مؤتمر الرياض … احتضان عربي ودعم دولي

مؤتمر الرياض … احتضان عربي ودعم دولي

أياد العناز

بدأت بوادر التغيير السياسي في العاصمة السورية (دمشق) تعطي دلالاتها وتمنح أهميتها في الاحتضان العربي الكبير الذي قامت به المملكة العربية السعودية صباح يوم الأحد 12 كانون الثاني 2025 باستضافتها مؤتمرًا دوليًا إقليمياً عربيًا لبحث الأوضاع الميدانية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، بعد شهر من دخول فصائل المعارضة للعاصمة دمشق وسقوط نظام الاسد وتشكيل حكومة انتقالية دعت إليها الإدارة العسكرية الجديدة.
حُددت مهام المؤتمر بعقد اجتماعيين متتاليين، الأول بين وزراء خارجية الأقطار العربية في (سوريا والاردن ولبنان والعراق ومصر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي)، والثاني يشمل الدول الأوربية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا) وتركيا وممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومعهم الأقطار العربية التي حضرت الاجتماع الأول.
تأتي أهمية عقد هذين الاجتماعيين أنهما سيكونان الركيزة الأساسية لوضع المبادئ الرئيسة للتعامل مع الوضع العام السوري وتحديد الأهداف والمساعي الدولية لتحقيق الاستقرار والأمن المجتمعي وحاجات الشعب السوري للنهوض بعملية البناء والإعمار والإصلاح السياسي والاقتصادي بعد عقود من الاضطهاد والتعسف والظلم وضياع الحقوق الإنسانية والممارسات والوحشية التي ارتكبها النظام السوري السابق.
إن انعقاد المؤتمر الموسع حول مستقبل سوريا برعاية عربية من القيادة السعودية إنما يؤكد الدور الريادي الذي تقوده الرياض نحو مشروع عربي قادم يحقق الغايات والمصالح المشتركة لابناء الشعب العربي ومنظوماته السياسية والاقتصادية، وعبر عن قبول دولي وإقليمي وتعامل مباشرة مع الإدارة الانتقالية في سوريا وتطبيق قواعد التعامل الدبلوماسي مع النظام الجديد وفق القانون الدولي الذي يحكم العلاقات السياسية بين بلدان العالم وإعداد خطة مشتركة لتأهيل سوريا وعودتها لدورها الريادي في الشرق الأوسط واحتضانها عربيًا كونها جزءًا مهمًا وفاعلًا في الدائرة العربية وقرارها وتأثيرها السياسي.
دلالة الاجتماع بصيغته الدولية والغربية إنما تمنح قرارات المؤتمر شرعيته السياسية وفعاليته الاقتصادية ودعوته لرفع العقوبات التي تضمنها (قانون قيصر) واعتبار أن الموجبات التي من أجلها وضعت بنود هذا القانون قد أصبحت لاغية ولا توجد مبررات سياسية لبقائه واستمرار تنفيذ بنوده بعد زوال الأسباب التي شرع من أجلها بسقوط النظام وفرار رئيسه إلى روسيا، وأن الاستجابة لحاجيات الشعب السوري مسؤولية عربية ودولية.
إن تعزيز الخطوات السياسية الداعمة للتغيير السوري لا يتم إلا عبر وسائل وأدوات وبرامج اقتصادية واسعة وكبيرة تدعم الاستثمار المالي في كافة القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية السورية، عبر إعادة إعمار البلاد وتحسين الخدمات الرئيسة وإصلاح البنى التحتية لشبكات الكهرباء والمياه ورفع مستوى الحياة المعيشية ومعالجة الأزمات المجتمعية من البطالة والفقر والعوز التي عانى منها أبناء الشعب السوري طيلة ستة عقود من الزمن.
يعتبر التوجه الدولي نحو إقرار مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضمان حقوق شعبها ومنع أي حالة من الاستهداف الذي يمس أمنها الوطني والقومي ويهدد واستقرارها السياسي والاجتماعي، من أهم ما اتفق عليه في هذا المؤتمر الذي اعتبر انطلاقة حقيقية نحو تحقيق الأمن والسلم العربي والإقليمي في الشرق الأوسط.
وعكس الاهتمام الدولي بحضور المؤتمر، الرؤية السياسية الغربية التي عبر عنها وزير الخارجية البريطاني (ديفيد لامي) بعد لقائه مع اسعد الشيباني وزير الخارجية السوري بقوله (ان بلاده ملتزمة تجاه الشعب السوري وتدعم بالكامل عملية انتقال سياسي بقيادة سورية تؤدي إلى حكومة شاملة غير طائفية وممثلة لجميع الأطياف)، وهذه كانت إحدى الجوانب المهمة لعقد المؤتمر بتحقيق حوار أوروبي سوري مشترك برعاية عربية قادتها المملكة العربية السعودية، والتي أعطت جوانبها الإيجابية في الفهم المشترك لما دار من نقاش واضح وصريح كان أفقه السياسي المستقبلي ما نصح به الوزير البريطاني بقوله (يجب على المجتمع الدولي أن يتحد لدعم الشعب السوري بينما يبني مستقبلًا ديمقراطيًا وبلدًا متنوعًا وحديثًا، نحن متحدون مع شركائنا الرئيسيين من المنطقة وخارجها لضمان حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات، وتحقيق الأمن داخل سوريا والمنطقة الأوسع).
وثَمن المجتمعون الخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية والتزامها بمكافحة الإرهاب وإعلانها البدء بعملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري بما يكفل تحقيق استقرار سوريا وصيانة وحدة أراضيها، وهو الموقف الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا واهتمامًا استثنائيًا الممثلة العليا للاتحاد الاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (كايا كالاس) والتي سبق لها وأن أشارت إلى أن الاتحاد المتكون من(27) دولة قد يبدأ برفع العقوبات عن سوريا إذا اتخذت خطوات عملية جادة لتشكيل حكومة شاملة تحمي الأقليات، وهو نفس الأمر الذي تحقق في مؤتمر الرياض عندما وعدت وزيرة الخارجية الألمانية (أنالينا بيربوك) بتقديم (50) مليون يورو لدعم حاجات الشعب السوري من المواد الغذائية والملاجئ الطارئة والرعاية الطبية، وتوحيد القوى السياسية الأوروبية والدولية لإعادة الإعمار وإجراء حوار سياسي عادل باسم الشعب السوري وتحقيق النجاح الميداني في كافة مجالات الحياة.
إن من أهم الجوانب الأساسية التي حققها مؤتمر الرياض انه أكد اللحمة والانتماء والاهتمام العربي بالقطر السوري ودعم حاجات شعبه، والدعوة التي تبناها المجتمعون برفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا والبدء بتقديم كافة أوجه الدعم الإنساني والاقتصادي وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية مما يهيئ البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والتعبير عن الاهتمام السياسي بدعم عملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية، تحفظ حقوق جميع السوريين وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، مع إبداء قلقهم
بشأن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة، مؤكدين أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها.
إن ما تحقق في المؤتمر الدولي الذي عقد في العاصمة السعودية (الرياض) وما تضمنه من حوارات ومناقشات إنما يؤكد العمق الحقيقي في الاهتمام الواسع الذي يبديه المجتمع الدولي في متابعته التطورات التي حصلت في الميدان السوري وحرصه على متابعة المتغيرات السياسية والإجراءات الميدانية التي أقدمت عليها الإدارة الانتقالية الجديدة بما يؤمن مستقبلاً زاهرًا للشعب السوري.

مركز الروبط للبحوث والدراسات الاستراتيجية