يبدو أن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية آخذ في الانهيار، وما سيأتي عقب ذلك يمكن أن يكون شديد التقلب، لا سيما فيما يخص الشركات الكبرى. فلا ريب أن الشركات متعددة الجنسيات (مثل: شل، وجنرال إلكتريك) كوّنت منذ زمن بعيد خبرة في الجغرافيا السياسية، لكن شدة القلق من انعدام الاستقرار العالمي بات الآن أعلى منها عن أي عهد قريب.
ففي عام 2013، عيّنت شركة “كولبرغ غرافيس روبرتس”، عملاق الاستثمارات في الأسهم الخاصة، الجنرالَ المتقاعد ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق، ليترأس مجلس إدارة معهدها العالمي الذي تستنير به القرارات الاستثمارية التي تتخذها الشركة. وفي مطلع هذا العام، تولى السير جون سويرز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني “إم 16″، منصب رئيس مجلس إدارة شركة “مايكرو أدفايزوري بارتنرز” التي تقدم المشورة للشركات والحكومات حول الجغرافيا السياسية.
الاستخبارات تغزو الشركات
وفي هذا السياق، ترى كرستيا فريلاند، مديرة ورئيسة تحرير قسم أخبار المستهلكين في طومسون رويترز، في تقرير لها نشرته مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية في عدد مايو 2015، أن هذَيْن التعيينَيْن يُعدان بمثابة مثال بارز على اتجاه أوسع كثيرًا وهو أن عددًا متزايدًا من الشركات بدأ يوظّف اختصاصيين في العلوم السياسية، ويستهل اجتماعات مجالس إدارته بإحاطات جغرافية سياسية، ويلتمس مشورة الدبلوماسيين ورؤساء أجهزة الاستخبارات والزعماء العسكريين السابقين.
يقول دومينيك بارتون، المدير التنفيذي لشركة ماكنزي: “كانت السنوات الثلاث الأخيرة قطعًا بمثابة صيحة نبهّت الشركات إلى الجغرافيا السياسية. لم أر شيئًا كهذا من قبل. لا أظن أنني رأيت مثل هذا التقلب منذ الحرب العالمية الثانية”. وأضاف بارتون بقوله: إن معظم الشركات لم تنسحب بشكل جدي عن التشغيل المعولَم، “لكنها تقول في نفسها: يا إلهي! ماذا بعد؟”.
من جهته، يقول أيان بريمر، مؤسس شركة “أوراسيا غروب” التي تقدم المشورة للشركات بشأن القضايا الجغرافية السياسية، إن إقناع الشركات بقيمة الخدمات التي تقدمها شركته كان يمثل تحديًا حتى وقت قريب، مضيفًا: “كانت هناك درجة من التشكك بين كبار المسؤولين التنفيذيين. كانوا يقولون في أنفسهم: هذا موضوع مثير، ومن الممتع أن يتحدث المرء عنه، لكن هل هو مهم لشركتي؟” لكن الشركات لم تعد تقول هذا مجددا. “لم نعد مضطرين إلى تقديم المسوّغات التجارية التي تُبرز أهمية ما نفعله ووثاقة صلته بالأعمال”.
أما الأسباب فهي واضحة، بحسب كرستيا فريلاند، فقد ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، وظهر تنظيم متطرف نصّب نفسه دولة (داعش) في الشرق الأوسط، وازدادت الاضطرابات التي تشهدها المنطقة عمقا. والخطاب الصيني صار خطاب حرب. وتجربة منطقة اليورو تشهد تعثرًا
.
الأعمال والجغرافيا السياسية
:
وترى كاتبة المقال أن التركيز المتزايد من جانب الأعمال على الجغرافيا السياسية مدفوع في جوهره بتحول جذري. فعندما انهار جدار برلين، دخلنا عالمًا يشهد حدوث شيئَيْن كبيرَيْن من منظور مديري الشركات الغربية. فالأول هو العولمة، حيث كان المزيد والمزيد من سكان العالم ينضمون إلى اقتصاد عالمي شديد التشابك تحكمه إلى حد كبير القواعد والمؤسسات الغربية.
