ان النهضة الأدبية الحديثة التي عمت العالم العربي ومن ضمنها “العراق” منذ القرن التاسع عشر نتيجة اللقاء بين الشرق والغرب اثر حملة نابليون على مصر فكان مولد الصحافة العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص . فالصحافة هي السلطة الرابعة و اداة جهاد ووسيلة حرب ونضال فكري بالكلمة الحرة حيث صرفت جهودها الى اثارت النفوس وايقاض الهمم وقد حاربت الصحافة العراقية الجهل والفقر والامية ، ثم ناضلت لتحرير الامة حيث طالبت بالإصلاح السياسي والاجتماعي وحاربت الطغيان والعدوان والاقطاعية والحاكمين الطغاة وعدت نفسها مدرسة وطنية لا مشروع تجاري.وفي العراق صدرت صحف مختلفة وكثيرة وتناولت عدة قضايا لمراحل مختلفة وهي : (العهد العثماني ) و(الاحتلال البريطاني) و (العهد الملكي ، والجمهوري) تخللته فترات حاسمة في تاريخ العراق ، وكان للصحافة دور بارز في التفاعل مع الاحداث التي جرت وواكبت هذه العصور المختلفة ممايعكس الخلفية الثقافية والاجتماعية للمجتمع العراقي بابعاه السياسية والاقتصادية والحزبية التي تركت اثارا لوقتنا الحاضر ..
وقد مرت الصحافة العراقية بعدة عهود :
اولا : صحافة العهد العثماني
– وتبدأ قصة الصحافة العراقية مع تعيين الوالي مدحت باشا على العراق حيث جلب معه مطبعة من باريس وأسس صحيفة الزوراء عام 1869 وهي صحيفة رسمية و في الوقت نفسه أول من تولى رئاسة التحرير فيها حيث كان ذو عقلية اصلاحية ومتحررة ولقب بأبي الاحرار ، وقدمت الزوراء في عددها الاول صورة صادقة لمشاريع الوالي مدحت باشا في مجال تحديث العراق ،تولاها بعده عزت الفاروقي وأحمد الشاوي البغدادي وطه الشواف ومحمد شكري الآلوسي وعبدالمجيد الشاوي وجميل صدقي الزهاوي. .
– وظهرت بعدها صحف رسمية في الموصل عام 1885 وفي البصرة عام 1895 . ومن اوائل الصحفيين العراقيين الصحافي عبداللطيف ثنيان من أصل سعودي أصدر صحيفة الرقيب في عام 1909وتوفي عام 1944، وبعد اعلان الدستور العثماني عام 1908 صدر في العراق 25 صحيفة ومجلة منها 19 صحيفة ومجلة في بغداد ، ابرزها الرقيب، ثم صدرت صحيفة صدى بابل لداوود صليوا الموصلي وكان معلما وصدر العدد الاول منها 1909 . ففي الموصل اسهمت صحيفة نينوى التي صدرت في عام 1909 ،وصحيفة النجاح في 12-11-1910 ، و في البصرة صدرت الدستور عام 22-1-1912 ، ومجلة لغة العرب التي اصدرها الاب انستاس ماري الكرملي عام 1911وصحيفة النهضة لصاحبها مزاحم الباجه جي التي صدرت عام 1913، وقد اسهمت هذه الصحف جميعها في حركة اليقضة العربية للتخلص من الاحتلال العثماني )
ثانيا : الصحافة في عهد الاحتلال البريطاني للفترة مابين 1914 – 1918
حين احتل البريطانيون بغداد عام 1917 توقفت جريدة الزوراء الشهيرة وقاموا باصدار جريدة العرب في 4 تموز 1917 بعد ان هيؤوا مستلزمات طباعتها وقد اعلنت هذه تحت ترويستها بأنها ( جريدة سياسية اخبارية تاريخية عمرانية عربية المبدأ والغرض من انشائها في بغداد عرب للعرب ). وحرص المحتلون على اصدار صحف تعبر عن سياستهم ووجهة نظرهم ومن هذه الصحف (صدى الحقيقة) البغدادية ، و(العرب) البغدادية ،و( الاوقات) البصرية ، فقد بذلت المس بيل المستشارة الشرقية البريطانية ببغداد جهودا لاصدار هذه الصحف وهناك صحف اخرى كصحيفة (الاستقلال)لصاحبها عبد الغفور البدري ، وصحيفة (دجلة)لداوود السعدي ، وصحيفة (البديع) لداوود العجيل .. جميعها معارضة للسياسية البريطانية في العراق .
ثالثا: صحافة ثورة العشرين
اهم الصحف (الفرات) التي تعبر عن لسان الثوار ومطاليبهم و “الاستقلال”،حيث تدخلان ضمن اروع ما تركته ” ثورة العشرين ” وتؤلفان واحدة من انصع صفحات الصحافة العراقية
رابعا: صحافة الحكم الوطني
بعد تأسس الدولة العراقية عام 1921 اشتهرت المطالبة بتأسيس الاحزاب واصدار الصحف التي اصبحت لسان حال تلك الاحزاب ومنها صحيفة (الحزب الوطني )برئاسة السيد جعفر ابو التمن ، وصحيفة (حزب النهضة). وفي الثلاثينات صدر العدد الاول من صحيفة الاهالي وكان رئيس تحريرها المرحوم حسين جميل ودعت الى الاصلاحات. وصحيفة (العالم العربي) لصاحبها سليم حسون صدرت عام 1934 وعرفت بمواقفها الوطنية والقومية وسعت لمحاربة النعرات الطائفية .
