غرينلاند وبنما وكندا على جدول أعمال ترامب

غرينلاند وبنما وكندا على جدول أعمال ترامب

لم يكتف ترامب باختيار إدارته من المسؤولين الأمريكيين المشهود لهم بالعنصرية والاستعلاء والغطرسة ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين، ويهدد بتصريحاته المستفزة الشرق الأوسط في الإسراع بالافراج عن الأسرى الإسرائيليين قبل موعد تسلمه سلطاته الدستورية في العشرين من الشهر الحالي. بل امتدت تصريحاته التوسعية إلى أماكن أخرى من العالم. أولًا- الدنمارك: قبل أقل من أسبوعين على عودتة لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في 20 كانون الثاني/ يناير الحالي، عاد دونالد ترامب إلى الحديث عن مقترحه المثير للجدل الذي طرحه عام 2019م، ويتمثل في شراء غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، والتي تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة الدانماركية. مدعيا أن السيطرة على الجزيرة “ضرورة مطلقة“ من أجل الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم”. وإذا رفضت الدنمارك هذا المقترح فإنه سوف يفرض عليها “تعريفات تجارية عالية جدا”. وفي ردها على ترامب أصرت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن، على أن ”غرينلاند ملك لسكان غرينلاند“. وقد قوبلت رغبة ترامب بشراء غرينلاند برفض الاتحاد الأوروبي الذي أكد أن غرينلاند جزء من الدنمارك وعلى الجميع احترام سيادتها ووحدة أراضيها.
ثانيًا- قناة بنما: وقبل بدء ولايته الرئاسية الثانية ، أبدى دونالد ترامب رغبته في استعادة الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على قناة بنما إذا لم يتم تخفيض الرسوم المفروضة على السفن الأمريكية -التي تعد ثاني أهم القنوات المائية الإصطناعية في العالم بعد قناة السويس- التي بنتها الولايات المتحدة الأمريكية واكملت بنائها في عام1914م. ولم تستمر السيطرة الأميركية على إدارة القناة، ففي عام 1979م انتقلت إدارتها إلى لجنة ثنائية امريكية بنمية، وذلك بعد توقيع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر ورئيس بنما الأسبق عمر توريخوس معاهدات تقضي بنقل سلطة مراقبة القناة إلى بنما مقابل منح الولايات المتحدة الأمريكية حق استعمال القوة العسكرية للدفاع عن القناة ضد أي تهديد لحياديتها.  وفي 31 كانون الأول 1999، تسلمت بنما إدارتها بشكل كامل. ولأهميتها الاستراتيجية، لم يستبعد ترامب في اللجوء إلى القوة العسكرية بتحقيق سبيل ذلك قائلًا: “يمكنني أن أقول ذلك.. نحتاج إليهما من أجل الأمن الاقتصادي”. وأضاف “لن أعلن التزامي بذلك، أي عدم القيام بتحرك عسكري. قد نضطر للقيام بأمر ما”. ورد خافيير مارتينيز آتشا، وزير خارجية بنما، بأن سيادة بنما على القناة ”غير قابلة للتفاوض“.
ثالثًا- الدنمارك: لم تقتصر تصريحات ترامب المثيرة للجدل على شراء جزيرة غرينلاند والسيطرة على قناة بنما، وإنما توسعت أيضَا لتشمل كندا، فقد طالب بانضمامها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح الولاية رقم 51. ولم يتأخر الرد الكندي الرسمي على تلك المطالبة ففقد أكد جاستن ترودو رئيس وزراء كندا المستقيل أن ”كندا لن تكون أبدا جزءا من الولايات المتحدة”. كما انتقد جان كريتيان رئيس وزراء كندا الأسبق تصريحات دونالد ترامب قائلا: “إلى دونالد ترامب، من شخص مسن إلى آخر، غير طريقة تفكيرك! ما الذي قد يجعلك تعتقد أن الكنديين قد يتخلّون عن أفضل دولة في العالم – وهذا بلا شك ما نحن عليه – للانضمام إلى الولايات المتحدة؟” بغض النظر عن جدية هذه التصريحات وسعي ترامب إلى تنفيذها عبر القوة الخشنة كاستخدام القوة العسكرية أو بفرض عقوبات اقتصادية أو فرض المزيد من الرسوم الجمركية  وعن دوافعها. فمما لاشك فيه أن تصريحات ترامب لم تلق ترحيبا من تلك الدول، فدولة الدنمارك لم تعرض غرينلاند للبيع كي يسارع ترامب إلى شرائها، ومن غير المتوقع أن تؤثر قناة بنما بشكل سلبي على أمن الاقتصاد الأمريكي كي يعجل من السيطرة عليها. لم يحدث شيىء من هذا القبيل. ولم تتعرض كندا كدولة لأي أخطار وجودية كالتفكك أو الانهيار، ولم يجري الشعب الكندي استفتاء للمطالبة بالانضمام  إلى الولايات المتحدة الامريكية، قد يتفهم المرء هذه التصريحات، لاسيما إذا صدرت من قبل دولة ديكتاتورية وشمولية ولا تحترم حقوق الإنسان كالصين أو روسيا أو كوريا الشمالية لكن أن تصدر من قبل الرئيس القادم للدولة الديمقراطية الأولى في العالم، صعب قبولها. وهي بالمناسبة تعد تصريحات سابقة من نوعها على مستوى رؤساء امريكا، فهو في هذه التصريحات لا يمثل نفسه، وإنما يمثل الدولة الأقوى سياسيا واقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيا في التاريخ المعاصر، وتتناقض تمامًا مع ميثاق الأمم المتحدة. المفترض أن تحمل تصريحات الرئيس القادم الولايات المتحدة الأمريكية حالة من التفاؤل للجماعة الدولية في إنهاء الحروب وحل النزاعات الدولية، لا أن نشاهده أو نسمعه  أو نقرأ تصريحاته يتهدد ويتوعد العالم، هل يُعقل ذلك؟ هذه التصريحات لا توحي بأن الجماعة الدولية في عهد ترامب ستشهد استقرارا وازدهارا عالميا. والأخطر من ذلك، من شأن تلك التصريحات أن تشجع دول أخرى في الجماعة الدولية في الاعتداء على سيادة الدول الأخرى، وأن تعلن أحقيتها بها، وبذلك تفتح الباب للحرائق الإقليمية والدولية في مناطق مختلفة من العالم، لإعادة رسم خرائط جيوسياسية واقتصادية. في الوقت الذي لم يتعافَ العالم بعد من تأثيرات جائحة كورونا، لتتبعها بعد ذلك، الحروب الروسية على أوكرانيا في شباط/ فبراير عام 2022م وتداعيات أحداث 7 من أكتوبر عام 2023م. هذه التصريحات التي تفتقر إلى الدبلوماسية من قبل الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية لا تليق بدولة لديها أفضل نظام سياسي ديمقراطي عرفته الإنسانية منذ قرون، نظام جعل منها الدولة العظمي بدون منافس في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإلى يومنا هذا.
خلاصة القول.. يبدو أن الجماعة الدولية أمام ظاهرة جديدة في السياسية الأمريكية يمكن أن نسميها ” ترامبية”.

وحدة الدراسات الدولية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة