“مصر قد تصبح ضمن الاقتصادات السبعة الكبرى في العالم بحلول عام 2030، بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 8.2 تريليونات دولار”. تصريح صدر عن بنك ستاندرد تشارترد البريطاني قبل أيام، وأثار جدلا كبيرا بشأن خلاصة هذا التوقع، خاصة عند من قارنوا هذه التوقعات بحقائق الواقع.
يأتي ذلك رغم انخفاض قيمة الناتج المحلي لمصر من 335 مليار دولار قبل التعويم إلى 230 مليار دولار العام الماضي.
وحدد باحثو البنك توقعات طويلة الأجل، لسبع أسواق ناشئة حاليا ستكون من بين أكبر عشرة اقتصاديات عالميا في 2030، بينما أكدت مذكرة بحثية نشرتها وكالة بلومبيرغ مؤخراً -نقلا عن البنك- أن التوقعات تستند إلى تغيير ترتيب الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
وبنى التقرير توقعاته للنمو على المدى الطويل مدعوماً بمبدأ رئيسي وحيد، هو أن حصة البلدان من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يجب أن تتقارب مع نسبتهم من سكان العالم.
مؤشرات ومبشرات
ورغم أن التقرير الصادر مؤخراً سبق أن صدر مثله، وبالتوقعات نفسها، قبل أربعة أعوام؛ فإن التقرير الأخير وجد حفاوة كبيرة لدى وسائل الإعلام المصرية، ولا يزال صداها يتردد.
يأتي ذلك رغم انخفاض قيمة الناتج المحلي لمصر من 335 مليار دولار قبل التعويم إلى 230 مليار دولار العام الماضي.
وبحسبة بسيطة لحجم الناتج القومي بالنسبة إلى عدد السكان، تحتاج مصر للوصول إلى الناتج الإجمالي المذكور، لمضاعفة اقتصادها أكثر من 15 مرة خلال 11 سنة، بمعدل نمو لا يقل عن 100% سنويا، حيث يجب أن ينمو الاقتصاد بنسبة 140% سنويا بالنسبة لـ230 مليار دولار.
ويقول المحلل المالي نضال الخولي “نأمل أن تكون هذه التوقعات صحيحة، وأن تصبح الدول العربية كلها من الاقتصادات الكبرى، لكن التوقع النظري شيء والواقع العملي شيء آخر”.
وفي حديث للجزيرة نت تساءل الخولي: “هل تفترض هذه التوقعات أن تتجمد الاقتصادات العشرة الأكبر الحالية، مثل اليابان وألمانيا وبريطانيا، حتى تلتحق بها مصر؟”
كما تساءل: “مصر لا توجد في الوقت الحالي ضمن الدول العشرين الكبرى بالعالم، فكيف لها أن تقفز إلى هذا الترتيب؟”
وأضاف أنه ربما استندت هذه التوقعات إلى حساب الناتج المحلي الاسمي الذي يستبعد معدلات التضخم، وهي كبيرة بالدول الناشئة في حدود 20%، ومع ذلك -يعتقد الخولي- فإن الأرقام محط تساؤل.
من جهتها، قالت أستاذة الاقتصاد بجامعة الأزهر كريمة كريم إن الفضل في صدور تقارير دولية متفاءلة يرجع إلى التقارير الحكومية الرسمية التي تصدرها الحكومة المصرية عن تحسن الاقتصاد المصري، والنمو الذي حققته في ظل سياسة الإصلاح الاقتصادي، وإنشاء مدن جديدة، وتوفير ملايين فرص العمل للشباب.
وأشارت كريمة كريم إلى أن ارتفاع الاحتياطي النقدي لنحو 44 مليار دولار، وتحقيق فائض نمو بنسبة تصل لـ5%؛ دفعا المؤسسات المصرفية العالمية إلى إصدار توقعات بانضمام مصر للأسواق السبع العالمية عام 2030، على سبيل التوقع.
وفي رأيها، فإن للتقارير الأجنبية عن حالة الاقتصاد المحلي موثوقية عالية، بشكل يدفع المواطنين للثقة في سياسات الإدارة السياسية للبلاد، كما أن هذه التقارير تمثل شهادة بناء ثقة للأسواق الناشئة مثل مصر.
