تشي تحركات قوات النظام السوري، والميليشيات التابعة لها في مناطق متعددة من الجنوب السوري بأن هناك معركة قريبة على أبواب درعا، وسط حديث عن إخفاق المحادثات الأميركية- الروسية، بالاشتراك مع الأردن، في تهدئة الأمور وتجنيب المنطقة أي تصعيد.
ورغم أن هذه التحركات لا تكفي لتأكيد بدء المعركة هناك، إلا أن المنابر الإعلامية التابعة للنظام السوري ولإيران شنت حملة إعلامية منسقة للتلويح بأن خيار الحسم العسكري بات وحيدا بعد تعذر الوصول إلى تفاهمات دولية وميدانية كاملة مع كافة الفرقاء.
وتجزم بعض الآراء بأن المواقف الإقليمية والدولية المرتبطة بمنطقة جنوب سوريا لم تتبدل، بما يعني أن أي معركة ستواجه برد عسكري من القوى المتضررة من أي حرب لا تقوم بالتنسيق الكامل معها. ويرى هؤلاء أن كثرة الحديث عن تحضيرات عسكرية تطلقها منابر دمشق وموسكو وطهران لا تعدو كونها من قبيل التهويل المطلوب لممارسة ضغوط على المتفاوضين داخل الغرف المغلقة.
بعد سيطرته بالكامل على دمشق وريفها في أبريل، بدأ الجيش السوري في نقل تعزيزات إلى مدينة درعا، مهد الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في مارس 2011 قبل أن تحولها التدخلات الخارجية إلى نزاع مسلح. وألقى الجيش منشورات تنذر بعملية عسكرية وشيكة وتدعو الفصائل المعارضة إلى إلقاء السلاح، بالتوازي مع تصعيد إعلامي، تبنته أساسا وسائل إعلام تابعة لإيران. وردت المعارضة السورية باستعراض قوة مماثل معلنة رفضها الخضوع لأي تهديدات واستعدادها للمواجهة العسكرية.
عقدة إيران
نقل عن مصادر دبلوماسية غربية أن الموقف الأميركي مازال متضامنا بشكل كامل مع إسرائيل والأردن لجهة إخلاء المناطق الحدودية من أي وجود إيراني أو أي تحرك للميليشيات التابعة لطهران.
وفيما تتفاوت مسافة العمق المطلوب خلوه من قوات تابعة لإيران ما بين 25 و35 كلم، فإن العقدة الإيرانية مازالت تحول دون تحقيق أي اتفاق في هذا الشأن، خصوصا وأن تلميحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرورة انسحاب كافة القوات الأجنبية من سوريا، قوبلت برد فعل سلبي من قبل عدد من القيادات الإيرانية.
وتعد هذه المسألة حساسة جدا في علاقة موسكو وطهران. لكن، لا يبدو أن بوتين مستعد للذهاب بعيدا في ضغوطه على إيران، لا سيما في جنوب سوريا، دون أن تقدم الولايات المتحدة بالمقابل استراتيجية تضمن مصالح روسيا في سوريا كما في مناطق أخرى في العالم.
وتسعى موسكو لإنجاح اتفاق في جنوب سوريا يعيد إنعاش الاتفاق الذي توصل إليه بوتين مع نظيره الأميركي دونالد ترامب في هامبورغ في يوليو 2017 على هامش قمة العشرين حول قيام منطقة خفض التوتر في جنوب سوريا. وتعتبر موسكو أن إنجاح هذا الاتفاق سيمهد الطريق لإنجاح تفاهمات قد يمكن التوصل إليها في القمة التي قد تجمع بوتين وترامب منتصف يوليو المقبل.
ويقول محللون للشؤون السورية إنه وعلى الرغم من إعلان السفير الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في 1 يونيو الجاري عن التوصل إلى اتفاق كامل في جنوب سوريا بما في ذلك انسحاب القوات الإيرانية، إلا أن هذا الاتفاق لم ير النور وسط ترجيح بأن العقدة الإيرانية لم تحل.
ويضيف هؤلاء أن لا شيء سيدفع القوات الإيرانية أن تنسحب من هذه المناطق دون مقابل يضمن مصالح طهران في الجنوب كما في كامل سوريا، وأن الضغوط التي تمارسها واشنطن منذ قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي تحتاج إلى سنوات قبل أن تطال تأثيراتها الوجود الإيراني في سوريا.
