تحول دراماتيكي، هكذا يُنظر للخطوة الجديدة التي أعلنها حزب العمال المعارض عبر تقديمه تعديلا برلمانيا يطلب فيه السماح لمجلس العموم بمناقشة السبل الممكنة لتفادي الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
كما تقدم الحزب بمقترح آخر يتيح للمجلس التصويت على إمكانية إجراء استفتاء ثان، وهو الأمر الذي كان مرفوضا في أدبيات الحزب وسياساته حتى وقت قريب.
وعقب شهور من رفض مطلق للحزب وزعيمه لفكرة الاستفتاء الثاني، يبدو أن الانسداد السياسي القائم، والتحول في موقف الرأي العام البريطاني لصالح معارضة الخروج من الاتحاد الأوروبي؛ دفعا حزب العمال بقيادة جيريمي كوربن للسعي مرغمين نحو الموافقة على إجراء استفتاء ثان.
هذا التغير وصفه مراقبون بأنه “بالغ الدلالة” بالنظر لموقف الحزب، خاصة رئيسه اليساري كوربن المتبني تاريخيا إيديولوجيا مناهضة للاتحاد الأوروبي، كما أنه تحول يبرز حجم التغيرات في الساحة السياسية البريطانية، وحالة الانسداد السياسي، وارتفاع منسوب الانقسام بين الأحزاب، وغياب خارطة طريق واضحة المعالم.
فوبيا الخروج
ويعكس -من جهة أخرى- “فوبيا احتمال الخروج دون اتفاق”، التي باتت تقض مضاجع السياسيين البريطانيين وعموم الرأي العام البريطاني.
ويقول رئيس المجموعة العربية في حزب العمال عطا الله سعيد إن الحزب بات لا يمانع في تأجيل الخروج من الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام، مؤكدا أنه متمسك بالخروج باتفاق يحقق المصلحة الوطنية لكن ضمن شروط محددة.
وحول رؤية الحزب للخروج من الأزمة القائمة يقول سعيد إن حزبه (العمال) يعارض الخروج دون اتفاق، ويدفع بالوصول لصفقة تتضمن البقاء داخل السوق المشتركة، بالإضافة إلى الحفاظ على مكتسبات العمال والمحكمة الأوروبية، فالناس -بحسب العضو العمالي- يريدون الخروج من الوحدة الأوروبية وليس مقاطعة أوروبا.
التغير في الملامح السياسية يعكس حجم الزلزال السياسي الذي يضرب المملكة المتحدة هذه الأيام، فاستطلاعات الرأي انقلبت تماما لتكشف تغير مزاج الناخب البريطاني الذي بات يشعر بالقلق جراء الفوضى القائمة.
كما توقعت الاستطلاعات أن يصوّت البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد بفارق كبير إذا أجري استفتاء ثان؛ مما يوضح بجلاء تراجعهم عن فكرة الطلاق من الاتحاد الأوروبي بعد ما خبروه خلال الشهور الماضية من تخبط وغياب للرؤى الواضحة للتعامل مع مرحلة ما بعد الخروج.
وعلى الضفة الأخرى، لا يبدو حزب المحافظين الحاكم أفضل حالا، إذ يبدو في حالة من الضعف والانقسام لم يشهد مثلها خلال المائة سنة الماضية؛ فالمتحفظون -بحسب التصويت الحزبي الداخلي الأخير على مستقبل تيريزا ماي- بدوا منقسمين على أهلية قائدتهم لقيادة الحزب، قبل أن تنجو بعدها من العزل في مذكرة تصويت مجلس العموم الذي قاده ضدها كوربن، الأمر الذي يجعل شرعيتها وقدرتها ضعيفة، بل ومعدومة لإقناع البرلمان بالصفقة الحالية.
إضافة إلى أزمة القيادة، يواجه الحزب خطر الانقسام بعد تصاعد حالة التمرد وتنامي الدعوات لتشكيل تكتل جديد إذا استمرت ماي في مقاربتها الحالية وإخفاقها في قيادة دفة البريكست.
ويصف عضو حزب المحافظين السابق نيك مازي الحال التي انتهى لها الحزب بأنه “بات حزبا أيديولوجيا يقوده انتهازيون وتنهشه الصراعات”.
أكاذيب صارخة
ويؤكد مازي -في مقال له بصحيفة التايمز البريطانية- أن “الوقت حان للاعتراف بضعف تيريزا ماي وتأجيلها غير المجدي للتصويت على صفقة البريكست غير المقبولة أصلا، إضافة إلى ضرورة فضح الأكاذيب الصارخة للعضو البارز بوريس جونسون”.
كما يرى مازي أن الحزب “بات يمارس الغش والكذب، ويحترف فقط إلقاء اللوم على الاتحاد الأوروبي والمهاجرين”، داعيا إلى تشكيل كيان جديد من المستقلين والخروج من حزبي المحافظين والعمال اللذين أثبتا فشلا كبيرا، حسب رأيه.
ويبدو من خلال المؤشرات القائمة أن بريطانيا ذاهبة نحو تأجيل البريكست، حيث حذر كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه من عدم إمكانية إيقاف خروج بريطانيا إذا لم يتم الوصول لاتفاق مرضٍ.
كما أن صعوبة -بل استحالة- تمرير تيريزا ماي اتفاقها مرة أخرى في البرلمان الذي رفضه بأغلبية ساحقة، خاصة أنها لم تجر عليه تعديلا مرضيا؛ تؤشر إلى الحاجة لمزيد من الوقت للتفاوض.
ويشير التعديل الذي تقدم به حزب العمال، مدعوما بالتحول في الرأي العام لجهة المطالبة بإلغاء الخروج، إلى أن بريطانيا قد تتجه نحو تنظيم استفتاء ثان، رغم تحذيرات رئيسة الحكومة بأن إجراءه يعني فقدان الثقة في قواعد اللعبة السياسية، وتجاوزا لنتائج استفتاء 2016.
الجزيرة