تفاؤل في غير محله
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أنه لا يوجد اقتصادي موضوعي في العالم يجرؤ على وضع توقعات لـ11 سنة قادمة، وما يقال الآن من توقعات متفائلة قيل مثله في عهد مبارك عام 1992، بأن الاقتصاد سيخرج من أزمته عام 2020، وها هي 2020 على الأبواب والوضع في تدهور.
ويؤكد شاهين أن مثل هذه التوقعات غير مبنية على مؤشرات واقعية، مثل توفر القوة الإنتاجية الواعدة، وزيادة عدد المصانع، ومضاعفة قدرات القوة العاملة، وهي كلها عناصر إنتاج أساسية مرتبطة بالطبيعة أو الأرض أو العمل أو رأسمال، وهذه العناصر غير متوافرة لعدم وجود مناخ استثماري.
وهناك جملة عوامل تنبني عليها التقارير الاقتصادية الخاصة بالدول عموما، هي الاستقرار السياسي والاجتماعي، مع معدلات الزيادة السكانية الضخمة المفترض أن تضاعف الإنتاج عدة مرات، بالإضافة إلى الانخفاض النسبي للأسعار؛ لذا تصدرت الدول الأعلى كثافة سكانية هذا التقييم.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب “هناك بالفعل زيادة في قيم الاستثمارات، وزيادة في الإنفاق العام، وزيادة في الإنتاج الكلي؛ وبالتالي انعكس ذلك على زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي”.
ويضيف في تصريحات لمراسل الجزيرة نت أحمد حسن “أرى أن هذه التصريحات حقيقية، وهناك معدل نمو حقيقي لكنه أقل من المطلوب”.
ويتابع “مطلوب معدل نمو يتراوح بين 7 و8% حتى يشعر المواطن المصري ببعض التحسن، ومطلوب معدل نمو يصل ما بين 10 و12% حتى يشعر المواطن بشكل مستمر بالتحسن والرفاهية”.
سوق ضخمة وليست منتجا كبيرا
واعتبر الكاتب الصحفي ممدوح الولي أن هذه التوقعات المتفائلة مبنية على تقدير لحجم عدد السكان، والنظر لمصر كسوق ضخم وليست منتجا كبيرا، بافتراض أن كل هؤلاء البشر يعملون وينتجون ويصدرون.
ولفت الولي إلى أن الدراسات الدولية لا تنبني على محددات ثابتة؛ فالبنك الدولي لديه توقعات لاقتصادات الدول تختلف عن توقعات صندوق النقد، لاختلاف طريقة القياس؛ فالبنك الدولي يقيس مستقبل الاقتصاد بناء على سعر صرف العملة، في حين يقيسها صندوق النقد بناء على القوة الشرائية للعملة.
ويؤكد الولي أنه لا مؤشرات على مستقبل واعد بعد 11 عاماً؛ فالإصلاح الاقتصادي المزعوم لم يبدأ بعد -في تقديره- وما يجري هو إصلاح مالي، يفترض فيه التمهيد للإصلاح الاقتصادي الذي يعني في جوهره توفير المناخ الملائم للاستثمار والإنتاج في مختلف القطاعات.
والمؤشرات السلبية على تباطؤ الاقتصاد هي الأبرز، إذ أوقفت شركات السيارات الاعتمادات المستندية لاستيراد السيارات نتيجة تباطؤ المبيعات، وهو شبيه بما يجري في مختلف القطاعات، وفق المتحدث ذاته.
ويقول ممدوح “في أواخر عهد مبارك زادت نسبة النمو على 7%، ومع ذلك قامت ثورة 25 يناير لأن الناس لم تشعر بهذا النمو منعكسا على حياتهم المعيشية، فما بالنا بأوضاع اقتصادية وسياسية حاليا أسوأ مما كانت بعهد مبارك ، ويتندر الناس خلالها عندما يسمعون عن نسب النمو المرتفعة ، وهم يرون الركود يعم الأسواق.
ويضيف “حتى رجال الأعمال لا يثقون في ما يتم تداوله من نسب مرتفعة للنمو بينما هم عازفون عن التوسع في مشروعاتهم انتظارا لتحسن أوضاع الركود بالأسواق وهبوط سعر الفائدة وتحسن القوى الشرائية”.
وينبه الولي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن العامل السياسي له دور؛ فالغرب لن يسمح بنهضة اقتصادية لدولة جارة لإسرائيل، يحتاجها كسوق لتصريف منتجاته.
المصدر : الجزيرة