معمر فيصل خولي
اختتم صانع القرار السياسي في طهران عام 2024م، بسلسلة من الهزائم الاستراتيجية، كان آخرها فرار طاغية القرن بشار الأسد في 8 كانون الأول / ديسمبر الفائت. كما استقبل في 9 كانون الثاني/ ينابر الحالى أولى هزائمه الإقليمية. فبعد أكثر من سنتين على الأزمة الدستورية والمتمثلة بالفراغ الرئاسي في لبنان وذلك بسبب تعطيل الثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل، تمكن مجلس النواب اللبناني من انتخاب جوزيف عون رئيسا لجمهورية لبنان.
هذا الاختيار والانتخاب ما كان ليحدث لولا الهزيمة العسكرية القاسية التي مني بها حزب الله من إسرائيل، فلم تكن الهزيمة أحادية النتائج بمعنى خسائر مادية فقط بل تعدت ذلك، لتصل إلى مستوى الخسائر المعنوية شديدة الكلفة، فقد خسر الحزب مجموعة بارزة من قادة الصف الأول عسكريا وسياسيا وأمنيًا وفي مقدمتهم حسن نصر الله الأمين العام للحزب. هذه الخسارة الاستراتيجية لحزب الله هي التي مهدت الطريق لانتخاب جوزيف عون، فلولا تلك الهزيمة لما انتخب مجلس النواب اللبناني رئيسًا للبلاد لا ينسجم مع رؤى حزب الله في الداخل والخارج.
وكما رحبت معظم دول العالم لسقوط بشار الاسد ونظامه القمعي رحبت ايضاً معظم دول العالم بالهيئة الحاكمة الجديدة في سوريا، وانعقاد عدة مؤتمرات لدعم سوريا ما بعد الأسد، انتقلت تلك العدوى الإيجابية إلى لبنان.
فقد لقى انتخاب جوزيف عون ترحيبا عربيا واقليميا ودوليا وامميا في اختياره رئيسا لجمهورية لبنان، وهذا الترحيب يعد بمثابة فرصة استراتيجية لمن أراد اغتنامها واقتناصها وهذا الأمر ينطبق على لبنان، حيث كان سلاح حزب الله من احدى مشكلات لبنان، فقد أشار جوزيف عون في خطابه بعد انتخابه إلى أنه سيعمل لحصر السلاح في إطار الدولة وهذا الحصر ليس مطلبًا لبنانيًا فقط وإنما مطلبًا عربيًا وإقليميًا ودوليًا. فهي مهمة صعبة ولكنها ليست مستحلية.
فما يسمى بمحور المقاومة بقيادة ايران يمر في أصعب حالاته التاريخية وهي فرصة للبنان ورئيسها وللنظام السياسي اللبناني المساند لخيار الدولة الموحدة ومن خلال الدعم العربي والإقليمي والدولي ان يعود لبنان إلى مسار الدولة الطبيعية التي لها الحق الحصري في احتكار القوة المسلحة وألا يكون هناك سلاح خارجها، فهي فرصة للبنان ولكل من يحرص على استقرارها. ومع تمكن لبنان من ضبط هذا السلاح تطوى صفحة مغامرات حزب الله العسكرية، المغامرات التي كلفت لبنان الكثير. عانى
لبنان المعاصر منذ تأسيس دولته في أربعينيات القرن الماضي وإلى يومنا هذا العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي كانت سببًا من أسباب عدم استقراره حيث توصف دولة لبنان في الأدبيات السياسية على أنها الدولة ” الهشة” في بيئة الشرق الأوسط.
وتفاقمت أزمات الدولة اللبنانية مع ظهور حزب الله في المشهد اللبناني أثناء حربها الأهلية ” 1975م-1989م”، ومع تعاظم قوته السياسية والعسكرية وبدعم من إيران أصبح ذراعها الاستراتيجي في لبنان، وأحكم قبضته عليها من خلال تعطيل السلطات الدستورية اللبنانية أو تطويعها لمصالحه ومصالح إيران، والأخطر من ذلك، عمل حزب الله على خطف الدولة اللبنانية، لتصبح رهينة للحسابات الإقليمية والدولية الإيرانية. لكن وبعد عقود من الخطف، وأمام مشهد إقليمي جديد في الشرق الأوسط لعل أبرز معالمه تقهقر محور المقاومة، فالسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سيتمكن جوزيف عون من توظيف هذا المشهد في سبيل تحرير لبنان من خاطفيه؟
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية