بغداد – بدأت قوات حرس الحدود العراقية في بناء سياج أمني وتشييد أبراج مراقبة على طول الحدود مع سوريا في غرب البلاد، لمنع تسلّل عناصر تنظيم داعش من الأراضي السورية إلى العراق الذي أعلن في ديسمبر الماضي النصر العسكري على التنظيم، لكنّ الأخير ظلّ منذ ذلك الحين ينفّذ هجمات خاطفة في مناطق متفرّقة من البلاد ويوقع ضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين.
وظلّت عملية تأمين الحدود الطويلة مع سوريا وذات التضاريس الصحراوية، مهمّة أمنية معقّدة للدولة العراقية، لكنّها لا تنفصل عن أبعاد سياسية ذات صلة بصراع النفوذ في البلد.
وتولي الولايات المتّحدة التي تقود تحالفا عسكريا كانت له مساهمة كبيرة وفاعلة في هزيمة داعش بالعراق، أهمية بالغة لمنطقة الحدود بين سوريا والعراق التي يمكن أن تكون في حال السيطرة عليها من قبل الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران، نقطة تواصل برّي مباشر بين طهران ودمشق وصولا إلى بيروت.
ومن شأن سيطرة القوات النظامية العراقية بشكل كامل على الحدود مع سوريا أن تجنّب بغداد الحرج إزاء واشنطن التي لا يزال لها تأثيرها القوي في العراق ولا تزال حكومته في حاجة إلى الدعم الأميركي على أكثر من صعيد. وستكون إقامة السياج المذكور مفيدة أمنيا، وسياسيا أيضا في تجنّب الخلاف مع الولايات المتّحدة.
ومؤخّرا قالت فصائل شيعية مسلّحة إنّها تعرّضت لقصف من طائرات مجهولة في منطقة الحدود مع سوريا، متوعّدة بالردّ بعد تحديد الجهة المسؤولة عن القصف.
وخلال الحرب ضدّ تنظيم داعش التي استمرّت في العراق لقرابة الثلاث سنوات، برزت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كقوّة عسكرية وازنة وجيدة التسليح والتنظيم. وحوّلتها مشاركتها الفاعلة في الحرب إلى ما يشبه الجيش الرّديف المكلّف بتأمين سيطرة ميدانية إيرانية في العراق تسند النفوذ السياسي الواسع لطهران في البلد.
وشملت سيطرة الميليشيات الشيعية مناطق سُنّة العراق في شمال البلاد وغربها، بعد أن كان وجود مثل تلك القوات في تلك المناطق أمرا غير متخيّل.
وبيّنت الأحداث التي رافقت مسار الحرب على تنظيم داعش في العراق طموح إيران لاستخدام ميليشيات الحشد الشعبي في تحقيق هدف استراتيجي أكثر أهمية يتمثّل في تأمين خطّ طهران-دمشق-بيروت عبر السيطرة على مناطق غرب العراق ومن ضمنها الحدود مع سوريا، لكنّ تحقيق ذلك الهدف تعثّر مع بروز موقف أميركي حازم ومستعد للذهاب بعيدا في منع الحشد الشعبي من التمركز في تلك المناطق، وفي مناطق أخرى بالداخل العراقي.
استعداد أميركي لاستخدام كل الوسائل لمنع سيطرة الميليشيات الشيعية على المناطق الحدودية بما في ذلك قصف مواقعها
وقبل أيام أبلغت مصادر حكومية رفيعة “العرب” بأن “بغداد تلقت إبلاغا واضحا من قيادة التحالف الدولي، ينص على أنها ستمنع وجود أي قوات تابعة للحشد الشعبي في مناطق التوتر الجديدة”، في إشارة إلى مناطق بمحافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك، كانت قد شهدت خلال الأسابيع الماضية عدّة هجمات دامية من قبل عناصر تنظيم داعش.
وبحسب ذات المصادر فإن “التحالف الدولي طلب إحاطته مسبقا بأي خطط تنوي بغداد تنفيذها في هذه المناطق، لمواجهة الجماعات الإرهابية التي نشطت خلال الآونة الأخيرة”.
وقال مراقبون إن هذه التطورات تعد أبرز المؤشرات على إمكانية لجوء التحالف الدولي إلى تنفيذ غارات على الأراضي العراقية، ضد فصائل موالية لإيران، تحاول الخروج على دوائر النفوذ المرسومة، على غرار ما يتكرر حدوثه في سوريا.
وكان القيادي في الحشد الشعبي أبومهدي المهندس أعلن الأسبوع الماضي أن قوة تابعة للحشد تعرضت إلى غارة أميركية في موقع انتشارها داخل الأراضي العراقية، قرب الحدود مع سوريا، ما تسبب في مقتل عدد من أفرادها، متوعدا الولايات المتحدة بالرد، فيما التزمت الحكومة العراقية الصمت.
وقال المتحدث باسم قيادة قوات حرس الحدود في محافظة الأنبار بغرب العراق، العقيد أنور حميد نايف إن “العمل بدأ منذ عشرة أيّام بوضع سور أمني وهو عبارة عن أسلاك شائكة وأبراج مراقبة على طول الشريط الحدودي مع سوريا”. وأضاف نايف أن هذه هي “المرحلة الأولى التي تمتد على 20 كيلومترا وتفصل بين كل برج وآخر مسافة كيلومتر واحد، مخصصة للمراقبة وصد الهجمات الإرهابية”، مشيرا إلى أن العمل “بدأ من منطقة القائم باتجاه الشمال”، وموضّحا أنّه “سيتم أيضا حفر خندق بعرض ستة أمتار وعمق ثلاثة أمتار، إلى جانب استخدام طائرات مسيرة لمراقبة الحدود بشكل دقيق”.
وفي ما يتعلق بالمناطق المتبقية على طول الشريط الحدودي الممتد على 600 كيلومتر، أوضح نايف أن “لجانا من وزارة الدفاع ودول التحالف الدولي (الذي تقوده الولايات المتحدة) ستقوم بزيارة الموقع لتحديد جدوى السور. وفِي حال نجاح العملية سيتواصل نصب هذا السور على كامل الحدود مع سوريا”.
العرب