أما الاتجاه الثاني، وهو وثيق الصلة بالأول، فكان تحرك المزيد والمزيد من البلدان، بسرعات متفاوتة، نحو ديمقراطية السوق. يمكن أن تعتبره مزيجًا من “عالم مسطح” و”نهاية التاريخ والإنسان الأخير”. بدا أن عصرًا ذهبيًّا قوامه “الأسواق الحرة والناس الأحرار”، كما يقول شعار “وول ستريت جورنال”، بدأت تشرق شمسه حول العالم.
كانت نتيجة طبيعية مهمة لهذه الافتراضات المفرحة هي اعتقاد أننا سنكف عن الاقتتال، فيما نصير جميعًا أغنى وأقرب إلى بعضنا بعضًا. ومن هنا جاءت نظرية “الأقواس الذهبية” لسنة 1999 التي وضعها توماس فريدمان ويقول فيها: “ليس هناك بَلَدان لدى كليهما مطاعم ماكدونالدز خاضا حربًا ضد أحدهما الآخر منذ أن صار كلٌّ لديه مطاعم مكادونالدز
“.
فرص ومخاطر:
كانت هذه الاتجاهات تنطوي على فرص جديدة هائلة للشركات، وفي مقابل مخاطر تبدو ضئيلة. وخير ما يلخص الكسب العظيم المتوقع من وراء العولمة تلخيصا لا ينسى ذلك الاختصار الذي صاغه جيم أونيل، كبير الخبراء الاقتصاديين آنذاك في غولدمان ساكس، في عام 2001 والذي جعله “سوبر ستار” في دنيا الأعمال. هذا الاختصار هو “بريك” (BRIC)، والكلمة تُشير إلى بلدان الأسواق الصاعدة (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) التي كان أونيل يعتقد أن اعتناقها اقتصاد السوق العالمية واحد من أهم التحولات في زمننا، وسيحقق ثروات لقادة الأعمال الأذكياء في غضون ذلك.
وقد كُوّنت ثروات بالطبع منذ ذلك الحين، وصار العالم أكثر تكاملا على المستوى الاقتصادي. ونوعت الشركات الغربية عملياتها عالميًّا لتحقق كفاءات التكاليف، وتخدم أسواقًا جديدة. وكانت مأساة 11 سبتمبر والفوضى الدموية التي عمت الشرق الأوسط تذكرتَيْن مؤلمتَيْن بأن العالم لم يصل بعد إلى مثال نهاية التاريخ. لكن هذَيْن الحدثَيْن كانا أقل أهمية مما قد يظنه المرء بالنسبة لافتراضات الشركات متعددة الجنسيات الضخمة واستراتيجياتها، بحسب التقرير.
شكل يوضح كيف أعادت العولمة صياغة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الاقتصادي، حيث ارتفعت دخول الطبقة الوسطى في الأسواق الصاعدة، وانخفضت في الأمم الصناعية. المصدر:
Lakner and Milanovic, “Global Income Distribution: From the Fall of the Berlin Wall to the Great Recession,” World Bank, Dec. 2013.
لفتت كرستيا فريلاند النظر إلى أن ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وحربها الهجينة في شرق أوكرانيا، أمران مختلفان. فروسيا، وهي دولة مسلحة نوويًّا وقوة عظمى سابقة، كانت تمثل حرف الراء في اختصار “بريك”، وكانت عضوًا في مجموعة البلدان الثمانية أيام أن كانت ما تزال موجودة، كما كانت -وفقًا لصندوق النقد الدولي- ثامن أكبر اقتصاد في العالم في عام 2013 (جاءت مصر في المركز 40، والعراق في المركز 46، وليبيا في المركز 70).
علاوةً على ذلك، فإن ميل روسيا إلى ضم الأقاليم التي كانت سابقًا تحت سيطرتها أفسد ما هو أكثر بكثير من مجرد اعتقادات ما بعد الحرب الباردة المليئة بالأمل في التحديث والتقارب، وقد أحدث هذا خللا حتى في الافتراضات التي تلت اتفاقيات هلسنكي لسنة 1975. رتّب هذا الميثاق التاريخي تسوية توافقية سلمية، وفوق هذا حدودًا مستقرة للغرب واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، الذي كان ملتزمًا التزامًا ثابتًا بمجاله الاقتصادي والأيديولوجي المنفصل. ويبدو الآن أننا عائدون في اتجاه عصر مترنيخ الذي كان فيه القوي دائمًا على حق، وبدلا من نهاية التاريخ، صرنا نتعرض لثأر هذا التاريخ، على حد قول كرستيا فريلاند.