وخلال انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936 اصدر الشاعر محمد مهدي الجواهري وهو اول نقيب للصحفيين في العراق صحيفة بأسم (الانقلاب) ، ثم صدرت صحيفة (العقاب) لصاحبها يونس بحري عام 1933 ومجلة ( الوادي ) لصاحبها خالد الدرة ، ومجلة (حبزبوز) الفكاهية المعروفة لصاحبها نوري ثابت ، وكذلك صحيفة الدفاع لصاحبها سركيس صوراني.
خامسا : الصحافة الحزبية
تشمل صحافة الحزب الشيوعي مثل صحافة ( كفاح الشعب ) ، (الشرارة ) ، (القاعدة) ، (اتحاد الشعب) ، وكلها صحف سرية .كما اصدر الحزب الشيوعي عام 1954 مجلة الثقافة الجديدة واستمرت بالصدور .وعقب ثورة 14 تموز 1958 اصدر الحزب الشيوعي صحيفة (اتحاد الشعب ) ناطقة باسمة .اما الاحزاب الكردية ، فقد اصدرت صحفا اهمها صحيفة (شورش ) ، كما كانت للحزب الديمقراطي الكردستاني عدة صحف منها ، صحيفة ( خه بات) اي النضال . كما صدرت عام 1952 مجلة (ياري كردستان) .
وفي نهاية الاربعينات من القرن الماضي صدرت صحيفة (لواء الاستقلال) الناطقة بلسان حزب الاستقلال بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة ، كما صدرت صحيفة اللواء الجديد لصاحبها ففيصل حسون ، وصحيفة (النداء) لصاحبها نور الدين داوود ، وصحيفة (الجريدة ) التي اصدرها فائق السامرائي احد زعماء حزب الاستقلال عام 1953.
اما حزب البعث فقد اصدر عام 1953 صحيفة ناطقة باسمه وهي (العربي الجديد) ثم تحولت الى صحيفة (الاشتراكي)ساهمت في نشر افكار الحزب واهدافه . وعقب حركة 8 شباط 1963 صدرت صحيفة (الجماهير)لصاحبها كريم محمود.
سادسا : صحافة العهد الجمهوري
أول صحيفة صدرت بعد ثورة عام 1958 هي صحيفة (الجمهورية) باربع صفحات فقط . وفي عام 1959 تم تشكيل أول نقابة للصحفيين بشكل رسمي تولى مهامها الشاعر محمد مهدي الجواهري كأول نقيب للصحفيين العراقيين .
كما صدرت في بداية 1959 صحيفة (اتحاد الشعب) الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي ، وكذلك صدرت صحيفة (الثورة) لصاحبها يونس الطائي اضافة الى وجود صحف مثل صحيفة الزمان لصاحبها توفيق السمعاني ، و(الحرية) لصاحبها قاسم حمودي ، و(الاخبار) لصاحبها الاخوين جوزيف وجبران ملكون ، و(الشعب) لصاحبها يحيى قاسم ، و (البلاد) لفائق بطي ، و (الاحرار) لصاحبها عوني بكر صدقي .. وغيرها من الصحف والمجلات .
وفي عام 1964 صدرت صحيفة ( صوت العرب ) لصاحبها فوزي عبد الواحد ، و (المنار) لصاحبها عبد العزيز بركات ، وصحيفة (صوت العمال) وصحيفة (الشعب) ، وصحيفة (النصر) وصحيفة (العهد الجديد) و (الزمان ) ، و(الحرية) .وفي عام 1965 صدرت صحيفة (المتفرج ) للفنان حميد المحل وكذلك صحيفة لفكاهة لحميد المحل .ومن ابرز الصحفيين في العراق
-ابراهيم حلمي العمر (يوصف باكبر صحفي في العراق)
– الاب كرملي
-صادق الازدي
-روفائيل بطي من مواليد الموصل
– جواد هبة الدين الشهرستاني
-ابراهيم صالح شكر
-احمد فوزي عبد الجبار
اضافة الى المئات من الصحفيين الرواد الاوائل، ومن التحديات التي واجهت الصحافة في العراق
1- الرقابة السياسيه
2- القوانين الناظمة للعمل الصحفي في العراق ،حيث ان هذه القوانين بشكل عام في العراق تخضع للاهواء السياسية والاحزاب المتنفذة .
3- المهارات لدى الصحفي
4- ضعف التمويل
5- التقلبات السياسية واخرها الاحتلال الامريكي عام 2003
فالصحافة العراقية واجهت تحديات مختلفة سياسية واجتماعية ، ولكنها بقيت معبرة صادقة عن الرأي العام العراقي ساعية لتحقيق اهدافه
مريم مظفر القصيري
وحدة الدراسات الإعلامية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية