قدّم الرئيس الإيراني حسن روحاني تفسيرا رسميا متوقعا للعملية التي قام فيها مسلحون بالهجوم على عرض عسكريّ للحرس الثوري في مدينة الأحواز حين عزاه إلى «كل هذه الدول الصغيرة المرتزقة التي نراها في المنطقة مدعومة من أمريكا»، وكان الحرس الثوري أكثر وضوحا حين اتهم المهاجمين بأنهم مرتبطون بمجموعة انفصالية عربية تدعمها دولتان خليجيتان (وأوردت بعض وسائل الإعلام اسم السعودية والإمارات).
تكفّلت تغريدات لمسؤولين سابقين وحاليين إماراتيين في تأجيج المواقف، ومن ذلك ما كتبه عبد الخالق عبد الله وهو أكاديمي ومستشار سابق لولي عهد أبو ظبي في تغريدة قال فيها إن «الهجوم على هدف عسكري ليس بعمل إرهابي ونقل المعركة إلى العمق الإيراني خيار معلن وسيزداد خلال المرحلة القادمة»، كما قامت ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للدراسات السياسية وعضو الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجي، باعتبار الهجوم «عملا جريئا يشير لتنامي قوة المقاومة الإيرانية الداخلية وتآكل هيبة الحرس»، ما أدى لاستدعاء طهران للقائم بالأعمال الإماراتي، واستهجان مسؤولين إيرانيين التعليقات الإماراتية التي أكدت، حسب رأيهم، تورط أجانب في الهجوم، فيما هدد آخر (رئيس مدينة طهران محسن رفسنجاني) بأن تكون معسكرات الإمارات «هدفا أكثر من مبرر».
سارع المسؤولون الإماراتيون إثر ذلك، وبعد أن أحسوا بسخونة الموقف، إلى نفي ترحيبهم بالهجوم على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش مؤكدا أن «اتهامات طهران لا أساس لها».
جرى العرض العسكري في ذكرى بدء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وفي مدينة ذات غالبية عربية ضمن إقليم كان يسمى عربستان وقامت بريطانيا باحتلاله وإزاحة حاكمه خزعل الكعبي وابنه عبد الكريم وضمه إلى إيران عام 1925، ويبلغ عدد سكانه من العرب قرابة 10 ملايين (كان أغلبهم من الشيعة لكن الكثيرين، 40٪، تسنّنوا «سياسيا» ورفضاً للهيمنة القومية الفارسية)، والإقليم غنيّ بالنفط لكن سكانه يعانون التهميش والإقصاء، كما أنه يتعرض لعملية ممنهجة لتغيير طابعه السكاني حيث انضاف لسكانه قرابة 4 ملايين فارسيّ، وهو ما جعله أحد مراكز الاحتجاج الكثيرة في إيران، بما في ذلك الاحتجاجات التي حصلت نهاية العام الماضي.
تقدّم لتبني الهجوم وادعاء المسؤولية عنه تنظيمان، الأول يسمى «جبهة النضال العربي لتحرير الأحواز» (أي أن أهدافه قوميّة) والثاني تنظيم «الدولة الإسلامية». باتهامهم «الدول الصغيرة المرتزقة» في الخليج، والولايات المتحدة، قام المسؤولون الإيرانيون عملياً برفع سقف الاتهام إضافة إلى إنكار وجود أسباب داخليّة له، وهو أمر متوقع طبعا، ولا تختلف فيه سياسة طهران عن سياسة خصومها المتهمين، فالتفتيش عن متهم خارجيّ هو الوصفة الجاهزة لجميع الأنظمة لتحصين سياساتهم الداخلية وإعلان براءتها التامة من الخطأ.
تأسست الجمهورية الإيرانية إثر ثورة شعبية عارمة، وحملت أفق حلّ لسردية المظلومية التاريخية للشيعة لكنّها تحوّلت، بعد ديناميّة داخليّة وخارجية معقدة، إلى شبيه بالدول التي تخاصمها، وانتهى الحلم الثوري الإسلامي بتأسيس دولة احتكار قوميّ / دينيّ للسلطات يعاني المجتمع من عنفه وتغلّبه على القوميّات والمذاهب والاتجاهات السياسية المختلفة معه، كما تعاني الشعوب العربية المحيطة به من نزعاته «الإمبراطورية» وانحيازه لطغيانات شنيعة (كما هو الأمر في دعم بشار الأسد في سوريا) وأحلاف طائفيّة (كما هو الأمر في العراق ولبنان)، وهو ما يجعل خصومة إيران مع دول استبداد وعصبيّة أخرى مجرّد دوران في حلقة عنف مفرغة.
من المؤكد أن خصوم إيران يتآمرون عليها ويتمنون لها الشر (كما تتآمر عليهم وتتوعدهم)، لكن احتقان المجتمعات الأهليّة فيها واستفحال سطوة الأمنيّ والعسكريّ على الأهليّ والمدنيّ يجعلان أي «مؤامرة» فيها مجرد نبوءة معلنة قابلة للتحقق في الأزمات السياسية الكبيرة، وهو أمر ينطبق أيضا، للأسف، على خصومها من الدول العربية المتهمة.
القدس العربي