عراقية إيزيدية تتقاسم جائزة نوبل للسلام مع طبيب كونغولي

عراقية إيزيدية تتقاسم جائزة نوبل للسلام مع طبيب كونغولي

اوسلو- فاز دينيس موكويغي، الطبيب النسائي الذي يعالج ضحايا الاغتصاب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والشابة الإيزيدية ناديا مراد التي كانت من سبايا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بجائزة نوبل للسلام الجمعة.

وأعلنت المتحدثة باسم لجنة نوبل النروجية بيريت رايس اندرسن أن الجائزة تكافئ الفائزين على “جهودهما لوضع حد لاستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب”.

ويجسد كلا من موكويغي ومراد برأي اللجنة “قضية عالمية تتخطى إطار النزاعات”، وهو ما تشهد عليه حركة #مي تو” التي أحدثت ثورة في العالم منذ سنة بعد الكشف عن اعتداءات جنسية ارتكبها المنتج الاميركي هارفي واينستاين.

وقالت رئيسة لجنة نوبل إن “دنيس موكويغي وناديا مراد جازفا شخصيا بحياتهما عبر النضال بشجاعة ضد جرائم الحرب والمطالبة باحقاق العدالة للضحايا”.

وأضافت “لا يمكن الوصول الى عالم أكثر سلمية إلا إذا تم الاعتراف بحقوق النساء الاساسية وأمنهن والحفاظ عليهما في أوقات الحرب”.

ومكويغي طبيب تخصص في علاج النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل قوات المتمردين، وأصبح خبيرا ورائدا عالمياً في علاج الأضرار التي تلحق بالنساء اللواتي تعرضن للاغتصاب. وقد حاز في عام 2014 على جائزة سخاروف لحرية الفكر.

طبيب منح الأمل للآخرين
ويعمل الطبيب دينيس موكويغي بلا كلل ودون استسلام للخوف منذ سنوات طويلة في مداواة ولأم جراح النساء ضحايا الاغتصاب في الحرب المنسية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وقبل شهرين ونصف من انتخابات حاسمة في بلده، كافأ حكام جائزة نوبل صوتاً من بين أكثر الأصوات المنتقدة للرئيس جوزف كابيلا، والتي باتت تلقى صدى في الداخل والخارج.

قال الطبيب موكويغي في 2015 للعاملين في مستشفى بانزي الذي يديره في بوكافو عاصمة إقليم كيفو الجنوبي إن “الإنسان يكف عن أن يكون أنساناً عندما يفقد القدرة على بذل المحبة ومنح الأمل للآخرين”.

يبلغ الطبيب موكويغي من العمر 63 عاماً وهو أبن رجل دين ومتزوج وأب لخمسة أبناء. أنهى دراسته في فرنسا في أنجيه ثم عاد إلى بلاده وقرر البقاء فيها في أحلك الأوقات.

عندما اندلعت حرب الكونغو الأولى في عام 1996، دُمر مستشفى ليميرا، الذي تدرب فيه قبل سفره إلى فرنسا، بالكامل. وبعد تخصصه في أمراض النساء والتوليد في فرنسا، عاد إلى ليميرا في عام 1989 ليعيد إحياء قسم أمراض النساء.

حرب على أجساد النساء
وفي عام 1999 أسس الطبيب موكويغي مستشفى بانزي الذي صمم ليسمح بتسهيل عملية الولادة على النساء وسرعان ما أصبح المركز عيادة للاغتصاب مع غرق كيفو في رعب حرب الكونغو الثانية (1998-2003) وجرائم الاغتصاب الجماعي.

هذه “الحرب على أجساد النساء” كما يسميها الطبيب، لا تزال مستمرة اليوم. “في عام 2015 لاحظنا تراجعاً كبيراً في العنف الجنسي، ولكنها عادت للارتفاع منذ نهاية 2016 – 2017″، قال الطبيب في مقابلة مع وكالة فرانس برس في مارس.

وقالت أوروبية عملت معه عدة سنوات في بانزي إنه رجل مؤمن ويمارس عمله “بهدى من قيمه ولا يعرف الاستسلام”.

ونظراً لنضاله من أجل إعادة الكرامة لنساء كيفو، يُعد متحدثاً بلسان ملايين المدنيين الذين تهددهم المجموعات المسلحة أو عصابات الإجرام في كيفو الغنية بمعدن الكولتان المستخدم في صناعة بطاريات السيارات ويدخل في صناعة الأجهزة الإلكترونية.

وهو نفسه مستهدف ونجا في أكتوبر 2012 من محاولة اغتيال. وبعد قضائه فترة قصيرة في أوروبا، عاد إلى بوكافو في مطلع 2013.

وهو يسافر مرتين في السنة وخصص هذه السنة إحداهما لزيارة العراق للاطلاع على أحوال الأيزيديات ضحايا الاغتصاب. عدا عن ذلك يقيم في مؤسسة بانزي تحت الحماية الدائمة لبعثة الأمم المتحدة في الكونغو.

يقول الطبيب في مستشفى بانزي ليفي لوهريري عنه “إنه رجل مستقيم ونزيه لكنه لا يتساهل مع أي إهمال ويسعى لأن يجعل من بانزي مركزاً مرموقاً يتمتع بالمعايير الدولية المعترف بها”. وتتلقى مؤسسته التمويل من الاتحاد الأوروبي.