الديمقراطية الرأسمالية:
وأوضح التقرير أنه ربما تكون أطروحة نهاية التاريخ صحيحة من منظور فكري، وتعتقد كرستيا فريلاند أن الديمقراطية الرأسمالية أثبتت أنها الرؤية الكونية المقنعة الوحيدة التي تتناول كيف نحيا الحياة الطيبة. لكن النظام العالمي المستقر الذي افترض كثيرون منا أن هذه الأطروحة تنبأت به لم يوجَد.
وهذا لا يعني أن عصر العولمة أو عصر الشركة متعددة الجنسيات قد ولّى، على حد قول كرستيا فريلاند. فعلى الرغم من إعلان إكسون موبيل عن تكبّدها خسارة مقدارها مليار دولار نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فإنها عكفت على شراء حقوق تنقيب روسية طويلة الأجل، وذلك في مراهنة منها على أن البلد في نهاية المطاف سيعود إلى حظيرة الاقتصاد العالمي. لكن بعض الشركات بدأت ترتاب في اتساع عملياتها وتعرضها لانعدام الاستقرار الإقليمي، حتى في أماكن لم تشهد مؤخرًا أي اضطراب.
شكل يوضح توقعات زيادة الطبقة الوسطى العالمية إلى أكثر من مثليها على مدى الخمسة عشر عامًا المقبلة، مع تركّز غالبية ذلك النمو في اقتصادَي الصين والهند الناميين. وفيما يعتري الركود الاقتصادات الغربية، يكون توازن القوة العالمية مهيأ لتحول شديد. (ربما لا يساوي مجموع النسب المئوية 100 نظرًا لاستخدام التقريب). المصدر:
Kharas and Gertz, “The New Global Middle Class,” in China’s Emerging Middle Class, 2010
الحقيقة أن إحدى النتائج المترتبة على تطور الاقتصاد نحو الانفتاح والترابط الوثيق، هي أن الدول تستطيع الآن نشر أسلحة اقتصادية أشد قوة ضد إحداها الأخرى، وذلك على نحو يسفر أحيانًا عن خسائر كبيرة في القطاع الخاص.
وساق التقريرُ مثالا واضحًا على هذا هو آمي باسكال، رئيسة شركة سوني بيكتشرز للإنتاج السينمائي، التي أُجبرت على الاستقالة بعد أن أثار فيلم كوميدي يسخر من الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون عملية قرصنة شديدة الإحراج ضد رسائل الشركة الإلكترونية وبياناتها السرية. وهناك مثال آخر وهو الشركات الغربية، من قبيل إكسون، التي جمّدت أنشطتها الروسية المتنامية بفعل العقوبات المالية والاقتصادية، وهي نوعية التدابير التي وصفها تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في مطلع هذا العام بأنها “الطائرات دون طيار المستقبلية، بمعنى أنها أسلحة دقيقة الاستهداف يمكن نشرها لتحقيق تأثير مدمر”.
وأشار التقرير إلى تضرر العديد من شركات النفط الغربية، بما فيها شركة “بي بي”، التي تملك حصة نسبتها 20 في المائة في شركة النفط الروسية “روسنفت” التي يترأسها إيغور سيشين المقرب من بوتين والتي فُرض عليها بعض أشد العقوبات. ومثلها كان الحال مع الشركات الصناعية، مثل سيمنس وجنرال إلكتريك، اللتين سبق أن توسعتا بشراسة في روسيا. فالشركات التي ربما افترضت أنها تقوم نوعًا ما بدور السفير، وتعمل من أجل تحقيق المصالح الواسعة ذاتها التي تعمل من أجلها حكوماتها الغربية؛ تضررت بقسوة، لا من العدوان الروسي فحسب، بل أيضًا من رد الفعل السياسي من جانب الغرب.