وتقول مصادر إسرائيلية إن الغارات التي تقوم بها إسرائيل ضد مواقع وأهداف تابعة لإيران وحزب الله قد أربكت الوجود العسكري الإيراني في سوريا بحيث بات متقهقرا يتخذ وضعا دفاعيا بعد أن كانت التقارير تتحدث عن خطط إيرانية لتشكيل خطر حقيقي ضد إسرائيل.
غير أن هذه المصادر تعترف بأن هذه الغارات موضعية لا تهدف إلى شن حرب كبرى ضد الوجود الإيراني في سوريا، كما أن غياب الرد الإيراني النوعي هدفه تجنب أي مواجهة واسعة مباشرة ليست في مصلحة طهران. وعليه، فإن الضغط العسكري الإسرائيلي الحالي لن يجبر إيران على التسليم بانسحابها من الجنوب دون مقابل.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، كشفت أن الميليشيات الإيرانية، وميليشيا حزب الله اللبنانية، بدأت بإتباع حيلة جديدة لبقائها في منطقة الجنوب السورية من دون أن يتسبب وجودها باحتكاك مع القوات الإسرائيلية.
موسكو تعتبر أن إنجاح الاتفاق حول جنوب سوريا سيمهد الطريق لإنجاح تفاهمات يمكن التوصل إليها في قمة بوتين وترامب
وقالت الصحيفة، إن الميليشيات حوّلت زي مقاتليها إلى الزي الرسمي للجنود السوريين. وأكدت أن هذه الحيلة ربما سمحت بعودة قوافل عسكرية للميليشيات الإيرانية وحزب الله إلى منطقتي درعا والقنيطرة، بالقرب من هضبة الجولان السورية المحتلة.
تحركات المعارضة
تسيطر فصائل معارضة على 70 بالمئة من مساحة محافظتي درعا والقنيطرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويتواجد تنظيم الدولة الإسلامية في جيب في جنوب غرب درعا. كما ينتشر نحو 500 من مقاتلي حزب الله والمستشارين الإيرانيين في مثلث درعا القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي.
ومقابل التحركات العسكرية للنظام السوري، تعمل قوات المعارضة على تنظيم صفوفها وتحصين مواقعها وتتحضر لخوض المعركة ضد النظام. وتعبر هذه التحضيرات عن عدم تبدل موقف الولايات المتحدة ورفض واشنطن فرض دمشق وحلفائها أي أمر واقع جديد بالقوة العسكرية.
وردا على قيام النظام بالترويج لتوجه أرتاله وتعزيزاته بهدف السيطرة على الجنوب، قررت المعارضة الرد على هذه الحرب الإعلامية بتسيير أضعاف ما سيره النظام. ونقلت مصادر إعلامية للمعارضة أن هناك تواصلا مع قادة الفصائل الأساسية في الجنوب السوري وفي محافظة درعا بشكل خاص، للتنسيق حول أي أحداث قد تطرأ. وأكدت هذه المصادر أن لا تسليم في الجنوب ولا مصالحات.
لا يمكن أن تجري معركة درعا بشكل منفصل عن المشهد الجيواستراتيجي الإقليمي والدولي. وأن التوتر الذي شهدته اجتماعات مجموعة السبع الكبار بين ترامب وشركائه كما الغموض المحيط بما يمكن أن تصل إليه قمة ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة إضافة إلى سعي روسيا للحفاظ على منطقة آمنة ما بين تحالفها مع إيران وعلاقاتها مع واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، تجعل من منطقة جنوب سوريا ميدانا للمناورة السياسية والعسكرية التي لا يسمح الحسم فيها.
كما أن منطقة الخليج ليست بعيدة عن المداولات الجارية بشأن جنوب سوريا. وكان الهدف المعلن من مبادرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عقد اجتماع تشاوري خليجي أردني الأحد في جدة، المعلن الوقوف إلى جانب الأردن ودعمه لمواجهة أزمته الاقتصادية الراهنة، إلا أن الاجتماع كان يرمي إلى تقوية الموقف الأردني على حدوده مع سوريا ودعم خيارات عمان للدفاع عن أمنها الاستراتيجي حيال أي محاولات إيرانية للاقتراب مما يعتبره الخليجيون خطا أحمر يمثل أحد أعمدة أمنهم الاستراتيجي أيضا.
العرب اللندنية