من عبودية الجهاديين إلى الفوز بنوبل للسلام
غراف

في الخامسة والعشرين من عمرها، انتصرت ناديا مراد على أسوأ الحقبات التي مر بها أيزيديو العراق حتى صارت متحدثة بارزة في الدفاع عن تلك الأقلية.

كانت مراد، صاحبة الوجه الشاحب والشعر البني الطويل، تعيش حياة هادئة في قريتها كوجو على أطراف قضاء سنجار معقل الأيزيديين في منطقة جبلية في شمال غرب العراق على الحدود مع سوريا.

تغيرت حياة مراد عندما بدأت رحلة ظلام، بعد اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية لبلدتها في أغسطس 2014، حين تعرض أبناء ديانتها من رجال ونساء، كانت هي من بينهن، وتحولن إلى ضحايا الرق الجنسي من قبل الجهاديين.

ستولى الجهاديون آنذاك على مساحات شاسعة في شمال العراق وغربه، إثر هجوم كاسح انهار على إثره الجيش العراقي، وارتكبوا مجازر طالت غالبية الأقليات.

وكان عدد الأيزيديين في العراق يبلغ 550 ألف نسمة قبل دخول تنظيم الدولة الإسلامية، هاجر نحو مئة ألف منهم، فيما فر آخرون إلى إقليم كردستان العراق الشمالي.

لم تتوقف مراد حتى يومنا هذا، كما هي حال صديقتها لمياء حاجي بشار، التي حصلت معها على جائزة “ساخاروف” لحرية التعبير من البرلمان الأوروبي في العام 2016، عن التذكير بوجود أكثر من ثلاثة آلاف أيزيدي مفقود، ربما لا يزالون أسرى لدى داعش.

في منتصف سبتمبر 2016، عينت مراد سفيرة للأمم المتحدة للدفاع عن كرامة ضحايا الاتجار بالبشر، وخصوصا ما تعرض له الأيزيديون.

تعذيب واغتصاب وإجبار على اعتناق الإسلام
خطفت مراد من قريتها ثم نقلت إلى مدينة الموصل معقل تنظيم الدولة الاسلامية حينها، وكانت بداية كابوس دام لأشهر بعدما تعرضت للتعذيب والاغتصاب الجماعي قبل أن يتم بيعها مرارا بهدف الاستعباد الجنسي.

أرغمها التنظيم المتطرف أيضا على التخلي عن ديانتها الأيزيدية التي يعتبرها كفرا وعبادة للشيطان.

وتعود الديانة الأيزيدية إلى آلاف السنوات، حين انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، فيما يقول البعض إنها خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزرادشتية والمانوية.

وفي أحد خطاباتها أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، تحدثت ناديا عن “زواجها” من أحد خاطفيها الذي كان يضربها ويرغمها على التبرج وارتداء ملابس تبرز مفاتنها.

بعيد ذلك، قررت الهرب، وبمساعدة أسرة مسلمة من الموصل كانت تقيم عندها، حصلت ناديا على هوية سمحت لها بالانتقال إلى كردستان العراق.

وبعد هربها، عاشت الشابة التي تقول إنها فقدت ستة من أشقائها ووالدتها في النزاع، في مخيم للاجئين في كردستان حيث اتصلت بمنظمة تساعد الأيزيديين اتاحت لها الالتحاق بشقيقتها في المانيا.

وبعد وصولها إلى ألمانيا قررت مراد الدفاع عن الأيزيديين، وتدعو مرارا إلى تصنيف الاضطهاد الذي تعرض له الأيزيديون على أنه “إبادة”. قالت مراد أمام نواب أوروبيين بعد تسميتها سفيرة أممية لكرامة ضحايا الاتجار بالبشر، إن الجهاديين “أرادوا المساس بشرفنا، لكنهم فقدوا شرفهم”.

الكفاح جمعنا

تقول مراد إنها من ألمانيا تقود “كفاح” شعبها. ومن أجل تلك القضية، جمعت حليفات كثيرات، من بينهن أمل كلوني، المحامية البريطانية اللبنانية الأصل والمدافعة عن حقوق الإنسان، والتي قدمت كتاب مراد “لكي أكون الأخيرة”، الذي صدر باللغة الفرنسية في فبراير. وقبل عام تماما، تعهد مجلس الأمن الدولي، بمساعدة العراق على جمع أدلة على جرائم تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن لـ”كفاح” ناديا مراد مفاجآت سعيدة أيضا، ففي 20 أغسطس، أعلنت الشابة في تغريدة عبر حسابها على تويتر، خطوبتها من ناشط آخر مدافع عن القضية الأيزيدية يدعى عابد شمدين. وكتبت مراد حينها أن “الكفاح من أجل شعبنا جمعنا، وسنواصل هذه الرحلة سويا”.

تحت تلك الكلمات، أرفقت مراد صورة، تظهر خطيبها وهو يضع يده على كتفيها، ولا يزال شعرها البني طويلا يغطي وجهها الذي تعلوه هذه المرة ابتسامة عريضة.

العرب