول الأخرى، غير أن طهران ستضطر لموازنة مثل هذه الأعمال مع المجازفة بجذب الولايات المتحدة للدخول في حربٍ أوسع.
وفي كلا الحالتين فإن الانخراط الأمريكي في المواجهة سيُشكل العامل الحاسم في أي صراعٍ محتمل بين إيران والسعودية أو إيران وإسرائيل.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية