في الساعات الأولى من يوم الإثنين، الأول من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت إيران ستة صواريخ أرض-أرض فوق العراق ضد أهداف تابعة “للتكفيريين” في سوريا شرق نهر الفرات مستهدفةً منطقتَي أبو كمال وهجين في محافظة دير الزور، وفقاً لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. وقد استُتبع القصف الصاروخي بضربات جوية باستخدام سبع طائرات “شبح” مسلّحة بدون طيار من طراز “الصاعقة” ضد “مواقع إرهابية وبنى تحتية داعمة لها.”
وكان الهدف من هذه الضربات هو الرد على الأحداث التي وقعت في 22 أيلول/سبتمبر عندما قام مسلحون يرتدون الزي العسكري الموحد بإطلاق النار على عرض عسكري في الأحواز، جنوب غرب إيران، مما أسفر عن مقتل نحو أربعين شخصاً وجرح عشرات آخرين. وقد تبنّى كل من الانفصاليين الأهوازيين (وفقاً للّفظ العربي المحلي لهؤلاء السكان مقابل اللفظ الفارسي) وتنظيم «الدولة الإسلامية» المسؤولية عن الهجوم، على الرغم من أن المتحدثين باسم الأهوازيين نفوا لاحقاً ضلوعهم في الحادثة، بينما عرض الموقع الإلكتروني لتنظيم «الدولة الإسلامية» رسائل فيديو كان قد سجّلها منفّذو الهجوم. وردّاً على ذلك، تعهّد المتحدث باسم «الحرس الثوري» الإيراني في 23 أيلول/سبتمبر بـ “عملية انتقام ساحقة” في المستقبل القريب “داخل المنطقة وخارجها على حدٍّ سواء”، واصفاً الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بـ”الأطراف الرئيسية الداعمة للإرهاب”.
وفي بيانه، زعم «الحرس الثوري» أن الهجوم في الأول من تشرين الأول/أكتوبر تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الأشخاص نفسهم الذين سهّلوا عملية الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر، في الوقت الذي كرر فيه التهمة الإيرانية بوجود صلة بين التنظيم المستهدف والولايات المتحدة و”الطغاة في المنطقة”، مع إشارة هذا النعت لدول الخليج. وأظهرت إحدى الصور التي يُزعم أنها تظهر أحد الصواريخ مثبَّت على منصة الإطلاق، شعارات “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل” و”الموت للسعوديين”. وقد تلتزم إيران بشعارات محض ضد هؤلاء الخصوم الثلاثة إذا بقيت قادرة على استخدام قوتها الصاروخية ضد معارضيها من غير الدول في المنطقة. ومن ناحية أخرى، أكد اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أن هذا الهجوم لا يمثل سوى المرحلة الأولى من العملية، وثمة المزيد من المراحل في المستقبل.
تقييم الأسلحة المستخدمة
وفقاً لوسائل الإعلام الإيرانية، كانت الصواريخ الستة المستخدمة في ما أُطلق عليها بعملية “ضربة محرّم” – كما حدث في الضربة الانتقامية الأولى ضد أهداف تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرق سوريا، وتحديداً في بلدة الميادين في حزيران/يونيو 2017 – من نوعي “ذو الفقار” و”قيام” التي يتراوح مداها 700-750 كيلومتر و 750-800 كيلومتر على التوالي. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن صواريخ “قيام” التي استُخدمت في الهجوم الأخير كانت نسخة محسّنة – كما ظهر للمرة الأولى على شاشات التلفزيون الإيراني منذ بضعة أيام – مزودة بـ “مركبة فصل عائدة مسيّرة ورأس حربي”. ويمكن لصاروخ “قيام-1″، كنقطة مقارنة أساسية، حمل رأس حربي وزنه 747 كيلوغراماً.
ووفقاً لبعض التقارير أُطلقت هذه الصواريخ من القاعدة نفسها التي استخدمت في ضربة الميادين، بالقرب من كرمنشاه، على مسافة 570 كيلومتراً من أهدافها المزعومة. وتجدر الإشارة إلى أن مقاطع الفيديو المصورة بهواتف المتفرجين أظهرت على الأقل انفجار أحد تلك الصواريخ في الهواء بعد فترة وجيزة من إطلاقه، ليصطدم بعد ذلك بالأرض بالقرب من المناطق السكنية. ويدل هذا على المشاكل المستمرة للموثوقية التي تعاني منها ترسانة الصواريخ البالستية الإيرانية.
ومع ذلك، تبقى صواريخ “قيام” و”ذو الفقار” المستخدمة في الضربة من بين أبرز الأنواع المتعددة الاستعمالات في ترسانة «الحرس الثوري» الإيراني. وبما أنها مزودة برؤوس حربية منفصلة، كان يتم التخلص من جسم الصاروخ بشكل تلقائي في منتصف رحلته في مكان ما في الصحراء الغربية العراقية. وقد قيل في الأصل أن صاروخ “قيام” البالغ وزنه ستة أطنان مصمم لاستهداف القواعد الأمريكية ضمن نطاقه الذي يتراوح ما بين 750 و 800 كيلومتراً، ويهدف أيضاً إلى الوصول إلى الرياض انطلاقاً من مواقع آمنة في جبال زاغروس، جنوب غرب إيران.