عدم استقرار الأعمال:
يستبدُّ القلق بالمنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يُعتبر اجتماعه السنوي الذي يُعقد في مدينة دافوس السويسرية ملتقى للرابحين من العولمة. فقد أبدى تقريره الأخير تجدد الشعور بالقلق بين المديرين التنفيذيين الدوليين “فيما تشتد حدة التوترات بين القوى الكبيرة، صارت الشركات العالمية التي كانت ذات يوم تعتبر نفسها سادة الكون تشعر الآن كما لو كانت بيادق في لعبة ليس لها إلا أدنى سيطرة عليها”.
وتذكّر هذه الأوضاع قادة الأعمال بالأسواق والقوى العاملة العالمية التي اعتنقتها بحماس شديد على مدى العقود الثلاثة الماضية، وإلى أي مدى هما مركّب سياسي. فهما لم يوجدا إلا بفضل النظام الجغرافي السياسي الذي أقامه الغرب لنفسه بعد الحرب العالمية الثانية، وانضم إليه الاتحاد السوفيتي السابق والصين ودول “بريك” الأخرى بعد سقوط جدار برلين.
وتُشير العدوانية الهادرة التي تتسم بها روسيا الآفلة، وإعادة التشكيل الفوضوية للشرق الأوسط؛ إلى أن هذا النظام الجغرافي السياسي بدأ يبلى. وهذه الأحداث ذاتها جعلت بعض المراقبين ينظرون من منظور جديد إلى الصعود المتواصل الذي تشهده الصين، وهي البلد الذي يجسّد كأوضح ما يكون بُشرى الأعمال التي تحملها العولمة، وإن كانت أيضًا بلدًا متناقضًا إزاء القوة الغربية، ومتزايد العدوانية تجاه جيرانه في منطقة المحيط الهادي.
وقد وصف أيان بريمر هذه الأزمنةَ بأنها “فترة من الدمار الخلاق الجغرافي السياسي، بمعنى أن الغراء الذي يُبقي على العالم متلاحمًا لم يعد لاصقًا”. فنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الجغرافي السياسي آخذ في الانهيار، ولا نعرف بعد ما الذي سيأخذ مكانه. قال بريمر: “آخر مرة حدث فيها هذا كان في نهاية الحرب العالمية الثانية. مستوى المخاطر الجغرافية السياسية الناتج عن هذا الانتقال، الذي بالكاد بدأ، سيكون يقينًا شيئًا جسيمًا”.
وتقول كرستيا فريلاند: “مع ازدياد تشابك الاقتصادات الوطنية، تطور أيضًا مصدر ثانٍ لعدم استقرار الأعمال، أو على الأقل لعُسر الأعمال، وإذا لم يعالَج فسيكون مثار اضطراب أكثر من سابقه. ففي عام 2004، أعلن بن برنانكه عن أننا نعيش في عصر الاعتدال العظيم: “إن من بين أبرز ملامح المشهد الاقتصادي على مدى السنوات العشرين الماضية، أو نحو ذلك انخفاض كبير في التقلب على مستوى الاقتصاد الكلي”.
لم يعد الأمر كذلك، على حد قول كرستيا فريلاند، فبعد مرور حوالي سبع سنوات على الأزمة المالية العالمية، ما زالت الاقتصادات الصناعية الغربية تصارع من أجل النمو، وحتى البلدان التي تشهد نموًّا في ناتجها المحلي الإجمالي تُخفق في زيادة دخول طبقتها الوسطى وتوفير وظائف كافية لأبناء هذه الطبقة. ففي أوروبا نجد أن التعبير السياسي عن هذه الضائقة الاقتصادية هو صعود أحزاب راديكالية على اليسار وعلى اليمين. وأما في الولايات المتحدة، فنجد أن التعبير السياسي عنها هو الاستقطاب والتأزّم. كفاحات الطبقة الوسطى في الأمم الثرية لا يمكن أن تعزى إلى العولمة وحدها، لكنها ليست منبتّة الصلة عنها أيضًا.
يقول دومينيك بارتون، المدير التنفيذي لشركة ماكنزي: “أرى أن فترة العشرين أو الثلاثين سنة هذه سينظر إليها كفترة مدهشة بمعنى الكلمة في غضون 300 سنة”، وذلك في إشارة منه إلى السنوات الخمس الماضية والعقدَيْن المقبلَيْن. “يتساءل الناس: كيف يعمل النظام الرأسمالي؟ وهل هو صواب؟ وهل الديمقراطية صواب؟ هناك أناس كثيرون يطرحون أسئلة مهمة”. هذه الأنواع من الأسئلة، التي كان مجال اهتمام حركة “احتلوا وول ستريت”، بدأت تُتداول الآن بين نخبة دنيا الأعمال.
لقد بنى مديرو شركات هذه الأيام حياتهم المهنية في عصر الحكمة المستلهمة من ميلتون فريدمان، والتي تقول: “شأن الأعمال هو العمل”، ونظرية مايكل جنسين القائلة بأن تعظيم ثروة المساهمين هو كل ما ينبغي أن تُعنى به الشركة. لقد زادت الثورة التكنولوجية، وروح وادي السيلكون التحررية التي رافقتها، من قناعة الشركات بأن ما يهم هو القطاع الخاص وجعله يعمل، وأما الشأن السياسي والسياسات العامة فهما أمران ثانويان.
هذا لا يعني أن الأعمال كفت عن محاولة التأثير على قرارات سياسية معينة، بل على العكس تمامًا. ومع ذلك فكما وثَّق مارك إس. ميزروكي، أستاذ على الاجتماع في جامعة ميتشغان، في كتاب “تحطيم نخبة الشركات الأمريكية” (The Fracturing of the American Corporate Elite) المنشور في عام 2013، فإن قادة الأعمال في العقود الأخيرة تنحوا عن الانخراط الأوسع في قضايا زمننا السياسية الكبرى.
تراجع الثقة في المؤسسات الكبرى:
واستدركت كرستيا فريلاند بقولها: “لكن قوى العولمة خلقت ضغوطًا في الداخل لم يعد بإمكان الشركات أن تتجاهلها باطمئنان. وأحد أعراض حقبة التغيير التي نعيش فيها هو تضعضع الثقة في المؤسسات الكبرى، وعلى رأسها الشركات”. ففي عام 2015، وجدت شركة العلاقات العامة “إيدلمان” أن الثقة في قطاع الأعمال تراجعت بشكل واسع للمرة الأولى في 2008، حيث هبطت في 16 من 27 بلدًا شملها استقصاء الشركة السنوي للثقة.
وفيما نتلمّس طريقنا نحو نظام محلي ودولي جديد، ترى كرستيا فريلاند أن الشركات الناجحة هي التي ستعترف بحقيقة بديهية كان ينبغي أن تكون واضحة منذ البداية، وهي أن الأعمال والسياسة في الواقع لا ينفصمان، وأن هذه الأخيرة تجعل ازدياد التكامل الاقتصادي أقل تيقّنًا مما قد يتمناه قادة الأعمال. ولا ينبغي على الشركات أن تأخذ هذا في اعتبارها دوليًّا فحسب، بمعنى أن تخطط جيدًا للطوارئ، بل عليها أيضًا أن تُثبت أنها مهتمة بالصالح الأعم أينما عملت، وأنها لا تقتصر في عملها على تحقيق مصلحتها الخاصة الضيقة.
لقد أُثر عن مارغريت تاتشر قولتها الشهيرة: “لا يوجد شيء اسمه مجتمع”، مجادِلة بأن الأفراد ينبغي أن يعتنوا أنفسهم بأنفسهم. ربما كانت تلك هي الرسالة الصحيحة فيما يخص العقد الذي انتهى بسقوط جدار برلين، وأما في يومنا هذا، وفي ظل حالة السيولة التي اعترت نظام ما بعد الحرب الباردة العالمي بأكمله مؤخرًا، فقد عاد المجتمع، ولا بد من أن تعترف الأعمال بذلك، بحسب التقرير.
كرستيا فريلاند
عرض: طارق راشد عليان – باحث علوم سياسية.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية