ماذا حصل للولايات المتحدة؟

ماذا حصل للولايات المتحدة؟

لم يكن الرئيس ترامب ليصل للبيت الابيض إلا من خلال فتح معركة داخلية أسست لإنقسام عميق في المجتمع الأمريكي. لقد إستنهض ترامب عوامل العنصرية عند قطاع هام من الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء. في هذا إنطلق ترامب من أن مشكلات الولايات المتحدة مرتبطة بالنمو السكاني اللاتيني والمسلم والأفريقي، وانه بسياساته في المجال الداخلي سينجح في إيقاف نمو الديمغرافيا غير البيضاء التي من المتوقع أن تتحول للأغلبية السكانية في العام 2045. هكذا منذ البداية جاء ترامب للبيت الابيض ومعه أغلبية أمريكية نسبية غضت النظر عن مكانة القانون والحقوق والأخلاق والموقف من العنصرية مقابل دعم مرشح قدم وعودا إقتصادية وأخرى ديمغرافية. لكن فوز ترامب ارتبط ايضا بتوفر معلومات مشوشة عن المرشحة المنافسة: كلينتون. إذ تبين ان روسيا لعبت دورا في إختراق أجهزة الحزب الديمقراطي وقامت بتسريب ما وجدته مما أثر على نتيجة الإنتخابات. هكذا، ومنذ لحظة انتخاب ترامب دخلت الولايات المتحدة في دوامة لن تخرج منها طوال عهده.
الحالة الأمريكية الراهنة مقيدة بقضايا ومحاكم تنم عن ضعف إحترام الرئيس للقوانين الأمريكية وتنم عن إمكانية وجود علاقة مع روسيا ساهمت في فوزه في الإنتخابات. فالموقف الاخير الخاص باعترافات ـ (محامي ترامب من جهة وقائد حملته الانتخابية من جهة أخرى) هز عرش ترامب وتحول لمزيد من النزف في قدرة البيت الابيض على ممارسة وظائفه. الواضح الان بأن القضايا ستلاحق ترامب بلا هوادة حتى اليوم الاخير من حكمه. ومن الان حتى نهاية عهد ترامب سيبقى الشعب الأمريكي ضائعا بين الرئيس الذي حقق نتائج إقتصادية وخفف من البطالة وبين الرئيس الذي يصنع الازمات ويتجاوز القوانين ويتحدث بلغة عنصرية لا تراعي التنوع في بلد قام على التنوع.
فهل تلفظ أمريكا ترامب أم تبقيه وتعيد انتخابه وكأن شيئا لم يقع؟ الصراع مفتوح: فالمسؤول الأول عن التحقيق بتجاوزات ترامب هو رئيس الف بي اي السابق روبرت مولر. ومولر هو الشخصية الأهم في هذه الدراما، لأنه يستخدم كل ذكائه ومعرفته وخبراته القانونية في التحقيق. ربما يصح القول بأن المحقق مولر يخوض معركة تاريخية من أجل انقاذ الولايات المتحدة من الإنحدار السريع الذي مهد له ترامب. هذه الاجواء دفعت توماس فريدمان في النيويورك تايمز يوم 28 اب/اغسطس 2018 للكتابة عن الهاجس الأمريكي الراهن. فريدمان يخشى من اندثار الولايات المتحدة وتحولها لدولة شبيهة بروسيا، بل يدعو كل الأمريكيين لحسن الاختيار في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم وذلك لوضع قيود على ترامب وسياساته والإنحدار الأخلاقي الذي يصاحب ترامب محليا وعالميا.
وبينما تزداد المعضلة الأمريكية الداخلية عمقا الا انها متزامنة ومتداخلة مع معضلة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. تطور المأزق الأمريكي على الصعيد الخارجي من قلب حروب الولايات المتحدة ودورها في العالم لحماية أهدافها التي تتضمن الثروة والسيطرة والحراك الإقتصادي المحلي والعالمي. وككل الدول الكبرى فإن الولايات المتحدة عانت من التمدد والتوسع و من تحمل مسؤوليات كبيرة، لهذا كان إنتصارها في الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن العشرين تعبير عن أوج قوتها، لكن وبنفس الوقت عبر ذلك الإنتصار عن بداية تراجعها وإرتباكها. ستؤدي عوامل الانتشار الأمريكي وعوامل نهوض أمم أخرى مع الوقت لإهتزاز الكثير من قدرات الدولة الكبرى الأولى في العالم. لهذا لم يأت ترامب من فراغ. بل جاء في ظل ازمة عالمية تعكس تراجع الولايات المتحدة وإهتزاز صورتها.
لقد عبر ترامب عن سياسة التنصل من المسـؤوليات تجاه العالم (ماعدا اسرائيل) مما جعل آثار هذه السياسة تمتد لأوروبا والصين والمكسيك وكندا وروسيا. لقد أصبح ترامب في مواجهة مع العالم، فهو يهدد الدول، يصطدم مع السياسيين، يفرض العقوبات، يتحدى الامم، ويحول العالم لمكان متخم بالمفاجآت. وهذا يعني ان الدولة الكبرى تمر بلحظة انكفاء، لكنها إنكفاء مصحوب بتهديد وغرور وعدائية. الدولة الكبرى في لحظة تراجع لكنها بنفس الوقت تهدد وتتحدث وكأنها في اوج قوتها وانتشارها. في هذه السياسة ادعاء سيطرة في ظل الإهتزاز، وهذا يفسر طريقة تعامل ترامب مع العالم العربي والقدس وبنفس الوقت طريقة تعامله الجشع مع دول الخليج.
مقاومة سياسات ترامب ليست حدثا أمريكيا فحسب، بل أصبحت حدثا عالميا. فترامب من جهته يفتح كل الجبهات بنفس الوقت. هذا يعني عمليا ان ترامب خلق بذور نزاعات جديدة وعزلة للولايات المتحدة، وهذا بدوره يشجع الصين وروسيا وكذلك تركيا وإيران وغيرها على أخذ مواقف واضحة تجاه سياسات ترامب مع العالم. وكما تريد شعوب العالم أنظمة ديمقراطية ودستورية، فالعالم ودوله في حالة بحث عن توازن دولي ديمقراطي يحدد العلاقات بين الأمم الكبيرة والصغيرة وبين الهيمنة الأمريكية والمقاومين لها. هذه ليست الحرب الباردة، لكنها شكل آخر من تعبيراتها.
العالم يتغير، والدول تزداد جنوحا لحماية إستقلالها من التهور، وآلية البنك الدولي تخيف الدول التي تزداد تورطا بالديون، والعقوبات التي تستخدمها الولايات المتحدة لحل خلافاتها مع الدول بدأت تخلق رغبة لدى الكثيرين لبناء نظام دولي مختلف عن النظام الدولي الأمريكي. العالم لم يعد كما كان، فهناك توازنات دولية جديدة بدأت تفرد لنفسها المساحة.

لم يكن الرئيس ترامب ليصل للبيت الابيض إلا من خلال فتح معركة داخلية أسست لإنقسام عميق في المجتمع الأمريكي. لقد إستنهض ترامب عوامل العنصرية عند قطاع هام من الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء. في هذا إنطلق ترامب من أن مشكلات الولايات المتحدة مرتبطة بالنمو السكاني اللاتيني والمسلم والأفريقي، وانه بسياساته في المجال الداخلي سينجح في إيقاف نمو الديمغرافيا غير البيضاء التي من المتوقع أن تتحول للأغلبية السكانية في العام 2045. هكذا منذ البداية جاء ترامب للبيت الابيض ومعه أغلبية أمريكية نسبية غضت النظر عن مكانة القانون والحقوق والأخلاق والموقف من العنصرية مقابل دعم مرشح قدم وعودا إقتصادية وأخرى ديمغرافية. لكن فوز ترامب ارتبط ايضا بتوفر معلومات مشوشة عن المرشحة المنافسة: كلينتون. إذ تبين ان روسيا لعبت دورا في إختراق أجهزة الحزب الديمقراطي وقامت بتسريب ما وجدته مما أثر على نتيجة الإنتخابات. هكذا، ومنذ لحظة انتخاب ترامب دخلت الولايات المتحدة في دوامة لن تخرج منها طوال عهده.
الحالة الأمريكية الراهنة مقيدة بقضايا ومحاكم تنم عن ضعف إحترام الرئيس للقوانين الأمريكية وتنم عن إمكانية وجود علاقة مع روسيا ساهمت في فوزه في الإنتخابات. فالموقف الاخير الخاص باعترافات ـ (محامي ترامب من جهة وقائد حملته الانتخابية من جهة أخرى) هز عرش ترامب وتحول لمزيد من النزف في قدرة البيت الابيض على ممارسة وظائفه. الواضح الان بأن القضايا ستلاحق ترامب بلا هوادة حتى اليوم الاخير من حكمه. ومن الان حتى نهاية عهد ترامب سيبقى الشعب الأمريكي ضائعا بين الرئيس الذي حقق نتائج إقتصادية وخفف من البطالة وبين الرئيس الذي يصنع الازمات ويتجاوز القوانين ويتحدث بلغة عنصرية لا تراعي التنوع في بلد قام على التنوع.
فهل تلفظ أمريكا ترامب أم تبقيه وتعيد انتخابه وكأن شيئا لم يقع؟ الصراع مفتوح: فالمسؤول الأول عن التحقيق بتجاوزات ترامب هو رئيس الف بي اي السابق روبرت مولر. ومولر هو الشخصية الأهم في هذه الدراما، لأنه يستخدم كل ذكائه ومعرفته وخبراته القانونية في التحقيق. ربما يصح القول بأن المحقق مولر يخوض معركة تاريخية من أجل انقاذ الولايات المتحدة من الإنحدار السريع الذي مهد له ترامب. هذه الاجواء دفعت توماس فريدمان في النيويورك تايمز يوم 28 اب/اغسطس 2018 للكتابة عن الهاجس الأمريكي الراهن. فريدمان يخشى من اندثار الولايات المتحدة وتحولها لدولة شبيهة بروسيا، بل يدعو كل الأمريكيين لحسن الاختيار في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر القادم وذلك لوضع قيود على ترامب وسياساته والإنحدار الأخلاقي الذي يصاحب ترامب محليا وعالميا.
وبينما تزداد المعضلة الأمريكية الداخلية عمقا الا انها متزامنة ومتداخلة مع معضلة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي. تطور المأزق الأمريكي على الصعيد الخارجي من قلب حروب الولايات المتحدة ودورها في العالم لحماية أهدافها التي تتضمن الثروة والسيطرة والحراك الإقتصادي المحلي والعالمي. وككل الدول الكبرى فإن الولايات المتحدة عانت من التمدد والتوسع و من تحمل مسؤوليات كبيرة، لهذا كان إنتصارها في الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن العشرين تعبير عن أوج قوتها، لكن وبنفس الوقت عبر ذلك الإنتصار عن بداية تراجعها وإرتباكها. ستؤدي عوامل الانتشار الأمريكي وعوامل نهوض أمم أخرى مع الوقت لإهتزاز الكثير من قدرات الدولة الكبرى الأولى في العالم. لهذا لم يأت ترامب من فراغ. بل جاء في ظل ازمة عالمية تعكس تراجع الولايات المتحدة وإهتزاز صورتها.
لقد عبر ترامب عن سياسة التنصل من المسـؤوليات تجاه العالم (ماعدا اسرائيل) مما جعل آثار هذه السياسة تمتد لأوروبا والصين والمكسيك وكندا وروسيا. لقد أصبح ترامب في مواجهة مع العالم، فهو يهدد الدول، يصطدم مع السياسيين، يفرض العقوبات، يتحدى الامم، ويحول العالم لمكان متخم بالمفاجآت. وهذا يعني ان الدولة الكبرى تمر بلحظة انكفاء، لكنها إنكفاء مصحوب بتهديد وغرور وعدائية. الدولة الكبرى في لحظة تراجع لكنها بنفس الوقت تهدد وتتحدث وكأنها في اوج قوتها وانتشارها. في هذه السياسة ادعاء سيطرة في ظل الإهتزاز، وهذا يفسر طريقة تعامل ترامب مع العالم العربي والقدس وبنفس الوقت طريقة تعامله الجشع مع دول الخليج.
مقاومة سياسات ترامب ليست حدثا أمريكيا فحسب، بل أصبحت حدثا عالميا. فترامب من جهته يفتح كل الجبهات بنفس الوقت. هذا يعني عمليا ان ترامب خلق بذور نزاعات جديدة وعزلة للولايات المتحدة، وهذا بدوره يشجع الصين وروسيا وكذلك تركيا وإيران وغيرها على أخذ مواقف واضحة تجاه سياسات ترامب مع العالم. وكما تريد شعوب العالم أنظمة ديمقراطية ودستورية، فالعالم ودوله في حالة بحث عن توازن دولي ديمقراطي يحدد العلاقات بين الأمم الكبيرة والصغيرة وبين الهيمنة الأمريكية والمقاومين لها. هذه ليست الحرب الباردة، لكنها شكل آخر من تعبيراتها.
العالم يتغير، والدول تزداد جنوحا لحماية إستقلالها من التهور، وآلية البنك الدولي تخيف الدول التي تزداد تورطا بالديون، والعقوبات التي تستخدمها الولايات المتحدة لحل خلافاتها مع الدول بدأت تخلق رغبة لدى الكثيرين لبناء نظام دولي مختلف عن النظام الدولي الأمريكي. العالم لم يعد كما كان، فهناك توازنات دولية جديدة بدأت تفرد لنفسها المساحة.

شفيق ناظم الغبرا

القدس العربي