وفي حين أظهر كل من “ذو الفقار” و”قيام” افتقاره إلى الجدارة الموثوقة واتّصافه بدقة مخيبة خلال الضربة المنفذة في حزيران/يونيو 2017، إلا أن هجوم التاسع من أيلول/سبتمبر 2018 بواسطة ستة صوارخ “فاتح-110” ضد أهداف كردية شمال العراق أظهر تحسناً كبيراً – إن لم يكن ما حدث سوى محض الصدفة – في قصف الغرفة نفسها التي كان يُعقد فيها اجتماع قادة «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» المتمرد. وتعتبر هذه الضربة أقرب ما وصلت إليه إيران حتى اليوم في تنفيذ ما يُعرف بضربة دقيقة بدقة قطع الرؤوس. وفي وقت لاحق، ادّعى مسؤول في «الحرس الثوري» أن مسؤولاً رفيعاً في الاستخبارات السعودية كان حاضراً في ذلك الاجتماع. أما فيما يتعلق بعملية الأول من تشرين الأول/أكتوبر، فقد أشارت طهران إلى أنها جاءت في أعقاب عمل استخباراتي واسع النطاق دام عشرة أيام. ومن المحتمل أن يكون هذا التحقيق قد استند على المواقع المحلية التي عززها الجيش السوري و«حزب الله»اللذان شنّا في عام 2017 هجوماً لاستعادة أبو كمال، المعقل الأخير لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا. ورغم مواجهة تلك العملية مقاومة شديدة، إلا أن القوات السورية والإيرانية تسيطر حالياً على أبو كمال، وبالتالي من المحتمل أنها ساعدت على إيجاد أهداف للضربة.
أما بالنسبة للطائرات المسلحة بدون طيار التي استُخدمت في الهجوم، فإن طائرة “الصاعقة” التي تعمل بالطاقة النفاثة هي نسخة مصغرة عن طائرة “السيمرغ”، التي هي بحد ذاتها نسخة من طائرة الاستطلاع الأمريكية “الشبح” بدون طيار من نوع “آر-كيو-170 سانتينل”. وبالعودة إلى عام 2011، تمكنت إيران من الاستحواذ على طائرة “سانتينل” سليمة نسبياً كانت قد هبطت متحطمةً على الأراضي الإيرانية. وقبل عامين بالضبط، أي في عام 2016، تم كشف النقاب عن طائرة “الصاعقة” وهي تحمل في هيكلها الخارجي أربعة قذائف “سديد” صغيرة القطر موجّهة بنظام كهربائي بصري؛ وبالمقارنة، فإن النسخ المستخدمة في أحدث الضربات السورية كانت قد أقلعت من إيران وهي تحمل على ما يظهر قنبلة ضوئية وحيدة في داخلها. وتتوفر نسخ مختلفة من هذا السلاح، من بينها طائرة مخصصة للعمليات الليلية، سبق وأن استخُدمت جميعها على نطاق واسع في الطائرات الإيرانية بدون طيار من طراز “شاهد 129” فوق سوريا في السنوات الأخيرة. وفي شباط/فبراير 2018، أَسقطت طائرة مقاتلة تابعة لـ “سلاح الجو الإسرائيلي” ما بدا وكأنها طائرة “صاعقة” فوق شمال إسرائيل. هذا ومن المعروف أن “القوة الجوية الفضائية التابعة لـ «الحرس الثوري»” الإيراني تسيّر طائرات بدون طيار من طراز “الصاعقة” و”سيمرغ” من قاعدة الشهيد عبد الكريمي جنوب شرق كاشان. وتقع المسافة البالغة 980 كيلومتر بين هذه القاعدة والأهداف المحتملة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» شرق أبو كمال ضمن نطاق طائرة “الصاعقة” التي تقدر بحوالي 1,000 كيلومتر.
خطوات إيران المقبلة
في أعقاب الضربة الإيرانية على أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية»، لا يزال بإمكان إيران أن تختار، في المرحلة المقبلة من هذه العملية، استهداف التنظيمات الانفصالية الأهوازية عبر محاولة اغتيال قادتها في الخارج، كما فعلت في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 حين اتضح أنها قتلت أحد هؤلاء القادة الذي كان مقيماً في لاهاي. ومن المرجح أيضاً أن تضع إيران نصب عينيها على المعاقل القليلة المتبقية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» شرق سوريا لاختبار صواريخها أو طائراتها بدون طيار بشكل أكبر.
ولم تُحدَّد بعد دقة الهجوم الأخير وفعاليته من خلال إجراء تحليل مستقل. ولكن من خلال قيام إيران بشن هجوم مشترك بالصواريخ وإطلاق طائرات بدون طيار، أرادت طهران إظهار استعدادها وعزمها على الانتقام من أي هجمات ضد أعمدة السلطة وفقاً لتصورها الذاتي. وهذه هي الحالة على الرغم من أنه قد استغرق عشرة أيام للمسؤولين العسكريين من أجل تحديد أهدافهم. وكان الهدف من الخطوة أيضاً استعراض قدرات الردع الهجومية لدى «الحرس الثوري» أمام خصومه في الرياض وأبوظبي.
علاوة على ذلك، إذا نجح «الحرس الثوري» بالفعل في تكرار أدائه في «إقليم كردستان» في شرق الفرات بشكل يمكن التحقق منه، فقد يكون ذلك السيناريو مرعباً للقوات الحليفة للولايات المتحدة ودول الخليج في المنطقة. ومما يبعث على القلق بشكل خاص هو احتمال السماح لحوثيي اليمن المتحالفين مع إيران بتطبيق مثل هذه التقنيات على صواريخهم من طراز “بركان-2 أتش” في نطاق 1,000كيلومتر.
فرزين نديمي
معهد واشنطن